هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لقد كانت حجة الجنرال ديغول من ثورة الشعب الجزائري ضد المحتل في الفاتح من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1954 من أجل استرجاع سيادته المغتصبة في الخامس من تموز (يوليو) سنة 1830 وتحقيق الاستقلال الوطني ككل الشعوب المتعطشة إلى الحرية والاستقلال في العالم... كانت حجة الجنرال ضد الثورة لما استفحلت واشتد عودها (محليا ودوليا..) هو ترديده (بكل طوابيره) أن الجزائر عبارة عن مجموعة من القبائل المتناحرة، ولم تكن أمة في أي يوم من الأيام في التاريخ...
غير أن الحجة القوية والدامغة التي كانت بين أيدي المفاوض الوطني (كما قال لي ذلك فقيد وحدة الوطن والأمة، الأستاذ الصديق مولود قاسم، أحد مستشاري الوفد المفاوض في إفيان، بطلب من رئيس الوفد بلقاسم كريم رحمهما الله....) هو أن الجزائر الثائرة كانت أمة متكاملة المقومات التي تتأسس عليها كل أمم الدنيا مثل فرنسا ذاتها (دينا ولغة وتاريخا وثقافة وهوية....) بل قبل أن توجد الأمة الفرنسية ذاتها لاحقا بقرون عديدة!!؟!
اللغة الواحدة
وكانت اللغة العربية (التي رفضت فرنسا اعتمادها كلغة رسمية بعد خروجها كما بينا ذلك في مقال الخميس الماضي...)، كانت هذه اللغة رمز الأمة الموحدة ذات الهوية المتميزة عن فرنسا المحتلة... كانت تدرّس تحت القنابل وفي السجون والمعتقلات، للبرهنة على التميز الوطني والقومي عن فرنسا المحتلة ذاتها..!!
ولم يثبت في التاريخ الوطني على امتداد 14 قرنا، أن طالب أحدٌ، من الحكام أو غيرهم من العلماء في كل ولايات الوطن بتدريس أي من اللهجات البربرية على الإطلاق، بل كانت اللغة العربية الوطنية رمز السيادة ومرآة السياسة، هي التي تدرس في الجبال وفي زنازين السجون والمعتقلات عبر كل أنحاء الوطن دون أي اعتبار جغرافي للخرافة العرقية والجهوية بين كل الثوار الصغار منهم والكبار!؟
وهناك عشرات الآلاف من المعتقلين في كل سجون العدو مازالوا أحياء يرزقون ويشهدون على ذلك، للبرهنة منهم لإدارة الاحتلال (في ذلك الوقت!؟) بأن الجزائر شعب واحد ووطن واحد وأرض واحدة مسقية بدماء شهداء من فصيلة وطنية واحدة، وأن هذا الوطن الجزائري (شعبا وأرضا وهوية) هو جزء من أمة واحدة، كما عبر عنها أصدق تعبير، إمام جهادها وكفاحها الهوياتي الوحدوي الشيخ عبد الحميد بن باديس بقوله الجامع المانع "شعب الجزائر مسلمٌ وإلى العروبة ينتسب..."، والانتساب هنا كما شرحناه في مؤلفاتنا ذات الصلة هو انتساب ثقافي حضاري لساني (وليس عرقيا) مثل انتساب فرنسا ذاتها للثقافة المسيحية وتبني اللسان الروماني كما قال بلقاسم كريم رئيس الوفد المفاوض بناء على حجة مولود قاسم والتزاما حرفيا ببيان أول نوفمبر حول وحدة الجزائر (ترابا وشعبا ودينا ولسانا) بقوله لفرنسا في نص البيان إن عليها: "الاعتراف بالجنسية الجزائرية بطريقة علنية ورسمية ملغية بذلك كل القرارات والقوانين التي تجعل من الجزائر أرضا فرنسية التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات للشعب الجزائر".. وكما أكد ذلك في خطابه التاريخي عن وحدة الشعب والوطن يوم توقيف القتال بحضور كل قادة الثورة في تونس (والخطاب موثق عندنا بالصوت والصورة) علما أن هذا القائد التاريخي الكبير قد اغتيل في منفاه بألمانيا سنة 1974!؟
وهكذا أثبت الشهداء وكل الأوفياء من الأحياء أن الجزائر المجاهدة بشعبها الموحد ضد المحتل الفرنسي ليست أشتاتا من الشعوب اللامتجانسة في العرق أو الدين أو اللغة الوطنية الجامعة، كما كان يدعي الجنرال ديغول، بدليل اضطراره لاحقا إلى ترجمة خطابه للأهالي في مدينة تيزي وزو من الفرنسية إلى لغة الشعب الجزائري (العربية حسب نص البيان الخالد) وذلك في آخر زيارة له سنة 1961.
