هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
"كانت القيامة، الكل يختنق والدموع تسيل"، هكذا استذكر عبد الحميد اليوسف المجزرة التي نفذها النظام السوري بالغازات الكيمائية، في مدينة خان شيخون جنوبي إدلب قبل ثلاث سنوات.
في الرابع من نيسان/أبريل من كل عام يستذكر السوريون مجزرة خان شيخون التي نفذتها طائرات تابعة للنظام السوري في مدينة خان شيخون، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 90 مدنيا خنقا، من بينهم أطفال ونساء، وإصابة نحو 500 آخرين.
اليوسف الذي فقد 25 فردا من عائلته، من بينهم زوجته دلال، وطفلاه التوأم آية وأحمد، وإخوته وأبناء إخوته، في الهجوم بالغازات السامة، ما زال يعيش على أمل أن يتمكن يوماً من محاسبة القتلة.
يروي لـ"عربي21" تفاصيل المجزرة: "في ساعات الصباح الأولى، استيقظنا على صوت قصف نفذته الطائرات على مدينة خان شيخون، وعلى الفور قمت بنقل أفراد عائلتي إلى القبو، ومن ثم توجهت إلى منزل أهلي، غير أن الرائحة كانت قوية، والقصف لم يكن كالمعتاد".
يضيف اليوسف، والألم واضح على نبرة صوته: "المشهد ما زال في الذاكرة، الجميع كان يصرخ، والأطفال في الشوارع، وفي كل لحظة يسقط شخص على الأرض".
اليوسف بعد توجهه لمنزل عائلته، سقط نتيجة استنشاق كميات كبيرة من الغازات وأسعف من قبل فرق الدفاع المدني إلى المشفى، في هذه الأثناء كانت فرق الإسعاف قد أسعفت زوجته وطفليه إلى المشفى، لكنهم فارقوا الحياة.
الفاعل ما زال طليقا
يصمت اليوسف، قبل أن يضيف، "مضت ثلاث سنوات على المجزرة، والمجرمون خارج نطاق المحاسبة، ولا زالوا حتى الآن يواصلون ارتكاب المجازر بالغازات السامة والبراميل المتفجرة، وغيرها من أدوات القصف، بدعم روسي".
اقرأ أيضا: لهذه الأسباب يضخّم النظام انتصاره في خان شيخون
"الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، اعتبرت في تقرير صادر عنها، السبت الماضي، في الذكرى الثالثة للمجزرة، أن روسيا أيدت في الغالب الهجوم الذي نفذه النظام السوري بالغازات السامة، في صبيحة الرابع من نيسان/أبريل 2017.
وأكدت أنها "وثقت قصف المدينة بعدة هجمات يُعتقد أنها روسية استهدفت مركزا طبيا، ومقرا لمنظمة الدفاع المدني السوري، كانا يقدمان خدمات الإسعاف لمصابي الهجوم الكيميائي، ما يشير إلى تورط روسي بشكل مخز".
واعتبرت أن اختيار توقيت القصف فجرا، والغارات التي استهدفت عدة مراكز طبية قبل الهجوم وبعده، إضافة إلى الغارات التي استهدفت الطرق المؤدية للمدينة، يؤكد أن هذا التكتيك يشبه إلى حد بعيد ما قام به النظام السوري في هجوم الغوطتين بريف دمشق في آب/أغسطس 2013.
وحول مزاعم النظام وروسيا بأن الطائرات استهدفت مستودعا لتصنيع الألغام الكيميائية، قالت الشبكة إن "هذه المزاعم لا تدعمها أي أدلة على الأرض فالحي الشمالي المستهدف حي سكني، ولا تُشير التحقيقات التي خلص إليها التقرير إلى وجود أي مخازن أسلحة كيميائية في المنطقة".
الألم لم ينته
مأساة عبد الحميد اليوسف لم تنته بخسارة عائلته، حيث اضطر قبل نحو عام إلى النزوح ومغادرة منزله المسكون بالذكريات، بسبب سيطرة قوات النظام على خان شيخون.
ومن مكان نزوحه بالقرب من الحدود التركية، يؤكد في حديثه لـ"عربي21" أن "بقاء النظام السوري دون محاسبة، يؤكد زيف العالم أجمع، ويؤكد أيضاً أن الشعارات التي ترفعها الأمم المتحدة، وما تدعيه عن حقوق إنسان، لا وجود لها في هذا العالم المتوحش".
تزوج اليوسف بعد عام من وقوع المجزرة، ورزق بطفلة أسماها آية، على اسم شقيقتها التي استشهدت في المجزرة.
النظام يصادر مسرح الجريمة
في آب/ أغسطس الماضي سيطر النظام السوري على خان شيخون، ليصادر بذلك مسرح الجريمة، حسب تعبير الناشط والإعلامي السوري البارز هادي العبد الله.
