هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
استعرض الصحفي إيشان ثارور في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"،
وترجمته "عربي21"، تحضير السلطات الصينية نفسها نحو تكوين نظام عالمي جديد، وفرص وموانع حدوث ذلك .
وسلط الضوء في بداية مقاله حول ظهور الدولة الصينية بمظهر
"الناجح" أمام تحدي جائحة كورونا، بغض النظر عما يقال عن أسباب نشوء
الفيروس وعن الأرقام هناك، وذلك مقارنة مع خصومها الجيوسياسيين في الغرب، حيث تبدو
الكارثة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية مع وفاة أكثر من 300 ألف حالة بالفيروس
مع اقتراب نهاية 2020.
ويقول: "لا تتم مناقشة النجاح النسبي لبكين على نطاق واسع في بقية
العالم. وهذا انعكاس للمخاوف المتزايدة بشأن الرئيس الصيني شي جين بينغ كقوة دافعة
باتجاه هيمنة خطيرة ومتنامية".
ويضيف: "استجاب نظامه بلا رحمة للتهديدات المتصورة في عام 2020، مما
أدى إلى قمع الحريات المدنية في هونغ كونغ، وترسيخ الإغلاق البائس للأقليات العرقية
في سنجان (تركستان الشرقية)، والتهديد لتايوان. كما انفجرت التوترات على طول الحدود
الصينية المتنازع عليها مع الهند، بينما تشاجر الدبلوماسيون الصينيون في الخارج مع
الصحافيين والمسؤولين المحليين من أستراليا إلى البرازيل".
وينوه إلى أن "التراجع المطرد" في العلاقات الأمريكية الصينية
ألقى بظلاله على كل شيء. حيث فرضت إدارة ترامب تعرفة جمركية على بعض السلع الصينية، وعقوبات
على بعض الجهات الصينية، وسعت إلى إقناع الشركاء في أوروبا وأماكن أخرى بعرقلة تقدم
قطاع التكنولوجيا الصيني المتنامي.
ويوضح: "الرئيس ترامب والحلفاء اليمينيون في الغرب ينتقدون الصين لكونها
المستفيد غير العادل من العقدين الماضيين من العولمة".
وفي واشنطن، يبدو الآن أن كلا
من الديمقراطيين والجمهوريين مقتنعون بالحاجة إلى التعامل مع الصين كمنافس منهجي، وهي
وجهة نظر من المرجح أن تستمر بعد تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.
اقرأ أيضا: دراسة: الصين ترغم المسلمين الإيغور على العمل بحقول القطن
وفي مواجهة مثل هذا العداء والشك، ينطلق شي مع بلاده في عام جديد يبشرهم
بالخير. ويصادف عام 2021 الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني، و"ظهور برنامج اقتصادي
جديد مدته خمس سنوات طرحه المخططون المركزيون في بكين".
وربما انتعش اقتصاد الصين بشكل أسرع من أي دولة رئيسية أخرى خلال الوباء،
لكن نموها يزداد تباطؤا ويدرك شي الحاجة إلى محور أعمق.
وشدد شي في خطبه على مدار العام، والتي توجت باجتماعات رفيعة المستوى في
الأسبوع الماضي، على أنه يتعين على الصين "تعزيز سوقها المحلي والابتعاد عن عقود من
النمو الموجه للتصدير". ووفقا للكاتب: "هذا يتماشى مع كيفية تطور قوى اقتصادية أخرى أكثر نضجا بمرور
الوقت في الغرب". لكن المزاج الحالي يشير أيضا إلى أنها "ردة فعل على المعارك الجيوسياسية
في نصف العقد الماضي".
وبحسب الكاتب، دفع بعض الصقور في إدارة ترامب نحو ما يُطلق عليه اسم
"فك الارتباط"، وهي عملية يمكن للولايات المتحدة من خلالها فصل نفسها عن
الاعتماد على السلع وسلاسل التوريد الصينية. مضيفا: "بالنظر إلى مدى تشابك أكبر
اقتصادين في العالم، فإن "فك الارتباط" ليس بالأمر السهل. ولكن الآن تتبلور
نظرة عدائية مماثلة في الصين".
ويؤكد مفهوم "التداول المزدوج"، الذي تم استخدامه لأول مرة في
اجتماع للمكتب السياسي الصيني في أيار/مايو، على أهمية تعزيز السوق الداخلية للصين
وكذلك التخلص من اعتمادها على سلاسل التوريد الموجودة في أماكن أخرى.
