كتب

هل تتحرر الدراسات الغربية في دراستها للوجود الإسلامي بأوروبا؟

الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام في أوروبا ظاهرة تراكمية اشترك في صياغتها اليمين واليسار- (عربي21)
الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام في أوروبا ظاهرة تراكمية اشترك في صياغتها اليمين واليسار- (عربي21)

الكتاب: "قراءات في الإسلام، الإسلاموية، الإسلاموفوبيا، والعلمانية"
المؤلف: المعطي إقبال
منشورات ملتقى الطرق، الدار البيضاء- المغرب
الطبعة الأولى 2019
عدد الصفحات: 117

مقدمة:

ثمة مشكلة كبيرة في الدراسات الاجتماعية الغربية التي تحاول أن تقارب موضوع الإسلام والحضور الإسلامي في أوروبا، تعود من جهة إلى هيمنة الخلاصات التي سطرتها الدراسات الاستشراقية والكولونيالية عن الإسلام والمسلمين، ومن جهة أخرى إلى الإرث التاريخي المشحون بالصراع بين الإسلام والمسيحية، والذي ترك آثارا كبيرة في تمثلات العقل الأوروبي للكيان الحضاري الإسلامي، كما تعود من جهة أخرى إلى تأثير بعض النخب المعادية للإسلام على صناعة الرأي العام الفرنسي والتأثير القوي على المجتمع الأكاديمي بصياغة رؤية عدائية تجد تسويقا إعلاميا ودعما سياسيا كبيرا.

لا يترك هذا الزخم الأكاديمي المؤدلج، المدعوم سياسيا وإعلاميا، مساحة معتبرة للدراسات النقدية التي تحاول أن تخرج عن أسر الخلاصات الاستشراقية والكولونيالية، إذ غالبا ما تلعب الأحداث دورا في تزكية الصورة النمطية حول الإسلامي والحضور الإسلامي، مما يزيد من هامشية هذه الدراسات، وعزلتها وعدم قدرتها على التأثير في المجتمع الأكاديمي فضلا عن التأثير في الرأي العام بسبب سطوة الإعلام الموجه بالكليشيهات الجاهزة حول الإسلام والمسلمين.

يقدم هذا الكتاب، زمرة من الدراسات النقدية التي حاولت أن تخرج من هذه الشرنقة، وتفتح المجال لأسئلة بحثية وعلمية نقدية، تضع كل المسلمات والكليشيهات الجاهزة جانبا، وتبدأ من حيث يفترض البحث العلمي البدء، وتحرر من مقولات "الإسلام ينتج العنف" أو "الإسلام خطر على أوروبا"، مستعينة بما توفره معطيات التاريخ والسياسة والإنثروبولوجيا، ومحاولة تفسير السبب الذي جعل الإلمام بقضاياه ومواقفه وربما بطقوسه ورموزه أحد النقاشات اليومية في المجال التداولي الثقافي الفرنسي، ولماذا صار هاجسا جماعيا للفرنسيين أو للأوروبيين؟

 

يطرح الكاتب سؤال التحول من أقلية إلى أغلبية في تبني هذه القناعات العدائية للإسلام، وكيف كان دعاء مناهضة الحجاب أقلية سنة 1989 ليصيروا اغلبية سنة 2002، وبأي طريقة ساهمت أحداث عالمية مثل الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في تسويغ وتعميم هذه القناعات العدائية للدين ورموزه؟

 


يقر مؤلف الكتاب، أو يعارض خلاصة هذه الدراسات: أن الأمر لا يتعلق بفئة وازنة من الباحثين، وإنما هي فئة قليلة، حاولت أن تتحرر من خلاصات الدراسات الكولونيالية والاستشراقية، فحظيت دراساتها في الأوساط الجامعية والأكاديمية احتراما علميا مشهودا له.

