هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
* تونس بحاجة لهدنة بعيدا عن التجاذبات السياسية والصراعات العقيمة.. نجحنا سياسيا لكن تأزمنا اقتصاديا
* حرية التعبير تبقى مكفولة حتى لو نعت البعض الثورة بأسوأ النعوت.. ولا مجال لأي قانون يتناقض مع ذلك
* تونس ستخرج أقوى من كل أزماتها وستتلاشى جميع "الظواهر الصوتية" مع مرور الوقت
* قد أعود للعمل السياسي داخل تونس في المستقبل لكن حتى الآن لم أجد حزبا يقنعني للانخراط فيه
* "الغنوشي" من أكثر الشخصيات السياسية حكمة داخل البلاد وهو شيخ رصين وسياسي بامتياز
* إصرار البعض على عدم وجود "الغنوشي" على رأس البرلمان ضربٌ من التشدد والاستبداد وينافي الديمقراطية
* "عبير موسي" وجماعتها من بقايا النظام البائد وسنتخلص منهم رويدا رويدا بالديمقراطية والوعي الشعبي
* بقايا العهد البائد مدعومون من الخارج وتُرصد لهم الأموال من دول كالإمارات وغيرها من أجل إجهاض الثورة
* موقف حركة النهضة من المرأة مُتقدم جدا عن الكثير من الأحزاب العلمانية.. والتيارات الإسلامية تريد إثبات تقدمها وانفتاحها
قالت وزيرة شؤون المرأة التونسية سابقا، سهام بادي، إن "تونس
تحتاج إلى هدنة بعيدا عن هذه التجاذبات السياسية، والصراعات العقيمة"، مشدّدة
على ضرورة "وضع اليد باليد لإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية؛ فقد نجحنا سياسيا
لكن اقتصاديا علينا أن نتقدم، فالوضع الاقتصادي اليوم وضع لا يَسُر".
جاء ذلك في الحلقة الثانية والأخيرة من مقابلتها الخاصة ضمن سلسلة مقابلات
مُصورة تجريها "عربي21"، تحت عنوان (ضيف "عربي21").
وأشادت "بادي" بأداء وشخصية رئيس البرلمان
التونسي راشد الغنوشي، قائلة إنه "شيخ رصين، وسياسي بامتياز،
ورجل حكيم، ومن أكثر الشخصيات السياسية حكمة داخل البلاد مع اختلافي معه في بعض الأمور،
فقد قاد حركة سياسية، وحافظ على كيانها لسنوات عديدة، وأوصل تونس إلى هذه المرحلة،
ومن حقه أن يكون له طموحات سياسية، ككل مَن يشتغلون بالسياسة"، مؤكدة أن "تعنت
البعض ضده، وإصرارهم على عدم وجوده على رأس البرلمان يُعد ضربا من التشدد، وينافي
الديمقراطية، وبه شيء من الاستبداد".
اقرأ أيضا: ضيف "عربي21": مقابلة مع الوزيرة التونسية السابقة سهام بادي
واستنكرت "بادي" ممارسات رئيسة الحزب
الدستوري الحرّ عبير موسي، بقولها: "هي إحدى بقايا نظام الاستبداد، وضمن
الذين اعتادوا أن يكونوا حطبا وقودا لنار الظلم والفساد، هؤلاء لا يخفى على أحد
أنهم مدعومون من الخارج، وتُرصد لهم الأموال من دول لا تخفى على أحد مثل الإمارات
وغيرها، من أجل عدم إنجاح الثورة. وعبير وجماعتها سنتخلص منهم رويدا رويدا
بالديمقراطية والوعي الشعبي".
وعبّرت وزيرة شؤون المرأة التونسية سابقا عن تفاؤلها
بمستقبل أفضل لتونس التي قالت إنها ستخرج أقوى من كل الأزمات التي تواجهها، وستستفيد
من خبرتها في إدارة الأزمات، وتجربتها السياسية ستنضج، مشيرة إلى أنه "مع مرور
الوقت ستتلاشى كل الظواهر الصوتية التي تتمثل في بقايا النظام البائد. وسيبقى هذا
البلد نموذجا ناجحا وشمعة مضيئة في بلدان الربيع العربي.