وأضاف لـ"عربي21"، أن سيطرة النظام على خان شيخون تعني فعليا التقليل من فرص محاسبة النظام، وذلك في إشارة إلى محاولات النظام إخفاء كل الدلائل التي تؤكد تورطه بتنفيذ المجزرة.
وقال: "المجرم بقي بدون عقاب، ويواصل استهداف المناطق وارتكاب المجازر، بدعم من روسيا، وبصمت دولي".
وكانت مصادر إعلامية محلية قد أشارت في وقت سابق إلى قيام النظام السوري بطمس معالم مجزرة الكيميائي في خان شيخون، وذلك من خلال استقدام عائلات من مناطق موالية إلى خان شيخون لتكذب وتنفي وقوع أي هجوم كيماوي على المدينة.
260 هجوما كيميائيا
من جانبه ذكر المتحدث باسم "مركز توثيق الانتهاكات الكيمائية" في سوريا، أحمد الأحمد، أن مجموع الهجمات الكيمائية التي سُجلت في سوريا، وصل إلى 260 هجوما، وقال: "لا توجد منطقة في سوريا استرجعها النظام إلا ولجأ خلال تقدمه إليها لاستخدام الأسلحة الكيمائية، بداية بأحياء حمص القديمة في العام 2013، ومرورا بالغوطة وخان شيخون ووصولا إلى جبهات الكبينة بريف اللاذقية الشمالي".
وفي حديثه لـ"عربي21" أشار إلى تخوف روسيا من التقارير التي سيصدرها "فريق تحديد المسؤولية- (IIT)" التابع لـ"منظمة حظر الأسلحة الكيمائية (OPCW)"، التي ستحدد المسؤولية عن 9 هجمات كيمائية حدثت في سوريا، منذ العام 2014.
وقال إن روسيا التي تجدد اتهاماتها من حين لآخر للمعارضة بالمسؤولية عن تنفيذ الهجمات الكيمائية، تحاول استباق تقرير الفريق الأممي، موضحا أن "روسيا ستقول للمنظمة إننا تحدثنا لأكثر من مرة عن قيام جهات "إرهابية" باستخدام الأسلحة الكيمائية في سوريا".
وأردف الأحمد، أن الحساب قد اقترب، والتقرير الذي يحدد مسؤولية النظام سيصدر قريبا.
اقرأ أيضا: الكشف عن تسريب معلومات بمنظمة تحقق بـ"كيماوي دوما" السورية
وفي مطلع آذار/مارس الماضي، كان "المركز الروسي للمصالحة في سوريا" التابع لوزارة الدفاع الروسية، قد زعم في بيان أنه "حصل على أدلة تشير إلى محاولة استفزاز فاشلة قامت بها مجموعات إرهابية باستخدام أسلحة كيميائية في الجزء الشرقي من منطقة خفض التصعيد بإدلب".
الائتلاف يطالب بالمحاسبة
وقبل يومين، جدد الائتلاف االمعارض، التأكيد على ضرورة تفعيل المادة 21 من القرار 2118 والمتعلقة بفرض تدابير عملية ضد النظام بموجب الفصل السابع، معتبرا أن المجزرة التي تمر الذكرى الثالثة على وقوعها في مدينة خان شيخون تفتح الباب أمام هذه الخطوة اللازمة والضرورية.
وأضاف على موقعه الرسمي، أن مجزرة كيميائي خان شيخون التي ارتكبها النظام باستخدام غاز السارين أسفرت عن سقوط نحو 100 شهيد ومئات الإصابات، ومازال مستمرا في تشكيل خطر جسيم على الشعب السوري وعلى المنطقة والعالم، سواء في ما يتعلق بجرائمه اليومية المباشرة أو غير المباشرة، أمر يكشفه الأداء الكارثي في مواجهة جائحة كورونا والمخاطر الجسيمة التي يتعرض لها المدنيون في المناطق الخاضعة لسيطرته.
وأكد الائتلاف أن اللجنة القانونية التابعة له ما زالت تتابع هذا الملف، وتعمل على جمع الشهادات والوثائق، وتعمل على ملاحقة المجرمين المسؤولين عن هذه الجريمة وسائر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا، مضيفا أنه "ليس لدينا شك بأنها قادرة على إدانة النظام وداعميه والمسؤولين عن تنفيذ تلك الجرائم، أمام أي محكمة عادلة".
وأكد أن ذكرى هذه المجزرة تمثل مناسبة لتذكير بعض الأطراف التي تفكر في تعويم هذا النظام المجرم بحقيقة ما تقوم به، وبمخاطر سلوكها وآثاره الكارثية، وأن كل من يمد يده للنظام فإنه يضع نفسه مع هذه الزمرة، محذرا المجتمع الدولي من مخاطر غياب المحاسبة في ملفات الجرائم المرتكبة في سوريا، ومن آثار الإفلات من العقاب على العدالة والسلم والأمن الدوليين.