ولقد اختار المؤلف أن يقدم العمل المشترك الذي جمع عددا من الدراسات التي تشابهت خلاصاتها، أو تقاسم الباحثون فيها قناعات مشتركة، حول الوجود الإسلامي في أوروبا، وضرورة إحداث قطيعة مع خلاصات الدراسات الكولونيالية والاستشراقية، شارك فيها باحثون وفدوا من جامعات ودراسات أوروبية للبحث وقدموا إسهامات علمية نشرت في عدد من المجلات، منهم أنطونيو دي ألمايدا ميدنس (جامعة نانت)، ومارينا كافييرو (جامعة سابييارانزا بروما) وغيوم كالافات (جامعة السوربون بباريس) وسيمونا شيروتي (المدرسة العليا للدارسات الاجتماعية)، وفولفغانغ كايزر (جامعة السوربون بباريس) وجيوفاني ريتشي (جامعة فيرارة بإيطاليا)، وقد أشرفت على هذا البحث الجماعي جوسلين دخيلة مديرة أبحاث بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية وبيرنار فانسان مدير البحاث والمدير السابق لمركز الأبحاث التاريخية الذي المختص في الأقليات الدينية.

وتتميز هذه الدراسات بكونها تناولت موضوعات مختلفة: الإسلام، الإسلاموفوبيا، الإسلام السياسي، الديمقراطية، النسوية الإسلامية، السلفية الإسلامية، وانتظمت في حقول معرفية مختلفة (التاريخ، علم السياسة، الانثروبولوجيا، علم الاجتماع....) وبالإضافة إلى جهد عرض هذه الدراسات اتي شملها البحث الجماعي المشترك، جاء القسم الثاني من الكتاب متضمنا لمقالات أجراها المؤلف مع عدد من هؤلاء الباحثين.

الماضي الإسلامي في أوروبا وسؤال البحث العلمي

يفجر هذا البحث العلمي سؤالين اثنين، يراجعان العديد من المفاهيم السائدة حول الحضور الإسلامي في أوروبا، ويفتحان أفقا لخلاصات أخرى غير الصورة النمطية التي يتم تكريسها.

أول هذه الأسئلة، يتعلق بوجود أراضي مندمحة اليوم في الفضاء الأوروبي كانت في مرحلة من تاريخا أرضاي إسلامية، بما يعني أن أوروبا كانت جزئيا إسلامية، ويتعلق الأمر، بأراضي كانت تحت السيادة العثمانية مثل قبرص واليونان، وأراضي أخرى كانت إلى أرضاي أخرى كانت إسلامية خارج السيادة العثمانية، مثل مالطا وإسبانيا والبرتغال وصقلية. يفجر هذا السؤال المسلمة التي تكرس وجود جبهة توتر وصراع أبدي بين الإسلام وأوروبا، وتفتح الإمكانية للحديث عن وجود تعايش، بل وعن وجود انتماء إسلامي لأوروبا أو لبعض الأجزاء منها. 

ويلاحظ الباحثون أن هذا التاريخ غالبا ما يضمر، أو ينكر، وأن من ضروريات البحث العلمي، أن يتفرغ لبحث هذه الحيثية والحفر فيها، وما إذا كان الوجود الإسلامي في أوروبا مجرد هيمن سياسية من غير تأثير ثقافي يوحي بعمق الانتماء للإسلام لدى أجزاء من الفضاء الأوروبي.

 

يسلط الكتاب الضوء على دراسة أخرى، تؤكد بأن الإسلاموفوبيا ليست حكرا على اليمين المحافظ أو اليمين المتطرف، وإنما هي صناعة شارك فيها اليسار بشتى أطيافهم، بحيث إنهم كانوا ينهلون من الخزان العدائي نفسه الذي يستمد منهم اليمين المتطرف مفردات الكراهية للإسلام.

 



أما السؤال الثاني، فيحاول أن يبحث الوجود الإسلامي في أوروبا قبل المواجهات الاستعمارية التي عرفها القرن التاسع عشر، ويتساءل تمثلات الأوروبي للوجود الإسلامي على أراضيها قبل اشتعال جبهة التوتر والصدام.

وقد حاول البحث أن يمضي بعيدا في هذا التساؤل، وأن يتجاوز بعض الخلاصات التأريخية، التي ترى أن الغرب نأى بنفسه بعيدا عن أن وجود إسلامي، وذلك منذ طرد المسلمين من إسبانيا، ونفيهم من صقلية إلى لوشيرا، وذلك بمساءلة الخلاصات التاريخية التي تزعم بأن رحلات المسلمين لأوروبا كانت محدودة، وأنه باستثناء الرحلات السفارية، فإن الوجود الإسلامي في أوربا كان شبه معدوم.