وتاليا نص الحلقة الثانية والأخيرة من مقابلتها الخاصة مع (ضيف "عربي21"):
هل تقييد الحديث عن "تمجيد الاستبداد وتحقير الثورة" يتناقض مع حرية التعبير؟ وهل تؤيدين سن قوانين لمواجهة ذلك؟
أنا أرى أن حرية التعبير تبقى مكفولة، ولو وصل
الأمر بالبعض إلى تمجيد الاستبداد وتحقير الثورة ونعتها بأسوأ النعوت، هؤلاء لا
يمكن محاربتهم إلا بالصبر عليهم، وأن نتقدم ونعمل، فهم يتكلمون ونحن نفعل، وكما
قلت من قبل هؤلاء "مصيرهم الانقراض" مع مرور الزمن، فهم بقايا النظام
البائد وبقايا الاستبداد، وهي مرحلة معينة، وقُدّر لهم أن يتواجدوا بموجب الديمقراطية،
وأعتقد بألا يكون لهم بالمستقبل أي مكان، فبالتالي لا مجال لسن قوانين تخص هذا الأمر.
هل تونس تحتاج إلى هدنة سياسية؟
نعم، أعتقد أن البلاد تحتاج إلى هدنة بعيدا عن
التجاذبات السياسية، والصراعات العقيمة، ووضع اليد باليد لإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية،
فقد نجحنا سياسيا لكن اقتصاديا علينا أن نتقدم، فالوضع الاقتصادي اليوم وضع لا يَسُر؛
فقد وصلت نسبة البطالة اليوم في صفوف الشباب إلى 35% تقريبا، فيما تفوق نسبة الدين
العام الـ 80%.
والوضع الاقتصادي خاصة في المناطق المهمشة
والمحرومة يزداد سوءا يوما بعد يوم، وإذا تعطلت مؤسسات إنتاج الفوسفات، والنفط،
وازدادت الإضرابات العمالية، سيؤدي ذلك لتعميق الأزمة الاقتصادية، وهو ما لا يخدم
البلاد خلال هذه الفترة، والأرجح والأنسب هو التكاتف، والجلوس على طاولة واحدة مع
أصحاب الرأي الحكيم في الاختصاصات المختلفة، من الرجال والنساء ممن لهم من الحكمة والفطنة
والذكاء ما تنتفع به البلاد، وبما لديهم من خبرات وتجارب في الخارج بالدول
المتقدمة، وعلى الدولة أن تفتح يدها للجميع، وأن تحتضن أبناءها في الداخل والخارج،
وأن تعقد ورش عمل مستمرة للتفكير في حلول جدية وسريعة لإنقاذ الوضع الاقتصادي الذي
يزداد سوءا يوما بعد يوم.
كيف تُقيمين موقف حركة النهضة من المرأة مقارنة بمواقف باقي القوى السياسية الأخرى؟
عندما كنت وزيرة في حكومة "الترويكا"، وحين كنت أتنقل إلى بعض البلدان، كانوا يقولون: لقد سررنا كثيرا حين رأينا وزيرة المرأة
التونسية في حكومة أغلب أعضائها من حركة النهضة امرأة بدون حجاب، وكان ذلك يضحكني
كثيرا؛ لأن الحجاب ليس معيارا للتمسك بالدين، أو الإيمان، أو درجة التقوى، ولأن
حركة النهضة تُحسب على التيارات الإسلامية فموضوع المرأة بشكل خاص كان له حساسية
كبرى، وكأنها مطالبة أكثر من غيرها بألا تمس حقوق المرأة أو تتراجع عن مكتسباتها.
حركة النهضة قدمت سيدات للبرلمان وللمجلس التأسيسي
وللحكومات، وهناك سيدات كثيرات في المكتب التنفيذي للحركة، بينما كان هناك - على سبيل
المثال- امرأة وحيدة في المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، وأحزاب سياسية متقدمة جدا وعلمانية
ليس للمرأة فيها حظوظ للوصول إلى المناصب العليا.
