هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تمحور برنامج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قبل توليه قيادة البلاد وإلى اليوم، حول شعار "أمريكا أولا"، ووعود الانسحاب من بؤر الصراع، ولا سيما الشرق الأوسط وأفغانستان.
لكن واشنطن، منذ بدايات حكم الرئيس السابق، باراك أوباما (2009- 2016)، بدأت بالفعل بتبني استراتيجية جديدة، تتخذ من مواجهة الخصوم المحتملين للهيمنة الأمريكية، وخاصة الصين، هدفا رئيسيا، وهو ما عبرت عنه هيلاري كلينتون، التي تولت وزارة الخارجية بين عامي 2009 و2013، في مقال لها نشره موقع مجلة "فورين بوليسي"، تحت عنوان: "قرن الهادئ الأمريكي".
وتجلى ذلك المنحى الجديد ببدء الانسحاب من العراق وأفغانستان واتخاذ مواقف سلبية "عسكريا"، إزاء بؤر الصراع التي تفجرت إثر الربيع العربي، فضلا عن أوكرانيا التي انتزعت موسكو منها شبه جزيرة القرم، وأشعلت في شرقها حربا ما تزال قائمة منذ عام 2014.
وفي المقابل، تعرض ترامب لانتقادات إزاء مخالفته وعوده لناخبيه، بإرساله قوات من وقت لآخر في مهام خارج البلاد، بما في ذلك إلى السعودية بعد هجمات "أرامكو" العام الماضي، عندما قال صراحة إنه سيقوم بتوفير قدرات حماية للمملكة في حال دفعت الأخيرة تكاليفها.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، التي يطمح إلى الفوز فيها بفترة ثانية، عاد ترامب إلى سكة الانسحابات، وسرّع خطوات التوصل لاتفاق سلام مع حركة طالبان، بل وقرر إعادة جنود إلى بلادهم قبل الوقت المحدد في الجدول الزمني الذي تم التوصل إليه بالدوحة نهاية شباط/ فبرايرالماضي، فضلا عن الموافقة على سحب آلاف الجنود من ألمانيا.
وتشمل الاستراتيجية الجديدة، على طريقة ترامب، الاشتراط على الحلفاء دفع أموال للإبقاء على القوات الأمريكية على أراضيهم، ولا يستثني ذلك ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية.
ولكن في الواقع، فقد ازداد عديد القوات الأمريكية في اليابان بواقع نحو 13 ألفا، إلى أكثر من 55 ألف عنصر نشط، في آذار/ مارس 2020، مقارنة بما كان عليه الأمر في أيلول/ سبتمبر 2008.
وبحسب بيانات وزارة الدفاع الأمريكية، التي اطلعت عليها "عربي21"، فقد ازداد كذلك عدد القوات الأمريكية، وإن بشكل محدود، في كل من كوريا الجنوبية وجزيرة غوام بالمحيط الهادئ، كما يبدو لافتا اتساع دائرة انتشار الحضور العسكري الرسمي للولايات المتحدة، ليشمل 177 دولة وأرضا خاضعة/جزيرة حول العالم، مقارنة بـ165 عام 2008، وسط اهتمام متزايد بأفريقيا وجنوب شرق آسيا والهادئ، مقابل انخفاض عدد العناصر المنتشرة حول العالم من نحو 370 ألفا، إلى 200 ألف، خلال الفترة ذاتها.
وتشكل تلك المعطيات الملامح الرئيسية لتوجهات واشنطن في السنوات الأخيرة، ويمكن ملاحظتها بشكل أوضح من خلال الاطلاع على تغير خريطة الانتشار العسكري الأمريكي بين 2008 و2020.
والأرقام الظاهرة لا تشمل القوات الأمريكية الموجودة على متن حاملات طائرات وسفن في المياه الدولية، وتشمل فقط الدول التي يزيد تعداد القوات الأمريكية على أراضيها عن خمسة آلاف جندي.
ويظهر من خلال بيانات البنتاغون المشار إليها تركيز واشنطن على انتشار أوسع للقوات، بأعداد أقل، وتركيز أكبر على منطقة الهادئ وشرق وجنوب شرق آسيا، مع ازدياد بطيء للانتشار في دول أوروبية محاذية لروسيا، مثل بولندا ومنطقة البلطيق، فضلا عن تعزيز للانتشار في أفريقيا، ولمركز قيادة القوات الأمريكية في القارة السمراء "أفريكوم" بإيطاليا.
وفي المقابل، يتراجع الاهتمام الأمريكي بالخليج العربي، رغم حديث دول بالمنطقة عن مواجهتها "تهديدات إيرانية"، كما تنسحب واشنطن تدريجيا من ألمانيا التي لطالما شكلت قاعدة كبيرة لأنشطة الولايات المتحدة العسكرية، وسط توتر غير مسبوق في العلاقات بين البلدين على خلفية تعاون برلين مع موسكو في قطاع الغاز الطبيعي.
جدير بالذكر أن البيانات الرسمية لوزارة الدفاع الأمريكية لا تشير إلى عدد القوات الموجودة حاليا في كل من العراق وسوريا وأفغانستان، على اعتبار أنه متغير باستمرار في ضوء العمليات.
لكن أحدث التقارير التي اطلعت عليها "عربي21" تتحدث عن وجود نحو ثمانية آلاف و600 عنصر في أفغانستان، وخمسة آلاف و200 في العراق، و600 في سوريا.
اقرأ أيضا: ميزانية البنتاغون 2021.. تصعيد نووي واستهداف لـ"منافسين"
اقرأ أيضا: بلومبيرغ: بايدن لن يحيد كثيرا عن سياسات ترامب الخارجية.. لماذا؟