هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اتسمت العلاقة بين تركيا و"هيئة تحرير الشام" على مدار السنوات السابقة بالتبادل المصلحي والتقارب الأيديولوجي، ففيما وجدت "تحرير الشام" في تركيا داعما وغطاء محليا من الناحية العسكرية ومنافحا أيديولوجيا وسياسيا إقليميا ودوليا، وجدت تركيا في الهيئة قوة عسكرية مدربة ومنظمة ومهيكلة يمكن الاعتماد عليها في منطقة إدلب.
خلال السنوات الماضية أعطت تركيا ميزات اقتصادية للهيئة (المعابر) والضرائب وغيرها، مقابل تخفيف الهيئة لخطابها الأيديولوجي ولممارستها الدينية على الأرض، وفعلا ما عادت الهيئة تتماهى تماما مع خطاب "جبهة النصرة" السابق، وما عادت أيديولوجية الجهاد العالمية جزءا من خطابها.. باختصار لقد اضطرت الظروف الهيئة إلى أن تكون أكثر براغماتية وأكثر قدرة على ممارسة العمل السياسي بمعزل عن عباءة الأيديولوجيا الدينية وسطوتها.
ولذلك، حاولت تركيا التملص من بعض بنود اتفاق سوتشي بخصوص إدلب نهاية 2018، ورفضت كل المحاولات الروسية لتصفية الهيئة عسكريا، لدرجة أنها فضلت الزج بثقلها العسكري في معركة إدلب الأخيرة كخيار استراتيجي بدلا من التوجه نحو القضاء على الهيئة.
ما بعد 5 مارس
غير أن تبعات وقف الهجوم العسكري للنظام السوري المدعوم من روسيا في إدلب، فرضت واقعا جديدا بين تركيا و"هيئة تحرير الشام"، وعادت بنود اتفاق سوتشي عام 2018 تفرض نفسها على الأرض بعدما نجح النظام في السيطرة على مناطق كثيرة في محافظة إدلب.
وأصبحت الضغوط التركية تهدد الهيئة كتنظيم يحاول الحفاظ على المكتسبات التي حققها خلال الأعوام الماضية، من الناحية المالية والإدارية، خصوصا بعد الانتشار العسكري التركي الكبير الذي فرض واقعا جديدا لا تستطيع الهيئة تجاهله.
وقد بدأت الخلافات في الآونة الأخيرة تتحول إلى مواجهات، خصوصا بعدما حاولت الهيئة أكثر من مرة عرقلة تسيير دوريات روسية ـ تركية مشتركة على جانبي الطريق الدولي حلب ـ اللاذقية M4، الأمر الذي دفع الجيش التركي إلى التدخل لفض الاعتصامات المدعومة من الهيئة.
أصبحت الضغوط التركية تهدد الهيئة كتنظيم يحاول الحفاظ على المكتسبات التي حققها خلال الأعوام الماضية، من الناحية المالية والإدارية، خصوصا بعد الانتشار العسكري التركي الكبير الذي فرض واقعا جديدا لا تستطيع الهيئة تجاهله.
فتح الطريق الدولي M4 سيشكل خسارة مالية كبيرة للهيئة التي تعتمد على الواردات المالية من المعابر الداخلية مع النظام، وهذه الخسائر المالية ستنعكس على النصرة في المجال الإدراي (حكومة الإنقاذ) وفي المجال العسكري (الرواتب).
وهذا الإضعاف المالي هو أحد الأوراق التي تمتلكها تركيا من أجل تحقيق أحد الهدفين:
ـ فصل الهيئة عن فصائل المعارضة المعتدلة، أي تحييدها، وهذه عملية غير مجدية لتركيا، لأن الهيئة ككيان ستظل قائمة، وهذا يعني استمرار الضغوط الروسية، على اعتبار أن مذكرة اتفاق سوتشي تنص على محاربة الإرهاب، وهو أمر ينطبق على كل التنظيمات المدرجة على لائحة الأمم المتحدة كتنظيمات إرهابية، بما فيها "هيئة تحرير الشام".
ـ أو دمج الهيئة مع فصائل المعارضة ضمن جيش موحد، وهذا الحل يخدم تركيا، لكنه أمر صعب للغاية، لما يتطلبه ذلك من تذرير الهيئة عمليا، ما لم تحدث انشقاقات عميقة في الهيئة تجعل من عملية التذرير أمرا واقعا.
خيارات الهيئة
لن يكون أمام الهيئة سوى خيارين: إما أن تقبل بالمقاربة التركية وتجري انعطافة سياسية وعسكرية كبيرة تجنبها أية مواجهة عسكرية محتملة مع الجيش التركي أو فصائل المعارضة، أو ترفض أية محاولة للمساس بها، مع ما يعنيه ذلك من حدوث مواجهات عسكرية مع تركيا.
باختصار، على الهيئة إما الاختيار بين المحافظة على تنظيم عسكري وأيديولوجي قوي، مقابل خسارة تركيا، أو تقزيم الهئية وتحويرها وجعلها جزءا من منظومة عسكرية متنوعة مقابل الحفاظ على علاقتها مع تركيا.
والهيئة تعي تماما أن لتركيا اليد الطولى في المنطقة وأنها تمتلك أوراقا كثيرة، منها الخناق المالي، ومنها عمليات الاغتيال للشخصيات التي تعترض على مقاربتها، ومنها سياسة القضم العسكرية البطيئة في مناطق سيطرة الهيئة.
على الهيئة إما الاختيار بين المحافظة على تنظيم عسكري وأيديولوجي قوي، مقابل خسارة تركيا، أو تقزيم الهئية وتحويرها وجعلها جزءا من منظومة عسكرية متنوعة مقابل الحفاظ على علاقتها مع تركيا.