قضايا وآراء

72 عاما على إنشاء الدولة الطارئة

نبيل السهلي
1300x600
1300x600

كغيرها من الاحتلالات العابرة في التاريخ الفلسطيني، تعتبر إسرائيل دولة طارئة في التاريخ البشري، نظراً لأنها أنشئت في ظروف استثنائية عام 1948 وبدعم غربي، على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه فلسطين. وبعد 72 عاماً على إنشائها، وبروز المؤسسات والهيئات المختلفة فيها، باتت تتبوأ مرتبة متقدمة في إطار العلاقات الدولية. 

وعلى الرغم من ضيق المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل وشحّ الموارد الطبيعية، فقد ساعدها الموقع الجغرافي والإطلالة على البحر المتوسط عبر ساحل يمتد لنحو 224 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، في التعويض عن ضيق المساحة، لكن الثابت أن بريطانيا وفرنسا وأمريكا والدول الغربية الأخرى ساعدت بشكل حاسم في تعزيز حضور واستمرار الدولة الطارئة في إطار العلاقات الدولية.
 
التنمية الاقتصادية والبشرية

كان للتركيب السكاني، أكثر من 60 بالمائة من التجمع الاستيطاني اليهودي في إطار قوة العمل النشيطة اقتصادياً، كان لذلك بالغ الأثر في النشاط الاقتصادي العام، خصوصاً، وأن من بين المهاجرين اليهود إلى فلسطين المحتلة خبرات علمية وأكاديمية عالية أدت إلى تحسين مستوى الآداء في كافة مراحل تطور الاقتصاد الصهيوني خلال الفترة الممتدة بين عامي 1948 و2020.. فضلاً عن ذلك ساعدت رؤوس الأموال التي انهالت على دولة الاحتلال الكولونيالي في شكل تبرعات ومساعدات من الجاليات اليهودية والولايات المتحدة، وغيرها من الدول الغربية، في حشد طاقات جديدة في الاقتصاد الإسرائيلي.

لقد عزز التطور في أداء الاقتصاد من فرص الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تخصيص المزيد من الموازنات للإنفاق على الصحة والتعليم والحرب بما فيها الأجهزة الأمنية مثل الشاباك والموساد، ما أدى إلى ارتفاع مؤشرات التنمية البشرية، حيث وصل العمر المتوقع للفرد في إسرائيل إلى 78 عاماً، في حين بلغت معدلات التعليم بين الكبار 90 في المائة، ووصل دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى (40) ألف دولار سنوياً بالمتوسط خلال السنوات الاخيرة. وبذلك تبوأت الدولة الطارئة، إسرائيل، مراتب متقدمة في تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خلال الفترة 1990- 2019. 

 

ترى دولة الاحتلال أن قوتها العسكرية المتطورة، وامتلاك الخيار النووي، يمثل ضمانا قويا لأمنها من جهة، ولاستمرار نفوذها في إطار العلاقات الدولية من جهة أخرى،

 



وقد كانت شبكة العلاقات التجارية والسياسية بين إسرائيل، سواء مع القارة الأوروبية، أو مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو مع القارة الأفريقية وآسيا، مؤشراً أساسياً على مدى نجاحها في تصدّر مكانة هامة في إطار العلاقات الدولية السائدة. 

وكانت هناك محاولات أمريكية حثيثة لتهيئة الظروف لبناء علاقات تجارية وسياسية وثقافية للدولة الطارئة مع دول مختلفة في العالم، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار جدار برلين، وسقوط القطب الآخر في بداية التسعينيات من القرن المنصرم ؛ وقد ساعد في ذلك غياب التكامل العربي في إدارة التعامل وبناء العلاقات مع الدول المختلفة في العالم في إطار العلاقات الدولية لتحقيق المصالح العربية العليا، وقد عزز التمدد الإسرائيلي في بناء علاقات مع مزيد من دول العالم عقد اتفاقية إعلان المبادئ (أوسلو) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في أيلول/ سبتمبر من عام 1993.

وتعتمد إسرائيل في بناء علاقاتها مع دول العالم على مشروع (MASHAV) على نقل المعلومات التكنولوجية وإغناء الموارد البشرية. وتستهدف النشاطات تعزيز القدرات المهنية من خلال الدمج بين البعد النظري والبعد العملي والدمج كذلك بين البحث العلمي وتطبيق المشروع على أرض الواقع، وتكييف تكنولوجيات جديدة لتلبية أولويات التطوير في الدول المستضيفة، وذلك عبر التعاون مع وزارات مختلفة ومعاهد مهنية وأكاديمية ومراكز بحث في الدولة الطارئة، إسرائيل. 

ويعمل مشروع(MASHAV) بالشراكة مع دول نامية ودول يمر اقتصادها بفترة انتقالية لمواجهة التحديات التنموية في مجالات مثل الحد من الفقر، تقديم الخدمات الصحية الأساسية، ضمان الغذاء، التربية في سنوات الطفولة المبكرة، مكافحة التصحّر، شركات صغيرة ومتوسطة الحجم وتطوير متكامل للمناطق الريفية. وقد شارك مشروع (MASHAV) منذ تأسيسه آلاف الرجال والنساء في دورات التأهيل المهنية التي نظمها في إسرائيل وخارجها. كما تم إرسال آلاف من الخبراء الإسرائيليين لفترات قصيرة وطويلة للتعاون مع نظرائهم في الدول المشاركة في المشروع.
 
مراكز البحث

لتعزيز مكانتها في إطار تلك العلاقات، أعطت الدولة الطارئة أولوية لإنشاء مراكز بحث، أو تطوير القائم منها. وتشير الدراسات المختلفة إلى أنها باتت تمتلك (100) مركز بحث، سواء على صعيد الجامعات أو المراكز الخاصة. وقد ساعدت تلك المراكز في تزويد صاحب القرار الإسرائيلي، بالأرقام والمؤشرات، والاقتراحات، والتوصيات، لبناء شبكة متشعبة من العلاقات الدولية، تعود بمردود سياسي واقتصادي كبير على إسرائيل. وقد ساعد أيضاً في ترسيخ تلك العلاقات الخبرات الفنية العالية التي تمتلكها إسرائيل في مجالات التقنية الزراعية، والتصنيع العسكري، والإلكترونيات. 

ولتعزيز علاقاتها الدولية، تسعى على الدوام إلى امتلاك جيش قوي، أصبح قوامه خلال السنوات الأخيرة ستمائة ألف جندي عند النفير العام، في كافة صنوف القوى البرية والبحرية والجوية، ناهيك عن الاعتماد على خيار نووي، عبر امتلاكها لنحو (200) قنبلة نووية، إذ ترى دولة الاحتلال أن قوتها العسكرية المتطورة، وامتلاك الخيار النووي، يمثل ضمانا قويا لأمنها من جهة، ولاستمرار نفوذها في إطار العلاقات الدولية من جهة أخرى، خصوصا وأن قضية الأمن تعتبر القضية الأهم في إطار الإستراتيجية العليا للدولة الطارئة، إسرائيل، وأن بناء شبكة علاقات دولية يجب أن يخدم تلك القضية ويحققها.

ويبقى القول بأن التاريخ الفلسطيني سيسجل في صفحاته رحيل وغياب الدولة الطارئة إسرائيل كما رحلت احتلالات سابقة لفلسطين؛ وإن استمرار كفاح الشعب الفلسطيني بوسائل مختلفة دالة كبرى على ذلك .

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

التعليقات (0)