وحركة النهضة جعلت على رأس مدينة تونس – وهي أكبر
بلدية في تونس- لامرأة، والنائبة الأولى للمجلس التأسيسي كانت امرأة من حركة النهضة،
كما احترمت حركة النهضة قانون التناصف احتراما شديدا، واعتمدته في قوائمها.
وأعتقد أن المرأة الآن في تونس سواء كانت من حركة
النهضة أو علمانية أو مستقلة، لا خوف على مكتسباتها، بل على العكس أشعر أن التيارات الإسلامية تريد أن تثبت تقدمها وانفتاحها،
واحترامها لحقوق الإنسان وحقوة المرأة على وجه الخصوص، لأنه موضوع شائك، ومن خلاله
يمكن أن نُصنف بعض الحركات بأنها أكثر تطرفا من غيرها.
ما تقييمكم لأداء رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في ظل الجدل حول شخصه؟
بالطبع هناك مؤاخذات على راشد الغنوشي لماذا ترأس البرلمان؟ قد تكون هذه المؤاخذات حول تقدمه في العمر، فمَن قبله كان محمد الناصر، وكان
متقدما جدا في السن ولم يعترض عليه أحد، وعندما كان السيد قائد السبسي رئيسا للدولة
وهو في سن متقدمة لم يعترض عليه أحد، ولم يكن معيار السن مزعجا لأي أحد، فإذا كان
الحديث عن معيار السن فمردود عليهم.
والغنوشي شخصية لها رمزيتها، وساهم في الحياة
السياسية التي تجاوزت الأزمات في السنوات الماضية، فقد كان منفتحا للحوار، واستطاع
الجلوس على طاولة واحدة مع المعترضين عليه وعلى حزبه وتوجهاته، وقد قدمت الحركة
العديد من التنازلات، والتي جعلت العديد من مناصري الحركة في صراع مع الحركة، ومنهم
مَن خرج عليها باعتبار أنها قدمت تنازلات "أكثر من اللازم"، والحق يُقال
إنه شيخ رصين، وسياسي بامتياز، ورجل حكيم.
أما أن يُؤخذ عليه لأنه رئيس للبرلمان، ووجوده
يسبب كل هذا التشويش ومحاولة العرقلة لأعمال هذه المؤسسة فكلها حجج واهية، فقد
جاءت به الديمقراطية، ورشحه حزبه، ونحن نحترم المؤسسات، ونحترم خيار الشعب، ونحترم
خيار الكتل البرلمانية التي أعطت له صوتها، واختارته رئيسا للبرلمان. وأريد من
الأشخاص الذين يصطفون وراء المعارضين أن يعطونا الأسباب حتى نناقشها.
أما من ناحية القدرة الذهنية، فالغنوشي رجل كيّس
وفطن، وحكيم بامتياز، وهو من أكثر الشخصيات السياسية حكمة داخل البلاد مع اختلافي
معه في بعض الأمور، وهو أيضا عاش فترة المعارضة، وعانى في المنفى، وقاد حركة
سياسية، وحافظ على كيانها لسنوات عديدة، وأوصل البلاد إلى هذه المرحلة من كتابة
الدستور، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فبالتالي من حقه أن يكون له
طموحات سياسية، ككل مَن يشتغلون في السياسة، علينا ألا ننكر ذلك أو نخفيه، وهذا
ليس عيبا؛ فالاشتغال بالسياسة هو بالأساس لتحقيق برامج، وهي لا تتحقق إلا عبر مواقع
سياسية ونفوذ وسلطة، من أجل تحقيق هذه البرامج، ومن حقه مثل كل السياسيين أن تكون
له طموحات بأن يكون رئيسا للبرلمان، أو رئيسا للحكومة، أو رئيسا للدولة إذا ما أتت
به انتخابات حرة ونزيهة، وإذا ما اتفقت عليه الجماعة الوطنية.
