هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يشهد النفوذ الفرنسي حالة انحسار ملحوظة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مناطق الصراع المشتعلة، لا سيما ليبيا وسوريا، مقابل تنامي الدور الروسي التركي هناك. بحسب خبراء.
ويطرح هذا التراجع أسئلة حول أسبابه، ونسبيته، وعلاقته بسقوط رموز ورؤساء كانوا حلفاء رئيسيين لفرنسا، كالرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، والجزائري، عبد العزيز بوتفليقة.
تقلص مستقبلي
ويرى الكاتب والباحث السياسي محمد قواص بأن "النفوذ الفرنسي لم يضعف ولكنه قد يتقلص، مؤكدا أنه لا يمكن الحديث عن نفوذ فرنسي في منطقة الشرق الأوسط، باعتبار أن المنطقة تخضع لنفوذ أمريكي".
ولفت الكاتب أن "الأمر يختلف في شمال أفريقيا، فنفوذ فرنسا هناك أصيل وما زال موجودا، ولكن باريس تعرف أن هذا الواقع ليس نهائيا وخاصة إذا أصبح الواقع الجديد في ليبيا نهائيا ونافذا".
اقرأ أيضا: بعد عودة "الجماجم".. هل تتصالح الجزائر مع فرنسا تاريخيا؟
وأكد قواص في حديث لـ"عربي21" على أن لفرنسا دورا تاريخيا في المنطقة منذ بداية القرن الماضي، وله أوجه متعددة خاصة فيما يتعلق بدول شمال أفريقيا، إضافة لبعض النفوذ الذي كان موجود في لبنان وسوريا.
تنافس روسي تركي
وأضاف: "ولكن كان هناك تنافس قوي على هذا النفوذ من قبل الدولة الأكبر أمريكا وليس من قبل دول أخرى، وما يجري حاليا في ليبيا بإمكانه أن يكون نموذجا لما يمكن أن يشكله التهديد الروسي والتركي للنفوذ الفرنسي في شمال أفريقيا، ولذلك نعتبر أن الموقف الفرنسي في ليبيا هو للدفاع عن هذه المصالح سواء الاقتصادية والسياسية أو المتعلقة بأمن أوروبا والهجرة غير الشرعية إليها من أفريقيا".
وأوضح قواص بأن سبب تراجع النفوذ الفرنسي يعود لأن التنافس التركي والروسي أصبح واضحا خاصة فيما يتعلق بالملف الليبي، فأنقرة أصبحت قادرة على الإمساك بزمام الأمور في الموضوع الليبي واستطاعت أن تشكل هناك عنصر ضغط جديد على أوروبا في موضوع الهجرة، مقابل ضعف وتراجع دور فرنسا.
الرهان على الشريك الخطأ
بالمقابل يشير أستاذ الإدارة والسياسات العامة صلاح الحنيني، إلى أن فرنسا تراجع دورها خاصة في سوريا، على الرغم من استمرارية نفوذها في شمال أفريقيا مع تسجيل تراجع ملحوظ في كل من ليبيا وتونس والجزائر.
وأوضح الحنيني في حديث لـ"عربي21" بأن تراجع نفوذ فرنسا يعود لرهانها على الشريك "الحصان" الخاطئ في ليبيا في إشارة إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وأرجع التراجع أيضا لفشل إدارة الرئيس ماكرون في ملفات عدة ومنها الملف الليبي، لافتا إلى أن تعامله مع حفتر ودعمه له كان خاطئا، في حين كان يفترض به دعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا ليكون لفرنسا موطئ قدم هناك، لذلك نجده يحاول الهروب من تحمل مسؤولية فشله عبر إلقاء اللوم على تركيا.
وأضاف الحنيني: "ساهم دعم فرنسا للثورات المضادة بتراجع نفوذها، حيث أيدت بعض القوى المناهضة للثورة التونسية، إضافة إلى أنها كانت تاريخيا من أكبر داعمي بن علي".
اقرأ أيضا: فرنسا تعلّق مشاركتها بـ"الناتو" بسبب الخلافات مع تركيا
وردا على سؤال حول تصاعد النفوذ الأمريكي في المنطقة رغم تورطها في دعم ثورات مضادة، قال الحنيني: "التأثير الأمريكي ليس كالفرنسي فهو عالمي ومرتبط بالاقتصاد عبر الدولار، والسياسي عبر التلويح الدائم بالعقوبات عبر مجلس الأمن ومناهضة أي مشروع لا يكون على مقاس الإدارة الأمريكية، إضافة إلى أن نفوذها العسكري أقوى، فقواعدها موجودة بكل مكان في الشرق الأوسط ".
مشاكل داخلية
بدوره يرى الكاتب والمحلل السياسي إسماعيل خلف الله بأن المشاكل الداخلية التي واجهت إدارة ماكرون هي أحد أسباب تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة، مستدركا بالقول: "لكن لا أعتقد أنها السبب المباشر، لأن موقفها هي والإدارات السابقة من قضايا الشرق الأوسط من أهم أسباب التراجع".
ولفت إلى أن دعم فرنسا للثورات المضادة جعل الشارع العربي يتخذ موقفا حادا ضد سياسة فرنسا، وعلى الرغم من محاولة ماكرون التنصل من دعمه لحفتر وتبرئة فرنسا من هذا الدعم المخالف لمبادئ فرنسا المعلنة والمطالبة بالحريات في كل مكان، إلا أن المواقف الفرنسية في المنطقة سواء في ليبيا أو سوريا ومصر، لم تعكس المبادئ التي تنادي بها فرنسا.
تأثير اقتصادي
وحول تأثير تراجع النفوذ الفرنسي على باريس قال خلف الله لـ"عربي21": "هذا التراجع سيؤثر بطبيعة الحال على المصالح الجيوإستراتيجية والاقتصادية لفرنسا، وسيكون له تأثير على دورها كلاعب رئيسي في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي".
ومتفقا مع المحلل السياسي إسماعيل خلف الله، أكد صلاح الحنيني، أن تراجع نفوذ فرنسيا سيؤثر عليها اقتصاديا، مضيفا: "السياسات الخارجية في البحر المتوسط تدور في فلك المياه الدافئة، وباريس كانت تطمح هي وروما إلى تقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي هناك عبر عقود النفط في المتوسط وخاصة ليبيا لكن تراجع نفوذ باريس أثر على مصالحها هناك".