هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يمر في تاريخ مصر، ولا تاريخ الأنظمة القمعية في العالم العربي، تشويه ومسخ وتحقير لقيمة الإنسان، كتلك التي أوجدها نظام الأسد في سوريا وعبد الفتاح السيسي في مصر. ما يجمع ثنائية الحاكمين في القاهرة ودمشق؛ الزنازين التي حملت اسم المسالخ البشرية لذبح عشرات آلاف المعارضين والمعتقلين. ومجازر الأسد في هذا المضمار مع صمت وعجز دولي، دفعت بالسيسي إلى أن ينصب المشانق في محاكم هزلية وبوجبات إعدام جماعي يسميها أزلامه في الصحافة "انضباط" للقوانين التي يخالفها نظام الحكم، من انقلابه إلى مذابحه، حتى براميله ونسف المدن والأحياء فوق رؤوس ساكنيها على مرأى ومسمع العالم كله.
وفي التاريخ المعاصر تجتهد أنظمة وظيفية وريعية، من الرياض إلى أبو ظبي والمنامة وغيرها، لمؤازرة القمع وتسخينه ورفده بالمال والسلاح.
في وسائل الإعلام الغربية التي تتناول الأخبار الواردة من العالم العربي، يُستخدم غالباً قاموس الأنظمة القمعية بشكل عام، لانتقاد "تجاوزات" النظام في مصر أو السعودية وأبو ظبي، في إشارة لملف حقوق الانسان، الذي حاول عبد الفتاح السيسي شرحه أمام ماكرون في كانون الثاني/ يناير 2019، بمقارنة مخزية ومنحطة عن مصر التي لا تحكم إلا بطاغية ولا "تقوم بحرية صحافة ومدونين"، مع تقديم خطاب عن البعبع الإسلامي داخل المجتمع المصري، تلك المرافعة التي اجتهد الطاغية العربي في دمشق والقاهرة والرياض مع كل دورة من دورات الانحطاط لتقديمها في تبرير جرائمه وقمعه وفرض القهر والفساد والتسلط، ليتم تلخيص ذلك بعبارة واحدة أمام وسائل الإعلام الغربية: أنا موجود لاحمي مجتمعاتكم من خطر " الإسلام" والإرهاب، ولأحمي "ديمقراطية إسرائيل" وأحافظ عليها، وكأن هذا التعهد هو القسم الرسمي لدساتير الأنظمة القمعية في العالم العربي.
في بداية تشرين الأول/ أكتوبر الحالي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ إن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية. وأعلن عن سياساته ضد ما سمّاه "التشدد الإسلامي الذي يتخذ العنف منهجا له".
هذا تطور بالخطاب لم يصدر من حزب يميني عنصري، بل يصدر من رئيس جمهورية يعبر عن موقف من الإسلام كدين وعقيدة وحضارة. جرأة هذا التطاول سمحت لماكرون وغيره ممن آثروا قاموس التفاهة العربي؛ التهجم بمفردات والحط من قيمة العربي ومن تاريخه ودينه، لإعلاء شأن قيمتين، الأولى الرئيس والزعيم والأمير والملك، والثانية إعلاء شأن المحتل وضرورته لنسف هذا التاريخ.
مخزٍ ومهين وضع هذه الأنظمة المتساقطة، والساقطة في قمع وقتل شعوبها دون أن يجاريها، من حيث العدد والوسائل حتى ذلك العدو الذي حذرنا منه الناطقون باسم الممانعة والمقاومة، وشعارات القومجية ونخب اليسار العربي من نسيان "التناقض الرئيس" مع العدو، فيما نخبها تحولت الى أزلام للسلطة في القاهرة ودمشق والرياض وأبو ظبي، وفي صحف التهريج التي تسمي القمع والقتل والإبادة الجماعية والقهر قمة الوطنية، يقابلها أتباع الحاشية التي تسمي التقرب من الصهيونية والانبطاح أمامها "حضارة وشجاعة"؛ لا تظهر إلا في عملية قتل الشعب وخيانته وشتم ديانته وتاريخه لتدجين عقل العربي بالتصهين.
لا حاجة بعد اليوم للاجتهاد في قضية أو مسألة العلاقة بين الحاكم العربي ووظيفته المرتبطة بأجندة إقليمية ودولية، ولا عن العشق المباح بينه وبين المحتل الإسرائيلي سواء باتفاق أو بدونه، والغزل السري بين الزنازين العربية والمعتقلات الصهيونية، ولا عن حماية المستوطنات وهدم المدن العربية.. خاتمة هذه العلاقات أصبحت شرعية للاستمرار في الحكم أو الوظيفة، حتى لو لم يكن هناك تطبيع، فهناك التزام بتنفيذ كثير من الخطوات التي نفذت، ويكفي النظر لحجم الجرائم والمذابح التي تُرتكب بحق المواطن المصري أو السوري والعراقي واليمني والسعودي، لنتعرف على وهج النفاق الغربي والأمريكي للطبطبة على كتف طغاة ومجرمين. لا يفاجئنا عهدهم أنه موجود لحماية المشروع الصهيوني في المنطقة، ولذلك تكون ذنوبهم "مغفورة" حتى لو كانت تدمير أوطان بكاملها أو إقامة متاريس من جثث في زنازين وتقطيعها وحرقها؛ طالما هي تغطي جريمة المشروع الاستعماري في فلسطين.