أما تعنت بعض الأشخاص معه، أو إصرارهم على عدم
وجوده على رأس هذه المؤسسة فهذا ضرب من التشدّد، وينافي الديمقراطية، وبه شيء ما
من الاستبداد.
كيف ترين ممارسات رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي؟ وكيف تنظرين للشكاوى المرفوعة ضدها؟
الكل
يعلم أن هناك بقايا لنظام الاستبداد، وهناك بعض المتأسفين على أن تونس اليوم تنعم
بحرية، وتحترم حقوق الإنسان، وحرماته، فهؤلاء اعتادوا على أن يكونوا حطبا وقودا لنار
الظلم والاستبداد، فتراهم يستكثرون علينا هذه الثورة وما ننعم به اليوم من الحريات.
هؤلاء لم نسمع لهم صوتا عندما كانت السجون ممتلئة، وكانت أصوات التعذيب تتعالى هنا
وهناك، وكان الاستبداد خانقا حتى انفجرت البلاد وصارت هذه الثورة.
هؤلاء
لا يخفى على أحد أنهم مدعومون من الخارج، وتُرصد لهم الأموال من دول لا تخفى على أحد
مثل الإمارات وغيرها، من أجل إخفاق هذه الثورة، والعمل على عدم إنجاحها، وانتقاص
حقها؛ حتى تجعل الناس يندمون على ما كانوا عليه قبل الثورة، هم مُكلفون بهذه المهمة
ومدفوعو الأجر لإنجازها، ويقومون بها على أحسن وجه، وبالطبع لهم أنصار لما يمتلكونه من إمكانيات، وخاصة الإمكانيات المادية التي تُرصد لهم، مما يمكنهم من التأثير
في بعض النفوس الضعيفة والأشخاص الذين يمكن شراؤهم بحفنة من النقود مع الأسف
الشديد.
عبير
موسي وجماعتها هم بقايا ذلك العهد الذي سنتخلص منه رويدا رويدا بالديمقراطية والوعي
الشعبي، وبمستقبل أفضل لتونس تكون فيه الغلبة والنصرة للحرية والكرامة ولكل الشعارات
التي اُستشهد من أجلها أبناء هذا الوطن، وسيكون ذلك بقليل من التأني والصبر والمثابرة،
وخاصة بالعمل على توعية الشعب، وألا نستغل حالة الجوع والفقر والتهميش لهؤلاء،
ونبيع لهم أوهاما، أو أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان.
لماذا عدتِ مرة أخرى للإقامة في فرنسا؟ وهل ستواصلين التعريف بالقضية التونسية من خارج تونس كما حدث أيام زين العابدين بن علي؟
عودتي إلى فرنسا كانت في كل مرة اضطرارا، فلقد ذهبت
إلى فرنسا للمرة الأولى بعد الحكم علي بالسجن سنتين في قضية سياسية خلال فترة حكم
«بن علي» على خلفية نشاطي السياسي باعتباري معارضة سياسية عام 1992، وفرنسا هي المكان
الذي درست فيه، وتخرجت منه، ولي فيه عيادة طبية، تدرس فيه الآن بناتي، لذلك
فالعودة إليه اضطرار.
كما أن هذا البلد استقبلنا كلاجئين سياسيين، وكان
بالفعل بلدي الثاني، وكفل لنا ولأبنائنا نفس الحقوق، وتواجدنا كمواطنين كاملي المواطنة،
وتبقى تونس هي البلد الذي ما أن يحتضننا حتى نُحرم منه؛ لأنه "تجري الرياح
بما لا تشتهي السفن".
وأنا بالطبع دائمة التردد على تونس، أما فرنسا فهي
فرصة "للاسترزاق" نسترزق منها حتى ينتفع بها بلادنا وأهلنا وأرضنا، وهذا
مهم جدا، ولا ننسى أن المواطنين بالخارج عليهم دور كبير في بناء البلد، من خلال تشجيعهم
على الاستثمار والبناء وإقامة بعض المشاريع لتفيد بلادها بما استفادت منه خارج البلاد.
