هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتأرجح اليمن حاليا بين الوحدة والانفصال تحت ضربات نزاع مسلح مشتعل منذ خمس سنوات في البلاد، ففي حين تقود السعودية تحالفا بهدف إخراج جماعة "الحوثي" من صنعاء، تساند حليفتها الإمارات عملية الانفصال التي ينفذها "المجلس الانتقالي الجنوبي" ضد الحكومة المعترف بها دوليا، والذي يعيق عودتها إلى العاصمة المؤقتة عدن.
الوحدة اليمنية اليوم تترنح، وبات السؤال بعد 30 عاما على إعلانها "هل لا تزال قائمة وقابلة للحياة"؟
في 22 أيار/مايو عام 1990، أعلن عن قيام الجمهورية اليمنية بتوقيع آخر اتفاقية للوحدة اليمنية من قبل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ممثلة برئيسها علي سالم البيض بصفته الأمين العام لـ"الحزب الاشتراكي"، وعن اليمن الشمالي علي عبد الله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية الأمين العام لـ"المؤتمر الشعبي العام".
اليمنيون والعرب علقوا آمالا وتطلعات كبيرة على هذه الوحدة حينذاك بأن تكون نموذجا لحالات أخرى مشابها من الوحدة بين البلدان العربية المتجاورة لكن الذكرى تمر واليمن تعيش أوضاعا صعبة بدأت مع انقلاب "الحوثيين" على السلطة "الشرعية". واستكملت بمحاولات الانفصال.
وأجمع اليمنيون، في مؤتمرات مختلفة على مدار سنوات، على أن يكون شكل الدولة اتحاديا، ومكونا من ستة أقاليم هي: عدن، سبأ، حضرموت، الجند، آزال، وتهامة.
لقد شهد اليمن منذ إعلان الوحدة بعض الاستقرار وفترات الهدوء، لكن الأوضاع سرعان ما انفجرت بعد بدء نظام علي عبد الله صالح بإقصاء قيادات جنوبية، فوقعت حرب أهلية عام 1994 انتهت لصالح الحكومة المركزية في صنعاء.
وفي ظل الوضع الراهن أصبح ملف الجنوب بارزا، خاصة بعد تحرك القوات الجنوبية غير الحكومية ضد "الحكومة الشرعية" المعترف بها.
وفيما يحكم الانفصاليون قبضتهم العسكرية والسياسية على عدن ومحافظات لحج والضالع وأجزاء واسعة من أبين، تحافظ حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى على "شعرة معاوية" مع الوحدة اليمنية في الوقت الحالي، وسط تنامي النزعات الانفصالية.
الوحدة تعرضت "للابتزاز من البعض وللاعتداء من البعض الآخر" بحسب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الممثل الشكلي لـ"الحكومة الشرعية".
موضحا كلامه بالقول: "إن البعض حول الوحدة لمكاسب خاصة ملأها بالأنانية والإقصاء والتهميش وسوء استغلال الثروة والسلطة، والبعض الآخر صنع من الوقوف ضد الوحدة قضية للابتزاز وادعاء البطولات الزائفة مدفوعا بالذاتية حينا وبالاستجابة للمشاريع الخارجية حينا آخر".
الموقف الرسمي لجماعة "الحوثيين" من الوحدة يبدو براغماتيا، فهم لن يلجأوا إلى فرضها بقوة السلاح، ولذلك بقيت قواتهم على حدود المحافظات الجنوبية، على الرغم من قدرتهم على التوسع.
ما رشح عن الجماعة من تصريحات يؤكد أنهم توصلوا إلى قناعة أنهم حتى وإن وافقوا على فصل الجنوب عن الشمال، فإن السعودية والإمارات لن تنسحبا من الجنوب، ولن تسمحا ببناء دولة مستقلة فيه، أو التوقف عن توظيف الجنوبيين ضد "الحوثيين".
ويبدو موقف "الحوثيين" السلبي من الوحدة مغلفا بطابع مذهبي، فالشمال هو امتداد لـ"دولة الأئمة"، ومن ثم فإنهم يفضلون، على الأقل في المرحلة الأولى، الفوز بحكم الشمال، كونه المجال الجغرافي لذلك التاريخ.
وفيما تبدو إيران أكثر دبلوماسية في موقفها من الوحدة، فهي تعتبر أن التقسيم يأتي "في إطار مؤامرة مشبوهة" رغم أنها تتوافق بشكل كامل مع موقف "الحوثي" وتتماهى معه بشكل كامل.
إعلاميون يرون أن الانفصال أو الإبقاء على الوضع بين لا انفصال ولا وحدة، على نحو الوضع الصومالي هو السيناريو المطبق حاليا، لأن الأزمة ستطول ولا يمكن أن يستقر اليمن إلا بعد أن يستقر وضع المنطقة برمتها، لأن اللاعبين الإقليميين، الآن، السعودية وإيران والإمارات، في ذروة التوتر والتصعيد والانقسام.
وعلى الرغم من التفاؤل السائد لدى اليمنيين بإمكانية تصحيح وضع الوحدة داخليا، إلا أن كافة المؤشرات تؤكد أن تقرير مصير اليمن، سواء بإنهاء الحرب، أو شكل الدولة المرتقبة، قد أصبح في أيدي لاعبين إقليميين ودوليين إلى حد كبير.
وتتسم المواقف الإقليمية والدولية بالغموض، فالتصريحات التي كانت تصدر في مطلع سنوات الحرب، والتي تؤكد على "وحدة اليمن وسلامة أراضيه واستقلاله"، بدأت بالتلاشي في غالبية البيانات والمواقف الصادرة تعليقا على أحداث طارئة في المشهد اليمني.
ويتخوف الشارع اليمني، من تفاهمات سعودية إماراتية إيرانية، ومن ورائها الولايات المتحدة وبريطانيا، على تقرير مصير الدولة اليمنية كما هي عليه في الوضع الحالي، بحيث يبقى "الحوثي" في صنعاء وباقي المحافظات الشمالية، ويسلم الجنوب لـ"المجلس الانتقالي"، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات داخل البلاد.