ولقد كان هذا الاستقلال الغالي المحقق، بفضل ذلك الوعي الوحدوي الوطني المتقدم جدا لدى المفاوض الجزائري على الاستقلال الوطني كما أكد لي ذلك الرئيس بن يوسف بن خدة بحجج دامغة سأوردها في سياقها لاحقا...
شاهد زور
واليوم يأتي (بعض الخلف) ليطالب بترسيم وتعليم بعض اللهجات الشفوية المحلية (غير العربية) وفرضها على كل الجزائريين في باقي الولايات وهو ما لن يتحقق الا بالإجبار مثل الفرنسية التي فرضها الاحتلال من البداية وحتى الآن بكل تعسف رغم وجود المادة الثالثة من الدستور الوطني الذي ظل في هذه المسألة السيادية (شاهد الزور) منذ صدور طبعته الأولى سنة 1963 وقد أبعد رئيسان مجاهدان وطنيان من أجل تعطيل تطبيق قانونه السيادي... وهما الشاذلي بن جديد (سنة 1992) واليمين زروال (سنة 1998) كما فصلت ذلك في كتابي (مصير وحدة الجزائر بين أمانة الشهداء وخيانة الخفراء!؟)
ولهذا نقول لماذا لم يطالب هؤلاء الاستحلاليون قبل الدستور الحالي بهذه السيادة اللغوية (الجهوية) أثناء الثورة التحريرية وقبلها؟
فإذا قيل بأن هذا المطلب قد تغاضى عنه قادة الثورة بحكم ضرورة الاتحاد ضد العدو المشترك لافتكاك الاستقلال من قبضة الاحتلال... نقول: وهل هذا الغريم القديم والمتجدد في كل حين قد تخلى عن هذا السلاح الديغولي الخطير المفتت لوحدتنا الوطنية لحساب سيادة لغته (كما أثبتنا ذلك في مقالنا يوم 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي... و بالتالي سيادته على بعض الولايات الوطنية الثورية التي طبق فيها البيان الخالد، بأغلى ثمن مشهود قدمه شعب في التاريخ المعاصر...!؟
ولذلك يحق لنا أن نسأل هؤلاء المدعين للوطنية عن لماذا لا يبقى نفس المنطق الاستقلالي سائدا للإبقاء على وحدة الأمة الجزائرية كما كانت منذ دحر الاحتلال الروماني على يدي الفتح الرباني لهذه الربوع إن كانوا مسلمين أوفياء حقيقيين وليسوا عملاء و"زرقاء" جدد مندسين!؟
وبأية حجة يرد هذا المدعي للوطنية عن رفضه اللغة العربية كموحد وحيد للأمة الجزائرية ماضيا وحاضرا ومستقبلا مثل فرنسا ذات العشر لغات محلية مكتوبة وشفوية ولا تطالب أو تقبل أية جهة رسمية فيها بدسترة أية واحدة منها لا وطنيا ولا حتى جهويا.! ؟
هل يمكن لأي كان أن يفصل (علميا وعمليا)، في الجزائر وكل بلاد المغرب العربي الأخرى، بين الإسلام ولغة القرآن، وبالتالي بين المسلم والعربي خارج الخرافة العرقية، التي لا يوجد لها سند إلا في أيديولوجية الأكاديمية (البربرنسية) التي أسسها الجنرال ديغول ورجل مخابراته (جاك بينات) مع بعض الأعوان من عندنا لهذا الغرض الاستحلالي بالذات سنة 1966!!