لذلك، تجد المواطن خارج تونس يكون أكثر لهفة على
بلده، وأكثر خوفا عليها، وأكثر شوقا لها، و«الفعل لا يُقاس بالكم، بل بالكيف»، لذا
قد يكون تواجدنا قليلا داخل تونس، لكن فعلنا كثير، وكثير جدا.
هل قد يكون لكِ دور سياسي في المستقبل؟ ولماذا ابتعدتِ عن الحياة السياسية؟
أنا لم أبتعد عن الحياة السياسية بالمعنى المقصود،
لأن الاهتمام بالشأن العام، ومتابعة كل ما يجري، ليس بالضرورة أن يكون فقط من خلال
الانخراط في الأحزاب السياسية، فنحن كمواطنين فرادى نتابع ما يحدث في البلاد، نتابع
ونحاول أن نغير في الدائرة التي موجودون فيها، سواء في خارج البلاد، أو داخلها، بالتأكيد
لدينا دائرة نتحرك فيها، ولنا تأثير على الأشخاص الذين تربطنا بهم علاقات مباشرة وغير
مباشرة.
إلا أنني ابتعدت عن العمل السياسي، لأنه كان يؤثر
في نفسي أن أرى هذه الفرقة بين التيارات الديمقراطية والثورية، والأحزاب التي جمعتها
مقاومة الاستبداد، كما جمعتنا السجون والمنافي، وكنّا نحلم بنفس الحلم، وكنّا نعمل
من أجل أن تكون تونس حرة يوما ما، كما أصبحت اليوم.
واليوم تونس استرجعت حريتها وعافيتها بهذه الديمقراطية
الناشئة، فكنت أتمنى ألا نفترق، وأن نتكاتف حتى تصل البلد لشاطئ الأمان، فالثورة
ليست فقط لحظة تاريخية، وإنما مسار يلزمه سنوات حتى يترسخ، وتتحقق أهدافها في
الواقع حتى ينعم الشعب بطموحاته، وتتحقق مطالبه التي نادى بها حين رفع شعارات الثورة،
وبالتالي فلم يكن هناك داع لتشتت وتفرق الأحزاب، وقد كان يجمعها حلم وهدف واحد، فكان
لنا نفس الماضي، ونفس الحاضر، وكنّا نأمل أن يكون لنا نفس المستقبل.
أيضا الحياة السياسية أحيانا تكون خانقة إلى حد ما،
لأنه يجب عليك الالتزام بما يقرره الحزب، وأن تلتزم برؤى الحزب، وكنت أريد أن أسترجع
شيئا ما من حريتي الشخصية، في أن تكون مواقفي أكثر حرية وأكثر جرأة دون الالتزام بمواقف
هذا الحزب أو ذاك.
هل ستكون لي عودة سياسية في المستقبل؟ لمَ لا، لكن
حتى الآن لم أجد حزبا يقنعني للانخراط فيه، وإذا ما وجدت أطر عمل تناسب آرائي
وميولي السياسية فلن أتأخر، فالسياسة ما هي إلا أداة لتحقيق برامج وأهداف، ومخططات
نريد بها النهوض بالبلاد، فإذا وجدت برامج يمكنني المساهمة فيها أو أن أكون فاعلة
فيها فلن أتردد، لكن لا أريد أن أكون مجرد رقم في حزب يكون هو أيضا مجرد رقم ضمن
القائمة الطويلة للأحزاب الموجودة.
وحقيقة، ليست لدي طموحات شخصية في السياسة، لكن طموحاتي
أن تكون السياسة أداة لتحقيق حلم بدأنا نراه يتحقق في الواقع، ولكن في مراحل التحقيق
الأولى، فحلمنا أكبر مما تحقق حتى الآن.
