هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ الكشف عن تسريبات السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة في أيلول/ سبتمبر 2017، وخيوط حملة التصهين التي تنتهجها الإمارات تتكشف يوماً بعد آخر، والدور الذي يقوم به العتيبة على هذا الصعيد في تحول أبو ظبي إلى مرتع للمصالح الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية.
ورسالة العتيبة للمؤسسة الصهيونية عبر "يديعوت أحرنوت" تزيل اللثام عن غموض العلاقة بين أبو ظبي وتل أبيب، وهي تحول استراتيجي في رؤية أبو ظبي لتل أبيب كـ"فرصة" ترتكز عليها بنية بعض النظام العربي المنهمك في إرسال إشارات التطبيع لتل ابيب.
وليس صدفة أن تتزامن رسالة العتيبة مع رسالة عبد السلام البدري، نائب رئيس مجلس الوزراء في ما يسمى "حكومة الشرق" الليبي التابعة للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، والذي وجه رسالة لنتنياهو عبر صحيفة "ماكور ريشون" المحسوبة على تيار الصهيونية الدينية في إسرائيل، وطالب فيها إسرائيل بالانضمام لمبادرة سياسية جديدة بمشاركة اليونان وقبرص، ومصر ولبنان. وأضاف البدري في رسالته: "لم ولن نكون أبداً أعداء ونأمل أن تدعمونا. الظروف هي التي حالت بيننا حتى الآن".
تميز العقد العربي الماضي بظاهرتين متلازمتين من العمل السياسي الحثيث لإخراج التطبيع مع "إسرائيل" من السر إلى العلن، بعدما تخفت خيوطه خلف شعارات عدة استخدمت فيها القضية الفلسطينية كمطية وجسر للتصهين. وأسست هذه الظاهرة لحركة سياسية تعيش وهم السياسة،
والظاهرة الثانية، تمجيد الحضور والوجود الصهيوني فوق الأرض العربية، من باب الإعجاب بنهضته وتطوره الأمني القائم على مجازر وقتل واغتصاب حقوق أصحاب الأرض.
والظاهرتان تلتقيان عند دونية التعاطي مع العقل الصهيوني، بالإعجاب المثير بطريقة حضوره. والذي أسعف العتيبة برسالته حضور دولته كقوة "أمنية اقتصادية" تجاري المحتل، وبقدرتها لا على استرجاع حقها في جزرها المحتلة، بل في التعاون مع الصهيوني لمحاصرة الحقوق الفلسطينية عبر تبني طروحاتها العنصرية.
مقال العتيبة في يديعوت أحرنوت، مع آلاف الرسائل والتغريدات التي يقف خلفها حكام أبو ظبي والرياض ليست صدفة. أيضاً كمية الشتائم على الفلسطينيين والقضية الفلسطينية والتحلل منها ورمي الاتهامات بحق أبنائها.
التبرؤ الرسمي من قضية فلسطين يمر عبر التصهين و"تبديل الحليف"، وإظهار مواقف مختلفة عن تلك التي كانت تقدم لأبناء القضية. فعلاقة تل أبيب مع أبو ظبي أو الرياض والقاهرة لها من المتانة والقوة المجسدة في عمليات التآمر المستمر على الفلسطينيين وقضيتهم. وتحالف المحور المتصهين مع حلف الثورة المضادة في العالم العربي من دمشق إلى اليمن والقاهرة وبغداد وبيروت وتمويل الحطام العربي للتغني بقوة الصهيوني؛ لأهداف لم تعد بحاجة لتكرار وشرح، مع إظهار متانة العلاقة والتمني بتطويرها مع الصهيوني في الوقت الذي تظهر سياسات عربية نحو شعوبها وأشقائها منتهى الوحشية وذروة التآمر على الذات.
ما تبحث عنه إسرائيل في المنطقة العربية وجدته في أنظمة تتسابق لكسب ضمان المؤسسة الصهيونية لاستمرارها؛ بالوقوف بجانب الرواية الصهيونية، وتقديم إيحاءات وسياسات وبرامج وخطط تحافظ على وظيفة الحاكم العربي ونظامه الذي بات ورقة ضمانه الأولى دستور التصهين الذي يشهره كل مرة في وجه الشارع العربي وفي وجه الفلسطينيين، وفي سحق مدن وقرى وشوارع عربية نادت لاسترداد حريتها وكرامتها.
مركزية مصلحة إسرائيل وأمنها هي المحرك لرسالة العتيبة ورسائل عربية مماثلة. ولسخرية الحقيقة المكشوفة أن يذهب العتيبة لوصف جيش بلاده مع جيش الاحتلال بانهما قوة لا مثيل لها في المنطقة. ويعرف العتيبة وجيش العصابات الذي يتغنى به مع بقية الجيوش العربية؛ أين تُصرف وتهدر مقدراتها لسحق الإنسان العربي وقمعه، تحقيقاً لدونية الإعجاب الرسمي بقدرة إسرائيل على هزيمة جيش بلاد العتيبة والرياض ودمشق والقاهرة دون التفاخر بذلك. فيكفي المؤسسة الصهيونية أن يكون لها سفراء بوزن العتيبة وأنور قرقاش وضاحي خلفان ورامي وابن سلمان، والسيسي وحفتر وبشار الأسد.
ولا يهم المؤسسة الصهيونية تذييل الأنظمة لأسمائها بالتفخيم والعظمة والقوة، طالما هي مقترنة بقوة وعظمة الصهيوني القائمة على المذابح والسيطرة الاستعمارية، وهي فرصة العتيبة بوصف جيش بلاده بالقوة التي لا مثيل لها، أو أن يطلق مغردو ولي العهد على "السعودية العظمى" وأم الدنيا على بلاد همها الأول والأخير تحديد المخاطر المشتركة التي يتقاسمها مع الصهيوني.