قضايا وآراء

كورونا.. من المواجهة للمعايشة

مصطفى أبو السعود
1300x600
1300x600
هل يمكن القول بأن فيروس كورونا "نطحنا وبطحنا وذبحنا"، ولم نعد قادرين على إغلاق الباب في وجهه، ففتحنا الباب وأدخلناه بيوتنا ليعيش معنا رغماً عنا؛ يأكل معنا ويشرب معنا ويصبح بطل حواديثنا حتى مطلع الفجر؟ وهل في الأفق ما يشير لقرب رحيل الضيف الثقيل حتى تخفف بعض الدول من القيود المفروضة؟ سأجيبكم.

لو رجعنا لبداية تأسيس دولة الاحتلال ومواقف العرب منها سنجدهم قد رفضوا السماح لها بالعيش، وتدريجياً صار الرفض "غير منطقي" وطفت على السطح فكرة "من المواجهة للمعايشة"، باعتبار أن "إسرائيل" صارت أمراً واقعياً لا فكاك منه.

ما حدث في طبيعة العلاقة بين العرب و"إسرائيل" يحدث الآن في طبيعة العلاقة بين العالم و"كورونا". فقد ظن كبار القوم أنها "سحابة صيف عابرة"، والقضاء عليها "مسألة وقت" وستعود "المضيفة لابتسامتها الظريفة".

وبعد مرور أشهر اتضح أن كورنا باق ويتمدد، فأيقن العالم أن القضاء عليها يحتاجُ وقتاً طويلاً، لذا ظهرت فكرة التعايش، وفق قاعدة "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم".

فلماذا يا ترى انتقل العرب من المواجهة للمعايشة مع "إسرائيل"؟ وانتقل العالم من مواجهة كورونا للتعايش معه؟ إنه الاقتصاد يا بني آدم.

الاقتصاد هو المحرك الرئيسي لعجلة الحياة، بدءاً من حياة الرئيس للمواطن التعيس، فالدولة القوية اقتصادياً تقول كلمتها وتفرد عضلاتها وتفرض رأيها. ففي حالة العرب و"إسرائيل" خسر العرب مبالغ هائلة دون نتائج تذكر، فتذكروا "رحم الله حكاماً عرفوا قدر أنفسهم"، وهذا ما يحدث مع كورونا.

فقد خسر العالم مبالغ خيالية، حتى إن شركات كثيرة أفلست وسرحّت موظفيها، فزادت أعداد العاطلين عن العمل، لذا لجأت الدول لتخفيف خسائرها من خلال العودة التدريجية للحياة مع التأكيد على الإجراءات الصحية، وكأنها تقول للمواطن عليك الاختيار: "إن أردت العيش، فعش ملتزما بالإجراءات، أو مُت كالأشجار وحيداً"، و"دير بالك على حالك"، فحينما تُصاب بكورونا" فأنت الخسران".

وقد ظهرت أوجه هذا التعايش من خلال المؤسسات الحكومية والخاصة، ففي المطارات برزت فكرة إجراء المسح بالكاميرات الحرارية وفحوصات للمسافرين، وقد يتم اللجوء لجوازيي سفر (العادي والمناعي)، وفرض ارتداء الكمامات للمسافرين، والتباعد الاجتماعي بين الركاب.

وفي المساجد يتم التباعد بين المصلين لمسافة متر في كل الاتجاهات، وارتداء المصلين لكمامات واصطحابهم سجادة الصلاة من منازلهم، ومغادرة المسجد بسرعة وأداء صلاة النافلة في البيت، وعدم حضور كبار السن والأطفال والمرضى، وعدم إخراج المصاحف من المسجد، مع تعقيم المسجد.

وفي المدارس والجامعات، فتُطبق فيها فكرة التباعد بين الطلبة مع ارتداء الكمامات، أما صالات الأفراح فيُمنع فيها العناق والسلام واصطحاب الأطفال.

وفي الأسواق، كما رأينا في الهند، يقف الناس في طابور يفصل بين الواحد والآخر مسافة مترين ويرتدون كمامات، وحينما يأتي دورهم للشراء يقف المشتري بعيداً عن البائع مسافة متر فيسلمه الثمن، ويستلم منه المشتريات، أما المقاهي والمطاعم فارتدى العاملون الكمامات وزادت المسافة بين الطاولة والأخرى.

أختم بأن كل ما سبق وغيره هو وسائل فرضها كورونا، يؤكد أنه إن أردنا البقاء قدر الإمكان أن نقول: "سمعنا وأطعنا يا كورونا".
التعليقات (0)