كطبيبة، ما تقييمكم للإجراءات التي اتخذها النظام التونسي في مواجهة جائحة كوفيد-19 خاصة في ظل تزايد أعداد المصابين؟
أنا كطبيبة كنت مسرورة جدا بما قام به الدكتور عبد
اللطيف المكي - وزير الصحة - من إجراءات، في بداية الجائحة وما قام به من تطويق
الأزمة، وتواصل مع المواطنين والإعلام، كان بحق رجل المرحلة بامتياز، وأنا أعرفه،
فهو رجل جاد في كل ما يفعل، ومشهود له بالانضباط، والعمل بكل جد لإنجاز أي مسؤولية
تُناط بعهدته، فهو رجل حازم، حكيم.
أشعر بالأسف للاضطراب السياسي، نتيجة تعاقب الحكومات
في مدة قصيرة، خلال فترة جائحة كورونا، والتي كان من المفترض أن يتولى مسؤوليتها شخص
واحد من البداية حتى يكون هناك برنامج أساسي، وتسهل عملية توزيع فرق العمل، وتوزيع
العمل بين المسؤولين في هذا القطاع.
وأعتقد أن الاضطراب السياسي أثر كثيرا في الإجراءات
التي اتخذت من بعد، ولا أقول إنها وحدها كانت السبب فيما وصلنا إليه اليوم من
تدهور الحالة الصحية، بازدياد حالات الإصابة، واكتظاظ المستشفيات بالمرضى،
وبارتفاع عدد الوفيات.
الحالة التي وصلنا إليها اليوم جزء منها له علاقة بالصراعات
السياسية التي وقعت، وأيضا عدم التزام الموطنين بالإجراءات الوقائية، وعدم وجود
وعي كاف عند الشعب حتى يطبق الإجراءات بكل صرامة، ففي تونس لم يُلزم المواطنين
بوضع الكمامة، أو تقنين عقوبات مالية زاجرة للمخالفين، لذا كان انتشار العدوى يتم
بشكل متسارع.
وأعتقد أن إجراءات فتح الحدود أو إغلاقها، أو فرض
الحظر أو رفعه، ربما تخفف عدد الإصابات قليلا، لكن إلى متى؟ فهذه الجائحة أثبتت
حتى الآن أنها متواصلة باستمرار وبدون هوادة لمدة أشهر دون انقطاع، فهذا الفيروس أصبح
اليوم موجودا كجزء من الهواء الذي نتنفسه، ونحن باستمرار في حالة وقاية، وفي حالة
حرب مع هذا العدو الذي لا يرتاح ولا يضع سلاحه أبدا.
وفي بلد مثل تونس، في ظل البنية التحتية الصحية الهشة،
والإمكانات القليلة، وفي غياب اللقاح أو الدواء، بالطبع الأزمة صعبة جدا، والأمور
ستتفاقم في الأسابيع المقبلة مع الأسف، ومهما اُتخذت من إجراءات يمكنها أن تحد بعض الشيء، أو تقلص عدد الإصابات والوفيات، لكن لا يمكن أن نرجع إلى ما كنّا عليه في
البداية خلال شهري نيسان/ إبريل وأيار/ مايو، وربما هذا هو التطور الطبيعي لهذا الفيروس،
الذي شاهدناه في كل الدول يسخر من كل الإجراءات، والإمكانات البشرية والمادية
والصحية الموجودة، ليحصد الأرواح بأعداد هائلة في الدول الأكثر تقدما وأكثر قوة على
مستوى البنية التحتية الموجودة بها.
مع الأسف الإجراءات بسيطة جدا، لكن عدم الالتزام
بها هو السبب الأكبر في ارتفاع عدد الحالات، دائما نبحث عمن يتحمل المسؤولية أو
نلبسه "قبعة الاتهام"، فعلينا أن نشير بأصابع الاتهام إلى أنفسنا بعدم
اتباع الإجراءات الوقائية الكافية مما أدى إلى هذه الحالة التي عليها تونس اليوم.
وزير السياحة، حبيب عمار، أعلن انخفاض مداخيل القطاع السياحي في تونس بنسبة 60% وربما تصل إلى 70% بنهاية العام 2020.. فما هي تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد التونسي برأيكِ؟
تداعيات كورونا على الاقتصاد مهمة جدا ليس على تونس
فقط، بل العالم كله تأثر بهذه الأزمة الصحية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية خانقة.
