هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحارب القوانين المحلية والدولية "رسميا" الجرائم الفردية والمنظمة، وتضع تشريعات وعقوبات لمرتكبيها، لكن حين يتعلق الأمر بالجرائم التي ترتكبها الدولة، أي دولة، تصبح الجريمة "تنفيذا للقانون" و"محافظة على النظام" وحتى "حماية للمجتمع"!
لو حدث وأن قام أحدهم بحجز حرية أحد آخر، وتعذيبه، لأصبح في عرف القانون مجرما، ولكن حين تقوم أجهزة الدولة بهذا فهي في منأى عن أي مساءلة، لا محلية ولا دولية، لأنها هي أداة تنفيذ القانون، وهي تمارس "جرائمها" بوصفها عملا من أعمال "السيادة!" حفاظا على ما يسمى "أمنها القومي"!
هذه الروح السائدة اليوم، حتى في دول العالم الأول، المصنفة متقدمة كالولايات المتحدة (معاملة الشرطة للسود مثلا) هي التي تحكم العالم اليوم، بنفس روحية رجال العصابات الإجرامية، مغطاة بجملة من القوانين والأنظمة والتشريعات الدولية، التي تبيح مص دم الشعوب، وتصنيف الدول إلى "مطيعة" ومارقة، وتحمي الإجرام الدولي عبر مجلس الأمن الدولي والفيتو الظالم، الذي يمنح "العصابة" إياها ومن يدور في فلكها مناعة ضد الملاحقة والعقاب، وحتى حينما تفلت هيئة كمحكمة الجنايات الدولية من قبضتهم فتتحدث عن تحقيق بجرائم حرب تركبها "دولة" مجرمة، تصبح في مرمى النيران، ويُنزل بها أبشع التهم، بمعنى آخر، يمكن القول أن "الجريمة المنظمة" لم تعد حكرا على رجال العصابات والمجرمين بل ثمة من ينافسهم في هذا، حيث يمارس هذه الجريمة رجال قانون وقادة دول وجيوش نظامية مدربة، ويناصرهم في هذا ويبرر لهم جرائمهم قادة رأي عام ومنظرون وكتاب وصحفيون، و"ذباب إلكتروني" بالطبع، وآلة إعلام ضخمة تبرر كل شيء وتشرعنه!
جرائم إسرائيلية وحشية
في "إسرائيل" مثلا، ثمة نظام يمارس عملا يفوق في وحشيته ما يمارسه رجال العصابات الإجرامية، من إعدام ميداني وسرقة أراض ومصادرتها وإعطائها للغرباء القادمين من شتات الأرض، ومنع أهلها من جناية محصولها، أو حتى الوصول إليها، ونهب المياه ومنع أصحابها من الاستفادة منها، فضلا عن حجز حريات الآلاف وممارسة أقسى أنواع التعذيب النفسي والجسدي بحق الأبرياء، الذين يوصمون عادة بتهمة "الإرهاب" مع أنهم يمارسون حقا مشروعا في الدفاع عن أرضهم وعرضهم ووجودهم في أرض آبائهم وأجدادهم، ويكفي أن نمر سريعا على واقع الأسرى في سجون الاحتلال لندرك حجم الإجرام الصهيوني، الذي يفوق في وحشيته كل ما مارسه رجال العصابات في القرن الأخير الأخير!
فثمة أرقام مخيفة كشفتها الإحصائيات التي أجرتها هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني حول وضع الأسرى والاعتقالات في العام 2019 على سبيل المثال، هناك أكثر من 5 آلاف آسير فلسطيني في سجون الاحتلال بينهم حوالي 900 أسير مريض، بما فيهم 23 أسيرا مصابين بالسرطان و30 أسيرا مدرجون على قائمة انتظار الموت. كما يوجد 31 أسيرا يعانون من إعاقات جسدية و4 أسرى مصابون بشلل نصفي. إضافة الى 150 آخرين يعانون من أمراض خطيرة.
من بين الأسرى الفلسطينيين 14 أسيرا معتقلون منذ أكثر من 30 عاما و26 معتقلون من قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 94. إضافة إلى 47 أسيرا يقبعون في سجون الاحتلال منذ أكثر من 20 عاما. استشهد في عام 2019، 5 أسرى نتيجة التعذيب ليبلغ عدد الأسرى الشهداء 222 شهيدا منذ العام 67، منهم 73 استشهدوا تحت التعذيب و75 استشهدوا نتيجة القتل العمد بعد اعتقالهم و67 استشهدوا نتيجة الإهمال الطبي. الاعتقالات التي نفذتها قوات الاحتلال هذا العام بلغت أرقاما عالية أيضا. حيث بلغت أكثر من 5 آلاف و500 حالة اعتقال بمعدل 14حالة اعتقال يوميا. الاعتقالات سجلت ألفا و100 حالة لأسرى سابقين، إضافة إلى اعتقال 790 طفلا ما دون 18من عمرهم. كما سجلت 152 حالة اعتقال بحق فلسطينيين يعانون منن أمراض مختلفة. كما اعتقلت قوات الاحتلال أكثر من 120 امرأة وفتاة فلسطينية، حيث ما زالت تقبع حوالي 56 أسيرة في سجون الاحتلال تعيش 40 منهن في ظروف صعبة والحديث يطول عن جرائم الاحتلال التي تخرق حتى شرعة حقوق الإنسان التي تواضع عليها ما يسمى "المجتمع الدولي" لكن إسرائيل "محصنة" من أي عقاب أو مساءلة، لأنها محمية بزعيم العصابة الأكبر!
