قضايا وآراء

ماراثون التطبيع.. إقالة بدوي ورحيل ابن علوي

حازم عياد
1300x600
1300x600

عُيّنَ بدر بن حمد البوسعيدي الأمين العام لوزارة الخارجية العماني وزيراً للخارجية خلفاً لـيوسف بن علوي؛ الذي أقيل بعد أقل من 24 ساعة على المكالمة الهاتفية التي جمعته بوزير الخارجية الإسرائيلي الجنرال غابي أشكنازي الاثنين 17 آب (أغسطس) الحالي وناقش فيها التطورات وأبرزها الاتفاق التطبيعي الإماراتي مع الكيان الإسرائيلي؛ فأشكنازي وجد في (ابن علوي) فرصة لكسر الحصار الذي فرضة نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهين على وزير الخارجية من حزب أزرق أبيض. 

بالمثل لم تمضِ أربع وعشرون ساعة على تصريحات (حيدر بدوي) المتحدث باسم الخارجية السودانية قال فيها "إن بلاده تتطلع إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل" حتى أقاله من منصبه وزير الخارجية "عمر قمر الدين" معلنا براءة الحكومة من تصريحات (بدوي) وتوجهاته التي لم تتم مناقشتها في وزارة الخارجية أو داخل الحكومة التي يترأسها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

إقالات كانت مفاجأة بذات مقدار مفاجأة الاتصالات الرسمية بين السودان وسلطنة عمُان بقادة الكيان الإسرائيلي خلال الأشهر القليلة الماضة؛ ليطرح السؤال المحير والمربك: ما الدافع وراء الإقالات والتعيينات الجديدة علما بأن الاتصالات معلومة ومرصودة سياسيا وإعلاميا بين الأطراف العربية وقادة الكيان الإسرائيلي؟ هل هي محاولة لكبح جماح التطبيع وإعادة ترتيب الأوراق وتحسين شروط التفاوض والمكاسب المراد تحقيقها من التطبيع؟ أم إنها تعكس معارضة قوية تتنامى في دوائر صنع القرار في السودان وسلطنة عُمان؟ أم إنه سر آخر ومفاجأة مختبئة بين ثنايا الأحداث؟ إنه أمر محير ومربك.

إذا كان هذا حال السودان وسلطنة عُمان؛ فكيف يمكن تفسير الموقف السعودي الرسمي الذي جاء على لسان وزير الخارجية فيصل بن فرحان بعد مرور أسبوع كامل على الاتفاق الإماراتي مع الكيان الإسرائيلي أعلن فيه تمسك بلاده بالمبادرة العربية أثناء لقائه في برلين نظيره الألماني هايكو هاس بالقول إن "المملكة تؤكد التزامها بالسلام خيارا استراتيجيا، واستناده على مبادرات السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية".

هل بذلك حسم الفرحان الجدل حول إمكانية انضمام السعودية للإمارات بتوقيع اتفاق منفرد مع الكيان الإسرائيلي مخالفا لبنود المبادرة العربية؟ أم إن الباب ما زال مفتوحا لاتفاقات منفردة وما نراه مجرد مناورة دبلوماسية لتحسين شروط الاتفاق وبنوده؟

الأسئلة تزداد حرجا وحساسية إذ علمنا أن رئيس الموساد الإسرائيلي الجنرال يوسي كوهين قصر زيارته وعلى نحو غير متوقع على أبوظبي والمنامة الدولتين الأشد قربا من الرياض التي أعلنت تمسكها بالمبادرة العربية على لسان الفرحان؛ فلماذا تخالف المنامة الرياض وهي أقرب حلفائها؛ أم إن القرار سيادي بحت كما صرح محمد التويجري مستشار الديوان الملكي السعودي قبل أيام لموقع بلومبيرغ الأمريكي؛ وهل التقى كوهين المسؤوليين العمانيين بالسر ليحافظ على تقاليد العلاقة التي أرساها مع السلطنة بعيدا عن أعين الإعلام ووزراة الخارجية الإسرائيلية؟ وهل شملت زيارته قطر لتخفيض التوتر والتصعيد في قطاع غزة؟.. فزيارة كوهين لم تكشف تفاصيلها بعد. 

تطورات الساعات الأخيرة تشير إلى أن الكوابح الدبلوماسية بدأت بالعمل في كل من الرياض ومسقط والسودان؛ إلا أن ذلك لا علاقة له بصوت المكابح الدبلوماسية والشعبية في الكويت وعدد من العواصم العربية والإسلامية على رأسها باكستان وإيران وماليزيا وتركيا؛ فالكوابح أطلقها صخب الجدل في الكيان الإسرائيلي حول صفقة طائرات الـ (أف 35) للإمارات العربية كثمن للتطبيع خصوصا أن الجدل شارك فيه مسؤولون إسرائيليون كبار أعلنوا رفضهم بيع السلاح للإمارات مقابل الاتفاق التطبيعي بل إنهم شككوا باستقرار نظام الحكم وبقاء ولي العهد محمد بن زايد على رأس الاتحاد.