إذا قلنا إن تونس شهدت في العشر سنوات الماضية تراجعا واضطرابا كبيرا في النمو
الاقتصادي، فقد انخفض النمو الاقتصادي بنسبة 5.6% وهذه نسبة مخيفة جدا ومرشحة
للازدياد، كما قدرت خسائر السياحة بين 60 - 80% في العديد من القطاعات. وبالطبع كان
للأزمة الصحية في تونس تأثيرها الكبير على القطاع السياحي، كذلك قطاع الشركات، وعلى
مستوى التعليم، وحركة النقل الجوية والبحرية.
كل هذا أسفر عن بطء شديد في دوران عجلة الاقتصاد،
كما أثر كثيرا على الشركات المتوسطة والصغرى، فالعديد من هذه الشركات قد أعلنت إفلاسها
أو في طريقها لذلك، فلا يمكنها تحمل أكثر في ظل هذه الظروف، نعود لقطاع السياحة
الذي تأثر بشكل كبير، نحن نعلم أن الجزائريين كان لهم دور كبير في إنقاذ الموسم
السياحي، وكذلك السياحة الأوروبية، لكن مع هذه المشكلة الصحية، والمدة الكبيرة
التي أغلقت فيها الحدود، أو فتحها على استحياء، بالإضافة إلى تأثر كبير في
المبادلات بين الدول، والتعامل التجاري في دخول وخروج البضائع، فعلى جميع المستويات
ازدادت الحالة الاقتصادية سوءا مع هذه الجائحة.
والدول المتقدمة كان لديها رصيد كاف تستطيع منه
مساعدة المؤسسات الصغرى، وأصحاب الأعمال الحرة، والمواطنون الذين يعانون من الانخفاض
في نسبة الإنتاج والبيع والشراء والتعاملات السياحية، لكن بلدا مثل تونس تعاني من الديون،
وعندها التزامات كبرى مع البنك الدولي، ومع بعض الدول الأخرى، وبالتالي أصبح من
الصعب الاستمرار في مد يد العون لهؤلاء لمدة طويلة، وإنما مؤقتا كما فعلت وقدمت
إعانة مائتي دينار لذوي الاحتياجات المادية، لكنها لم تستطع الوفاء بعهدها معهم
طويلا.
ما هي قراءتكم لمستقبل الأوضاع بتونس؟
تونس مرت بأزمات صحية، وأزمات سياسية، وأزمات
اقتصادية، وأزمات أخرى عديدة، لكن كما يقال «الضربة التي لا تقسم ظهرك تقويه»، تونس
بعد كل هذه الأزمات ستخرج أقوى، وستستفيد من خبرتها في إدارة الأزمات، والتجربة السياسية
ستنضج، وأعتقد أن المستقبل سيكون أفضل بالتأكيد، وستتلاشى مع مرور الوقت كل "الظواهر
الصوتية" التي تتمثل في بقايا النظام البائد.
لكن أملنا كبير في جيل جديد فتح عينه في زمن لا
يعرف الاستبداد، والحريات فيه متوفرة، وهؤلاء سيصنعون لتونس مستقبلا أفضل، مما
تعلموه من خبرة القدماء، ومن هم أكبر منهم معرفة وخبرة بالسياسة، جيل جديد كله ثقة
في قدراته وفي بلاده، فتونس هذا البلد الصغير من حيث عدد السكان والمساحة
الجغرافية، الكبير استراتيجيا وسياسيا والذي استطاع أن يلفت أنظار العالم أجمع،
وبالتالي هناك مستقبل واعد لهذا البلد الصغير، ولهذه الديمقراطية الناشئة في
سنواتها الأولى، والتي صمدت رغم الرياح في الداخل والخارج، ورغم المتآمرين عليها، ورغم
الأموال التي تُدفع لضرب هذه الديموقراطية، لكن هذه الديمقراطية صامدة في وجه
الرياح، وسيبقى هذا البلد نموذجا ناجحا وشمعة مضيئة في بلدان الربيع العربي.