لوحظ مؤخرا حالة من الانفتاح والتقارب
الأمريكي مع حكومة الوفاق الليبية، كان آخرها تأكيدات على أهمية الشراكة
الاستراتيجية بين واشنطن ورئيس الحكومة الليبية ووزير داخليته، خاصة بعد حالة
الصدام الأخيرة بينهما، ما أثار تساؤلات عن تداعيات هذا الانفتاح، وتأثيره على
علاقة طرابلس بتركيا.
وأكدت السفارة الأمريكية لدى
ليبيا دعم
وتقدير الولايات المتحدة للشراكة الوثيقة مع كل من رئيس حكومة الوفاق فائز
السراج، ووزير داخليته فتحي باشاغا، مطالبة الاثنين بضرورة التعاون معا من أجل الحكم
الرشيد للشعب الليبي، وذلك على خلفية قرار بإيقاف الأخير والتحقيق معه.
تغييرات عسكرية
وجاء قرار إيقاف باشاغا بالتزامن مع
زيارة يقوم بها إلى أنقرة، التقى خلالها وزير الدفاع التركي، كونه كان مكلفا
بمتابعة التعاون العسكري بين البلدين قبيل عودته اليوم إلى طرابلس، وسط حشد عسكري
كبير.
في سياق متصل، أجرى المجلس الرئاسي
لحكومة الوفاق تغييرات في بعض المناصب العسكرية، وقام بتكليف صلاح الدين النمروش
بمهام وزير الدفاع، التي كان يقوم بها السراج شخصيا، وتعيين آمر المنطقة العسكرية
الوسطى، محمد الحداد، رئيسا لأركان القوات المسلحة.
الانفتاح الأمريكي، وإيقاف باشاغا، وتعيينات عسكرية جديدة، طرحت تساؤلات حول: هل ابتعد السراج في خطواته عن
تركيا؟ وهل
الانفتاح الأمريكي سيسبب توترا بين طرابلس وأنقرة؟ وما أهميته لدعم الحكومة
الليبية؟
دعم مماثل
ورأى وزير التخطيط الليبي السابق، عيسى
التويجر، أن أمريكا دعمت وأشادت بشراكتها مع كل من السراج وباشاغا، وهذا يؤكد أن
وجودهما في المشهد على القدر ذاته، وعندما طالبتهما بالتعاون والحكم الرشيد كان في
ذلك إشارة إلى دعم باشاغا واستمراره.
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21"
أن قرار إيقاف وزير الداخلية الأخير ليس له علاقة بزيارته إلى تركيا، ولا دلالة كون
القرار صدر وهو هناك، وليس للقرار علاقة بمهمته الأمنية؛ لذا لا أعتقد أن هذا
القرار أو التقارب مع واشنطن سيؤثر على العلاقات بين أنقرة وطرابلس، وفق تصوره.
قوة باشاغا ومستقبله
في حين أشار الضابط الليبي المقيم في تركيا،
عقيد سعيد الفارسي، إلى أن الموقف الأمريكي متناغم أصلا مع دور ومواقف أنقرة في
الملف الليبي، لذا لن يؤثر الانفتاح الأمريكي الملحوظ على الحكومة الليبية في
علاقتها بتركيا، لكن واشنطن تعلم جيدا قوة باشاغا ودوره في رد عدوان
حفتر على
العاصمة.
وتوقع خلال حديثه لـ"عربي21"
أن يتم دعم باشاغا مستقبلا في حل المشكلات الأمنية، وعلى رأسها تفكيك المليشيات
الخارجة عن القانون، "أما حكومة الوفاق، فهي للأسف مخترقة الآن من عدة أطراف
من فاسدين، وبعضهم يتبع محور الشر، وحتى النظام السابق، لكن باشاغا مستقل عن كل
هؤلاء"، وفق معلوماته.
نزاع محلي متزايد
أستاذ الاجتماع السياسي والأكاديمي
الليبي، رمضان بن طاهر، أشار إلى أنه ليس هناك خلاف جوهري وعميق بين تركيا وأمريكا
حول ليبيا في الوقت الراهن، وإنما اختلاف في إدارة بعض الملفات، كالفساد، وسوء الأوضاع المعيشية، ومطالب الشعب بالإصلاح، وما يرتبط بهذه القضايا من ضرورة تغيير في بعض القيادات
الحالية.
وتابع: "لذلك قد يزداد التوتر والنزاع بين الخصوم المحليين وأدوارهم المستقبلية
ومصالح الفئات الاجتماعية المرتبطة بهم، لكن هذا الوضع لن يؤثر على التحالف التركي
مع حكومة الوفاق، ولا يسبب تعارض بين المصالح التركية والمصالح الأمريكية في ليبيا، ورؤيتها للمنطقة، وإدارة التدخلات الخارجية، وتوزيع الأدوار فيها، بحسب تقديره".
تخل عن حفتر
وقال الطبيب العسكري الليبي، محمد
الطويل، لـ"عربي21"، إن الانفتاح الأمريكي الجديد مرحب به من قبل طرابلس
وأنقرة أيضا، كونه سيزيد من فرص إحلال السلام وإيقاف الحرب، وما حدث مؤخرا من صدام
بين السراج وباشاغا هو شأن آخر له علاقة بمن يسيطر على أرض الواقع في العاصمة.
في حين استبعد الباحث السوداني المتخصص
في الملف الليبي، عباس محمد صالح، أن يثير أي انفتاح أمريكي على حكومة الوفاق مواقف
سالبة من تركيا؛ لأن هذا الانفتاح سيعزز الموقف الميداني للطرفين، أي الحكومة
الشرعية في طرابلس وحليفتها الدولية أنقرة، والأهم أن هذا الانفتاح سيعني تخليا صريحا عن دعم حفتر.
وأشار في تصريحات لـ"عربي21"
إلى أن هذا الانفتاح من قبل الإدارة الأمريكية سيعزز المواقف الداعمة لحكومة الوفاق، كما ستخفف هذه الخطوة من دعم الأطراف الإقليمية لفريق حفتر، وهو ما يصب أيضا في دعم
الحكومة، كما رأى.