لم يتوقف اللواء المتمرد خليفة
حفتر يوما عن القصف الممنهج للأحياء السكنية في طرابلس العاصمة بعد إعلانه عن عملية عسكرية للسيطرة عليها، ولم يتوقف خلال كل الهدن التي تم الاتفاق عليها منذ أعلن انقلابه على الثورة الليبية، فاستمرت عمليات مليشياته ومجموعات المرتزقة، بدعم وتمويل وإسناد سياسي وعسكري من الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والإمارات والسعودية ومصر واليونان.
وقد أعلنت
حكومة الوفاق الوطني عن عملية "عاصفة السلام" بمحيط طرابلس، كحق أصيل لها باعتبارها الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا؛ دفاعا عن النفس إزاء استمرار جرائم حفتر وداعميه بحق الشعب الليبي، باستخدام مختلف الأسلحة المتوسطة والثقيلة والطائرات التي تصل إلى حفتر عبر الحدود المصرية.
وبعد نحو شهر من إطلاق عاصفة السلام في السادس والعشرين من آذار/ مارس الماضي، تم تحرير العديد من المدن والمناطق الاستراتيجية، وفرض طيران الوفاق هيمنته لأول مرة على ساحات المعارك والأجواء، في الوقت الذي تساقط فيه عناصر مليشيات حفتر بالمئات ما بين قتيل وجريح وأسير، وكذلك تلك العملية النوعية شبه المستحيلة، حسب تقدير البعض، التي استهدفت قاعدة "الوطية"، تلك القاعدة التي أنشأتها أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية.
ثم توالت الضربات القاتلة لحفتر، ففقد كامل المنطقة الغربية الساحلية باستثناء قاعدة الوطية الجوية المحاصرة حصارا شديدا، ما جعلها خارج نطاق الخدمة وعاجزة عن القيام بأي عملية عسكرية. بعد سيطرة قوات الوفاق على مدينتي صرمان وصبراته، وقبلهما مدينة غريان، لم يتبق سوى مدينة ترهونة التي تمثل رأس الحربة لحفتر وأهم معقل له. وأسفر الهجوم على ترهونة عن سيطرة قوات الوفاق على عدد من المواقع بمحيط المدينة.
الخلاصة أنه خلال ما يقارب الشهر، تمكنت عاصفة السلام من قلب المشهد الليبي رأسا على عقب، والتحول من الدفاع للهجوم وتوسيع مساحة سيطرة الثورة بنحو 3300 كلم مربع.
وللأسف الشديد، وبدلا من دعم تقدم قوات حكومة الوفاق الشرعية لدحر انقلاب حفتر كي تستعيد الدولة الليبية مكانتها ووحدتها، أطل علينا ما يسمى الأمين العام للأمم المتحدة بمبادرة لوقف إطلاق النار بحجة مواجهة فيروس كورونا، وتناسى أنطونيو جوتيريش أن حفتر قام بشن حملة عسكرية ضد طرابلس وقت وجود جوتيريش في المدينة للإعداد لمؤتمر المصالحة الوطنية!
ثم في وضع بالغ الحساسية تعيش فيه أوروبا أسوأ أوقاتها، لم تنس أن تستكمل مخطط تقسيم
ليبيا، وأعلن الاتحاد الأوروبي عن عملية عسكرية تحت مسمى "إيريني"، الهدف منها تضييق الخناق على قوات الوفاق وإفساح المجال للمجرم خليفه حفتر للحصول على شحنات أسلحة (من الإمارات، روسيا، فرنسا، الأردن، السعودية) بشكل منتظم، حسب تصريحات وزير الداخلية الليبي.
والآن، خرج علينا وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وكبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، بدعوة مشتركة إلى هدنة إنسانية في ليبيا، وقالوا إنه على كل الأطراف استئناف محادثات السلام، لتساوي بذلك بين المجرم المنقلب المعتدي، وحكومة الوفاق الشرعية.
وبدورنا، نسأل عن مدى سلامة الحجج التي ساقها الاتحاد الأوروبي لدعوات كهذه من الأطراف الدولية الداعمة لحفتر، في ظل تسارع العد التنازلي على تخوم مدينة ترهونة قبل إحكام قوات الوفاق عليها بالكامل قريبا بإذن الله، التي ستكون محطة حاسمة فارقة في عملية عاصفة السلام، خاصة أن ترهونة تُعَدّ الامتداد الجغرافي للعاصمة طرابلس، وسقوطها سيؤدي بالضرورة لهزيمة حفتر هزيمة كاملة في غرب ليبيا.
جدير بنا أن نسأل: ما الذي أسهم بقلب موازين القوى وتغير ديناميكية المواجهة بكاملها لصالح قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، لكنها لا تحظى بدعم عسكري سوى من تركيا بمقتضى اتفاقية أمنية، في الوقت الذي تدعم فيه حفتر دول عدة؟ يجزم المراقبون بأن استعادة الوفاق السيطرة على الأجواء الليبية كان حاسما، بفضل براعة ونجاعة ذلك الطائر التركي المسير العجيب الفتاك "بيرقدار"، بجانب منظومة دفاعية متطورة نجحت في شل حركة الطائرات الصينية المسيرة، التي تمتلكها الإمارات ويستخدمها حفتر في مهاجمة الأهداف المدنية.
حقيقة المشهد حتى الآن لم تكتب كامل تفاصيله، لكن المؤكد أن هزيمة حفتر في غرب ليبيا ستكون لها ارتدادات في الشرق الليبي، في ظل مسار سياسي دولي عقيم وقح منحاز متآمر ضد الثورة الليبية.
يا ثوار ليبيا وأحرارها، يا أحفاد عمر المختار، تقدّموا، واغنموا، واعلموا أن الله ناصركم طالما ظللتم تدافعون عن حق الأمة في التحرر والخروج من الهيمنة. وكما أخبرنا الله في محكم التنزيل: "سيهزم الجمع ويولون الدبر".