جرائم عربية
أما في بلد عربي يتمتع بحماية من نوع آخر، لا ترقى إلى حجم ومستوى الحماية التي تتمتع بها دولة الاحتلال، إلا أنه يقع تحت المظلة نفسها في تعامله مع مواطنيه، خاصة بعد الانقلاب على الشرعية، و"تصفية" معنوية أو فعلية لكل من له علاقة من قريب أو بعيد، بالرئيس المنتخب وجماعته، فضلا عن قتل وسحل وحرق1150 مواطنا مارسوا احتجاجا سلميا، وفق تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في 12 أغسطس 2014، ووصفت فيه ما جرى بأنه "أكبر مذبحة للمحتجين في التاريخ المعاصر وجريمة ضد الإنسانية". ولم يتم الكشف حتى ساعة كتابة هذه السطور عن حجم تلك المذبحة، ولا أي نوع من المساءلة لمرتكبيها، أما حجم المحجوزة حريتهم ظلما وعدوانا، فتمتليء سجون البلد الـ 42 سجنا بما لا يقل عن 60 ألف سجين سياسي، فيما تقدر الأمم المتحدة عدد المعتقلين فيها بـ114 ألف شخص، بين سياسي وجنائي، فيما يقدر عدد السجناء الذين تمت تصفيتهم نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب وظروف الاعتقال السيئة داخل السجون بـ 823، وإلى هذا وذاك تسود حالة من القمع غير المسبوق لأي رأي مخالف، أو شبه مخالف للخطاب الرسمي، وتتبع السلطات هناك سياسة "جز العشب" لكل من لا يؤيد النظام، بغض النظر عن معتقده أو جنسه أو موقعه في المجتمع، بل طال الجز رجالات النظام ومنظريه والمدافعين عنه، لمجرد الشك بولائه أو عقابا له على زلة لسان أو "تغريدة" تتغنى بالحرية!
غدا العمل المقاوم ولو بالكلمة أو المال مصنفا في دائرة الإرهاب في زمن الإصلاح المزعوم، ولم يزل هؤلاء المعتقلون خارج "التغطية" منذ ما يزيد عن السنة في ظروف اعتقال غاية في السوء، بلا محاكمة ولا حقوق، وبعضهم محروم حتى من زيارة أهله أو التواصل معهم ولو هاتفيا!
وقل مثل هذا عن بلد عربي آخر، يعيش زمن "الإصلاح"، حيث الحديث يطول جدا، ودماء الجريمة "الرسمية" لم تجف بعد عن "المنشار" الذي مزق جثة أحد أصحاب القلم، وهي جريمة حمى مرتكبيها رأس "النظام الدولي" القابع في "البيت الأبيض" وغض ويغض الطرف عن جملة من الممارسات والاعتقالات التي طالت الدعاة ورجال الفكر والإعلام والمصلحين، وكل من يفتح فمه ولو بتنهيدة "معارضة" أو يشم منها رائحة المعارضة، وطالت الاعتقالات فيمن طالت أكثر من ستين أردنيا وفلسطينيا، اتهموا بالانتماء لتنظيم "إرهابي" فقط لأنهم يتعاطفون مع قضية فلسطين، أو عملوا من أجلها بعلم السلطات وموافقتها(!)، فقد غدا العمل المقاوم ولو بالكلمة أو المال مصنفا في دائرة الإرهاب في زمن الإصلاح المزعوم، ولم يزل هؤلاء المعتقلون خارج "التغطية" منذ ما يزيد عن السنة في ظروف اعتقال غاية في السوء، بلا محاكمة ولا حقوق، وبعضهم محروم حتى من زيارة أهله أو التواصل معهم ولو هاتفيا!
هذه ثلاثة أنظمة، تتمتع بحماية دولية، رغم أن ما تمارسه مدان ومجرم بالقانون الدولي بشكل صريح، وما فتئت منظمات حقوق الإنسان وذوو الضحايا يصرخون محتجين شاكين، ولا يُسمع غير رجع صدى صراخهم، وما يجري فيها هو الدليل الأكثر نصاعة على غياب العدالة في عالم يحكمه رجال عصابات في ملابس رؤساء دول!