 

تطورات الساعات الأخيرة تشير إلى أن الكوابح الدبلوماسية بدأت بالعمل في كل من الرياض ومسقط والسودان؛ إلا أن ذلك لا علاقة له بصوت المكابح الدبلوماسية والشعبية في الكويت وعدد من العواصم العربية والإسلامية على رأسها باكستان وإيران وماليزيا وتركيا؛

 



الجدل وحدته رغم ذلك لا يبرر المناورات الديبلوماسية السودانية والعمانية ليبرز السؤال مجددا: ما هي الدوافع الحقيقية للحد من قوة الاندفاع الأمريكي والصهيوني للتطبيع وعقد المزيد من الاتفاقات مع الكيان الإسرائيلي؟

من ناحية عملية وواقعية فإن الدوافع تتباين بين العواصم الثلاث، الخرطوم مسقط والرياض؛ فالسودان يبحث عن اتفاق يخرجه من قائمة العقوبات الأمريكية والدولية ويفتح له أبواب الاستثمار الخارجي؛ فهل سيوقع اتفاقا للسلام والتطبيع لا يتضمن هذه البنود؟ وكيف؟ ومن سيضمن تنفيذها؟ إنه أمر غاية في التعقيد والصعوبة؛ فاعتماد السودان على الوعود الأمريكية لن يكفي أبدا خصوصا أن الإدارة الأمريكية الحالية بزعامة ترامب من الممكن أن ترحل بل إن نتنياهو ذاته من الممكن أن يرحل.

الهواجس السودانية تكاد تكون ذاتها السعودية فما هي الضمانات لتنفيذ الاتفاق وما هو الثمن والمكاسب التي ستجنيها الرياض من الاتفاق التطبيعي مع الكيان الإسرائيلي؛ هل سيضمن اعتراف بولي العهد الأمير محمد بن سلمان كملك المستقبل؛ وما هي الضمانات خصوصا أن الإدارة الحالية عرضة للرحيل؟ وكيف بالإمكان تضمين هذا الشرط في الاتفاق؟ وماذا عن الملاحقات المتعلقة باستدعاء ولي العهد لمحكمة واشنطن الفيدرالية في قضية ضابط الاستخبارات السعودي سعد الجبري؟ وماذا عن ملف خاشقجي الذي لم يغلق في أمريكا؟ الأهم من ذلك، ماذا عن ملف حقوق الإنسان في اليمن وحقوق السعودية في بناء مفاعل نووي والتعاون مع الصين؟ هل ستقبل الولايات المتحدة بذلك؟ وأين هي السيادة إذا لم تفاوض وتناور؟

الأسئلة الحساسة والمقلقة في السعودية لا تماثل نظيرتها في مسقط؛ فسلطنة عُمان لن تحقق الكثير من المكاسب في حال وقعت اتفاقا تطبيعيا مع الكيان الإسرائيلي، بل من الممكن أن تخسر ميزة تبخرت في الحالة الإماراتية بمجرد توقيع الاتفاق؛ ألا وهي لعب دور الوسيط السري في الملف الإيراني وهو ما يتقنه وزير الخارجية العماني الجديد الذي أشرف على المفاوضات السرية بين طهران وواشنطن في حقبة أوباما؛ وحافظ على قنوات اتصال بين البلدين في حقبة ترامب.. دور تأمل السلطنة في الحفاظ عليه.

فالمكاسب من الإبقاء على علاقات غير رسمية أكبر بكثير في الحالة العمانية من توقيع اتفاق من الممكن أن يستفز الجار الإيراني ويحرك المعارضة داخل عمان ويفقدها ميزة تفضيلية عن جيرانها وعلى رأسها السعودية والإمارات؛ وهي الحال ذاتها والحسابات نفسها على الأرجح في الدوحة؛ فالمناورات تزداد تعقيدا لتجنب ضغوط كوشنر ومن معه لتوقيع مزيد من الاتفاقات.
  
ختاما: الأيام ستكشف طبيعة المناورات الدبلوماسية المرتبطة بملف التطبيع ومدى جدية الدول في المضي في هذا الماراثون إلى حده الأقصى؛ إذ تحولت الإمارات إلى حقل تجارب تختبر فيه الدول العربية خصوصا السعودية والسودان فائدة توقيع اتفاق مع الكيان الإسرائيلي في مناخ سياسي إقليمي ودولي مضطرب يبتعد عن اليقين.

اختبار حقيقي لفوائد الاقتراب من الكيان وتوقيع الاتفاقات معه مقارنة بالخسائر؛ أمر يفسر التحفظ الذي تبديه الرياض والخرطوم والتأني الذي تبديه مسقط؛ فهل تصمد الحسابات والمناورات أم إنها تتهاوى تحت الضغط الأمريكي؟ أمر يحتاج إلى مزيد من المتابعة والمراقبة فالأيام ستكشف حدود المناورة والسيادة الحقيقية التي تدعيها الدول المتحمسة لتوقيع اتفاقات مع الكيان الإسرائيلي المحتل.

hazem ayyad
@hma36

التعليقات (0)

خبر عاجل