وقد احتاج البحث لإنجاز هذه المهمة إلى إعادة تعريف من هو المسلم، ومن هو المسلم الأوروبي، أو الأوروبي المسلم، وقدم معطيات تأريخية تناقض المتخيل الأوروبي الاختزالي عن الوجود الإسلامي في أوروبا، وتؤكد بأن المسلمين على عكس ذلك، اندمجوا بأعداد غفيرة في مجتمعات أوروبا الغربية، وأن الممارسة الإسلامية في أوروبا كانت راسخة وضاربة في العمق ألأوروبي، وأن هذا المسلسل لم يحظ بعناية بحثية تذكر، وأن الإخفاء المتعمد للمسلمين في أوروبا يضمر خلفية سياسية، تتعلق بالاعتراف بالإسلام كمكون أساسي من مكونات الفضاء الأوروبي، وتحاول أن تمنع أي تأسيس للممارسة الدين الإسلامي في عمق أوروبا.
 
حتى اليسار في أوروبا يحمل الكراهية للمسلمين
 
يسلط الكتاب الضوء على دراسة أخرى، تؤكد بأن الإسلاموفوبيا ليست حكرا على اليمين المحافظ أو اليمين المتطرف، وإنما هي صناعة شارك فيها اليسار بشتى أطيافهم، بحيث إنهم كانوا ينهلون من الخزان العدائي نفسه الذي يستمد منهم اليمين المتطرف مفردات الكراهية للإسلام.

لقد حاول المؤلف من خلال استعراض خلاصات البحث الذي قدمه بيار تيفانيان صاحب كتاب "كراهية الدين كيف أصبح الإلحاد افيون شعب اليسار" أن ظاهرة كراهية الإسلام، ليست قضية هامشية في كتابات وأدبيات اليسار، وأن دفاع اليسار عن توسيع الفضاءات التي يتحركون فيها، ويمارسون فيها قناعاتهم ويعبرون فيها عن قيمهم، لا يتوقف عند حدود المطالبة بالإقرار بالعلمانية، وإنما يذهب إلى ابعد من ذلك، مما يتعلق بإقرار الإلحاد، واعتبار كل الأديان أفيونا للشعوب، وهذا ما يزيد من تعزيز مقولة الكراهية والعداء للأديان ومنها العداء للإسلام الذي اصطلح عليه الباحث، الإسلاموبلشفية، أي عداء اليسار للإسلام.

الإسلاموفوبيا أو عولمة المشكل الإسلامي

حاول البحث استعراض عدد من الإسهانات التي حاولت الحفر في تاريخ الإسلاموفوبيا أو تاريخ استعمال هذا الاصطلاح، ورصد المقولات التي أسست لها، وأهم الفاعلين في إنتاجها وتسويقها، فضلا عن الآليات التي تعتمدها لتبرير منطقها وقوتها وهيمنتها وصياغتها للراي العام الأوربي والأمريكي.

وقد توقف الكاتب عند حدود هذا المفهوم، الذي لم يدرج إلى اليوم ضمن القواميس الفرنسية الشهيرة، وكونه سلوكا عدائيا ينهل من النبذ ويقوم على متخيل الخوف من ديانة الإسلام.

يتأسس الإسلاموفيا على مقولة أسطورة "الخوف من أسلمة أوروبا"، التي غذتها كتابات لعدد من التاب والإعلاميين من اليمين المتطرف، غذ استغلت هذه الكتابات على عولمة المشكل الإسلامي للإقناع بضرورة اتخاذ إجراءات تمييزية ضد المسلمين.

ويطرح الكاتب سؤال التحول من أقلية إلى أغلبية في تبني هذه القناعات العدائية للإسلام، وكيف كان دعاء مناهضة الحجاب أقلية سنة 1989 ليصيروا اغلبية سنة 2002، وبأي طريقة ساهمت أحداث عالمية مثل الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في تسويغ وتعميم هذه القناعات العدائية للدين ورموزه؟

قدم المؤلف خلاصات دراسات بحثية قاربت ظاهرة الإسلاموفوبيا، وانتهت إلى أنها ظاهرة اجتماعية شمولية، ينخرط فيها المجتمع برمته بج وبجميع مؤسساته السياسية والإدارية والقانونية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، كما قدم تساؤلاتها عن السبب الذي يجعل البحث السوسيولوجي يقتل الظاهرة الإسلامية بحثا، بينما لا يقترب من دراسة ظاهرة الإسلاموفوبيا وأشكال صياغة مقولاتها، وأهم الفاعلين في ذلك والآليات المعتمدة في صناعتها في المجتمع.