وفي مقال مطول حول هذه المسألة، جادل جيمس كرابتري من كلية لي كوان يو
للسياسة العامة في سنغافورة بأن هذا المفهوم "يمثل فهما جذريا جديدا للعولمة ومكانة الصين
داخلها".
وأوضح المؤرخ الاقتصادي آدم توز أن "الفكرة هي أن مستقبل الصين الاقتصادي
لن يتم تشكيله على أساس رؤية مسطحة للتكامل السلس مع الغرب، ولكن على مسارين مختلفين:
أحدهما محلي والآخر ذو توجه عالمي".
وكتب كرابتري: "بصراحة أكثر، بينما كان العالم مشتتا بسبب دراما الانتخابات
الرئاسية الأمريكية، كشف شي بهدوء عن استراتيجية اقتصادية مناسبة لحرب باردة جديدة
(..) بالنسبة للصين والعولمة نفسها. ومن المرجح أن تكون النتائج عميقة".
ولا يزال من الصعب بعض الشيء تمييز ملامح هذا التغيير. إنه يشير إلى مستقبل
تكون فيه الصين أقل التزاما بالمطالب والمصالح الغربية مما هي عليه بالفعل. ومع ذلك،
لا يزال شي يرى حكومته كشريك دولي مسؤول، وكرر خلال عطلة نهاية الأسبوع هدف الصين لخفض
كثافة الكربون بنسبة 65 بالمئة خلال العقد المقبل.
ويقول الكاتب: "نحن نشهد تحولا في مكانة الصين في الخارج بطرق أخرى". مستدلا بمقال حديث في
فايننشال تايمز ناقش كيف انخفض الإنفاق الصيني السخي على مبادرة الحزام والطريق الطموحة،
والتي هي عبارة عن مشاريع بنية تحتية ضخمة في بلدان عبر آسيا وأوروبا، مدعومة بقروض
ضخمة من البنوك الحكومية الصينية، بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
وقال يو جي، الباحث البارز في تشاتام هاوس، لصحيفة فايننشال تايمز:
"العلاقات الصينية الأمريكية المتقلبة والقيود المتزايدة على وصول الشركات الصينية
للأسواق الخارجية دفعت إلى إعادة التفكير بشكل أساسي في محركات النمو من قبل كبار المخططين
الاقتصاديين في بكين (...) بطبيعة الحال، إذا قررت الشركات المملوكة للدولة العودة
إلى السوق المحلية من أجل متابعة رغبات القيادة، فإن الموارد المالية المدرجة في الميزانية
للاستثمارات الخارجية ستنخفض وفقا لذلك".
اقرأ أيضا: الغارديان: الصين تتجسس على هواتف الأمريكيين في الكاريبي
وفي الصين، يؤكد المحللون أن مخاوف الغرب مبالغ فيها بشأن "إجماع
بكين" أو ما يعرف بـ"نموذج الصين"، وهي السياسات العامة
السياسية والاقتصادية للصين التي ساهمت في صناعة "المعجزة الاقتصادية
للصين"، وذلك بعد وفاة ماو تسي تونع في عام 1975.
وكتب هوانغ جينغ، عميد معهد الدراسات الدولية والإقليمية في بكين:
"حتى لو أرادت بكين ذلك، فإن تخيل أن الصين ستحكم العالم هو في أحسن الأحوال مجرد
أمنيات (...) وبقدر ما يبدو أن "إجماع بكين" فعال في تعزيز صعود الصين حتى الآن،
إلا أنه لم يتم تقديره بشكل عام، ناهيك عن قبوله، في العالم خارج الصين".
من ناحية أخرى، فإن مرونة الصين على مدار العام الماضي وتوطيد سلطوية شي
المستمر في الداخل تعطي نفس الدلالات.
ويرى المؤرخ الاقتصادي توز زوال أن "التخيلات الليبرالية
في الغرب من أن ثقل العلاقات العالمية للصين ستؤدي حتما إلى تحريرها".
وكتب: "إنها حجة تقلب الافتراضات الليبرالية حول التاريخ الاقتصادي
رأسا على عقب.. إنه يفتح آفاقا على العقود القادمة، وهو أمر جذري بمعنى أنه مفتوح.
إنه يتحدانا أن نتخيل أن المنطق الليبرالي لن يعمل بالطريقة التي قد نتوقعها. ماذا
لو كانت الصين تصنع التاريخ، وليس مجرد أنها تلعب فصله الأخير؟".