فبأية حجة يصمت هؤلاء هناك ويطلبون هنا عندنا فقط بذلك لولا التزام هذا الطرف هنا بتنفيذ خطة الجنرال ديغول لإبقاء (الجزائر فرنسية) كما أثبتنا من نص كتابه في مقالنا الأسبوعي السابق..
ولماذا يدعي هؤلاء القوم (بكل رياء تكتيكي) قبول الإسلام بدل المسيحية واليهودية والوثنية.. ويرفضون لغته العربية بدل اللاتينية سابقا والفرنسية حاليا (باسم التميز الهوياتي) الذي يطبقونه لمحاربة العربية فقط عندنا لحساب الفرنسية وحدها بكل سفور في بنود هذا الدستور!؟
هو تميز مَن عن مَن؟ أم عن ماذا؟ أهو تميز عن الإسلام أم عن اللغة العربية؟
وهل يمكن لأي كان أن يفصل (علميا وعمليا)، في الجزائر وكل بلاد المغرب العربي الأخرى، بين الإسلام ولغة القرآن، وبالتالي بين المسلم والعربي خارج الخرافة العرقية، التي لا يوجد لها سند إلا في أيديولوجية الأكاديمية (البربرنسية) التي أسسها الجنرال ديغول ورجل مخابراته (جاك بينات) مع بعض الأعوان من عندنا لهذا الغرض الاستحلالي بالذات سنة 1966!!
إن كل الجزائريين المهتمين بحاضر الوطن ومستقبله يذكرون أنه عندما تم جعل "تمازيغت" لغة وطنية دون تحديد أي منها، سنة 2002 حضرت كل الأحزاب المعتمدة حينها إلا المعنية بالأمر مباشرة، التي طالب أحد زعمائها منذ أيام بإبقاء اللغة الفرنسية في الإدارة وتعليم العلوم بها في المدارس والجامعات الجزائرية وهو ما كان قد صرح به أحد قادة هذا التيار الاستحلالي بأنه لو اعتمدت الدولة الجزائرية اللغة الفرنسية في دستورها المذكور سنة 1963 لما كان موضوع البربرية مطروحا اليوم!؟
وقد وافقته حينها على صراحته في مقابلة له في إحدى القنوات الفرنسية!؟
وكذلك حزب آخر من هذه الشاكلة وصف حينها نفس الإجراء الدستوري سنة 2002 (باللاحدث) وأنه مجرد مناورة من الدولة لإسكاتهم عن مطالبهم (على الطريقة الكتلانية) في إسبانيا أو الكردية في العراق أو المسيحية في جنوب السودان، وظلوا يطالبون بالازدواجية والتعددية اللغوية للتعمية وخدمة اللغة الفرنسية حتى الآن!!
وقد قال لهم الرئيس السابق (في عهدته الأولى سنة 1999 في خطابٍ شهير له بمدينة تيزي وزو بأنه لا يمكن أن يقبل بترسيم (الأمازيغية) ما دام هو على رأس الدولة الجزائرية!؟
والآن يحق للشعب الجزائري أن يتساءل عن ماذا حدث لتصدر النسخة الأولى من دستور الترسيم الحالي في عهدته الرابعة ثم تؤكد (بمواد صماء) حول نفس الموضوع في هذه العهدة الجديدة بعد 60 سنة من تنفيذ خطة الجنرال ديغول الواردة على لسان رئيس وزرائه في اليوم التالي لتوقيف القتال مع جيش التحرير الوطني الجزائري عن مواصلة الاحتلال الفرنسي لبلادنا بطرق أخرى، كما قال في خطابه أمام أعضاء البرلمان الفرنسي لتبرير الانسحاب العسكري للاحتلال قبل بداية مرحلة الاستحلال الأمن والمضمون كما عبرنا عنه في عنوان هذا المقال!!؟؟