الإسلام السياسي.. عودة الدين أو الاحتماء به لمواجهة أزمة المشروعية السياسية

وإلى جانب القضايا السابقة، حاول المؤلف أن يستعرض عددا من الكتابات حول الصراع في الشرق الأوسط، وبروز تيارات الإسلام السياسي، والتأطير النظري الذي حاولت بعض الراسات أن تواكب به هذه الظاهرة، وكيف لجأت إلى مفهوم "عودة الديني" لتغطي بذلك عن أزمة في فهم هذه التيارات، وأن الاستناد إلى هذه المقولة، يسقط أصحابها في خطأين شنيعين، أولهما افتراض أن الدين كان غائبا وعاد ليقوم بدوره من جديد، أما الثاثي، فإن عودة الديني تقتضي حدوث إصلاح ديني عميق، يظهر من خلال الأدبيات والمخرجات الفكرية، بينما الواقع يؤكد حضور الفهم الحرفي الفاقد للأبعاد التجديدية التي غالبا ما تعرف بها حركات الإصلاح الديني، كما يكشف عن زيف الخلاصات التي تحاول ترسيخ فكرة اختفاء الدين وتجلياته، لينتهي في ذلك إلى قراءة مشكلة الصراع في الشرق الأوسط على أساس أنها تعبير عن أزمة عميقة أصابت هذا البعد ألساسي في المجتمعات الإنسانية في العالم بأسره، إذ تشابكت الأزمة الدينية بأزمنة المشروعية السياسية، فأنتجت هذه المعضلة المستعصية على الحل في الشرق الأوسط، و أن هذه العضلة ليست مرابطة بوجود أزمة في الإسلام، بل أزمة دينية لدى المجتمعات التوحيدية برمتها، وأن الأمر لا تعلق بعودة الدين، بل بالاحتماء به في تدبير الصراعات وإدارتها.

ملاحظات ضرورية

ومع الجهد الذي حاول به الكاتب تقريب عدد من الدراسات النقدية التي حاولت أن تخرج من أسر الخلاصات التي زكتها الدراسات الكولونيالية والاستشراقية، ومحاولته تسليط الضوء على صوت آخر له وجوده المعتبر وتأثيره ولو المحدود في المجتمع الأكاديمي، إلا أن الكتاب لا خلو من ملاحظات:

ـ أولها، كونه اشبه ما يكون بتقرير يقدم خلاصات هذه الدراسات وأهم الأسئلة التي اشتغلت عليها، إذ غاب بالكامل رأي الكاتب وتدخل شخصيته البحثية.

ـ الثاني، التداخل غير المنظم للدراسات المعروضة، إذ لا يكاد القارئ يميز بين خلاصات بعضها بسبب القفز من دراسة أخرى دون الإشعار بذلك، وفي أحيان كثيرة ذكر الدراسة دون صاحبها، أو ذكر آراء البحث دون ذكر مظانها.

ـ الثالث، ضعف التوثيق، فباستثناء إحالة واحدة تكون توثق مظان العنوان، فإن الكتاب خلا في مجمله من الإحالات التوثيقية التي يفترض أن تكون حاضرة بنسق واحد في الكتاب برمته، إما عند كل فصل، أو عند كل صفحة، فالكتاب أحيانا يوثق داخل النص، وأحيانا لا يوثق بالمرة، وأحيانا يكتفي بإحالة واحدة، مع أن الفصل يضم عددا من الدراسات الواجب توثيقها.

ـ الرابع، وتتعلق بالصياغة اللغوية، إذ افتقدت الترجمة إلى صياغة عربية احترافية، تساعد القارئ على فهم المتن البحثي.

ـ الخامس، افتقد الكتاب للبنية التي تميز الكتاب، من تقديم شارح يضع الكاتب في صلب الموضوع، ويقسم الفصول ويبين اعتباراتها المنهجية، ويشرح الاختيارات التي لجأ إليها المؤلف في كل فصل على حدة.

ومع كل هذه الملاحظات، فإن ما تضمنه الكتاب من استعراض مهم لهذه الدراسات، يشفع لبعض عيوبه، ويجعله أقرب إلى التقرير منه للمؤلف العلمي.

التعليقات (0)