هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الحقوقي الليبي ورئيس "برنامج الوفاق الوطني" فتحي الورفلي:
* لن تتوفر الظروف المقبولة لإجراء الانتخابات المقبلة إلا بعد 18 شهرا من التوصل للاتفاق المشترك
* الصراع الإقليمي والدولي هو المعرقل الأول وربما الوحيد لاتفاق الليبيين على خارطة طريق لإخراج البلاد من أزمتها
* أعضاء دائمون في مجلس الأمن هم مَن يقومون بإرسال وتمويل وتسليح المرتزقة ويضمنون لهم الحماية من الملاحقة القانونية
* حقوق الإنسان في ليبيا عانت خلال العقود الخمسة السابقة من انتهاكات جسيمة على مختلف المستويات
* التستر الإقليمي والدولي على أشخاص مُتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية يساعد كثيرا على التمادي في ارتكاب الانتهاكات
* ممارسات البعثة الدولية للدعم في ليبيا تدعم شكوك الكثيرين في حقيقة نواياها وتضع حولها علامات استفهام
* نطالب بتشكيل محكمة خاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اُرتكبت خلال الخمسين سنة الماضية
قال الحقوقي الليبي ورئيس برنامج الوفاق الوطني، فتحي الورفلي، إن "الصراعات
الإقليمية والدولية في ليبيا تُعد أكبر وأخطر سبب لاستمرار أزمتنا حتى الآن، لأنها
السبب الرئيس في تعقد وتأزم المشهد الداخلي، وأنه لولا تلك التدخلات الخارجية
لأمكن إنهاء وتجاوز الأزمة بسهولة وفي أقرب وقت".
وأضاف، في مقابلة مع "عربي21": "فرص نجاح اللجنة
القانونية لملتقى الحوار السياسي الليبي تعتمد على مدى التزامها بمصلحة الوطن،
وغلبة الرغبة في إيجاد إطار قانوني يساعد على حلحلة الأزمة الدستورية التي تعاني منها
البلاد. وهذا يقتضي أن تمتلك قدرا كافيا من الاستقلالية عن أطراف الصراع المحلية وتأثير
مَن يقف وراءها من الأطراف الإقليمية والدولية".
وتشكيل اللجنة، وفقا للورفلي، في حد ذاته يُعتبر "خطوة جيدة من
شأنها تقليص الأطراف التي تعنى بهذا الشأن، وحصر الأمر في من يمتلكون الحد المطلوب
من التخصص والخبرة".
ولفت إلى أن "الجميع ينتظر من هذه اللجنة أن تحقق نجاحا، ولو جزئيا،
يمكن البناء عليه، وأن تؤسس القاعدة الدستورية التي من شأنها توفير ضمانات القبول
لأي اتفاق يمكن التوصل إليه، تفاديا للوقوع في فترة انتقالية جديدة غير مضبوط
زمنها ولا مرجعيتها".
وفي 18 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في
ليبيا، عن تشكيل لجنة قانونية من أعضاء ملتقى الحوار السياسي، للتمهيد للانتخابات
القادمة في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021.
ورأى "الورفلي" أن "الاتفاق على قرار إجراء انتخابات في 24
كانون الأول/ ديسمبر 2021م يُعد نجاحا ينبغي الإشادة به والبناء عليه بغض النظر عن
العقبات التي ستواجه حتما إجراء هذه الانتخابات في هذا التاريخ. فالاتفاق تعبير عن
قناعة جميع الأطراف بضرورة الرجوع إلى الشعب للحصول على الشرعية، ووضع حد للمراحل
الانتقالية، وفض النزاع حول الشرعية".
وتابع: "أعتقد أنه لن تتوفر الظروف المقبولة لإجراء هذه الانتخابات،
إلا بعد 18 شهرا من التوصل لاتفاق، ما يعني أننا نتحدث عن نهاية حزيران/ يونيو أو
منتصف تموز/ يوليو 2022".
وذكر أن "التفاؤل بالتوصل إلى تسوية للأزمة الليبية يبقى دائما مرهونا
بمدى سيادة روح المصلحة الوطنية، وتغليب مصلحة الوطن والشعب على أي انتماءات أو
مشاريع أو مصالح لا تستجيب لذلك، لكن ينبغي الاعتراف بأن الأمر ليس سهلا، وأن عقبات
كبيرة ومُعقدة ستواجه ملتقى الحوار في سبيل التوصل لاتفاق يلبي الحد الأدنى من
مطالب الأطراف المتصارعة".
"التدخلات الإقليمية والدولية أكبر عقبة"
ونوّه "الورفلي"، الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة السبيل
للعمل الأهلي (غير حكومية)، إلى أن "التدخلات الإقليمية والدولية تبقى على
رأس هذه العقبات، ونحن في انتظار تغييرات في الأوضاع الإقليمية أو الدولية لتساهم
في إنهاء أزمة ليبيا".
واستطرد قائلا: "لن أكون مبالغا إذا قلت بأن الصراع الإقليمي
والدولي هو المعرقل الأول، وربما الوحيد، لاتفاق الليبيين على خارطة طريق لإخراج
البلاد من براثن الحرب والانقسام والفوضى".
وحول دعوة مجلس الأمن الدولي، التي أطلقها قبل أيام، إلى ضرورة انسحاب
جميع المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا، قال: "أنا لا أعول كثيرا
على مثل هذه البيانات التي غالبا ما تأتي بلغة هلامية غير محددة، لأن أعضاء دائمين
في مجلس الأمن هم مَن يقومون بإرسال وتمويل وتسليح المرتزقة ويضمنون لهم الغطاء
القانوني والحماية من الملاحقة القانونية، بل هم مَن يوفرون كذلك الحماية السياسية
والقانونية للأطراف الليبية المستفيدة من هؤلاء المرتزقة، ولهذا فإنني أكاد أجزم
بأن هذه البيانات لا تعدو أن تكون حبرا على ورق سرعان ما يتناساها الجميع".
اقرأ أيضا: ليبيا 2020.. تحشيد عسكري وتعثر التوصل إلى حل سياسي
ولفت الناشط الحقوقي الليبي إلى أن "ممارسات البعثة الدولية للدعم
في ليبيا خلال السنوات الماضية، تدعم شكوك الكثيرين في حقيقة نواياها، وتضع علامات
استفهام على مدى التزامها بالحياد المطلوب ومراعاة عدم الانحياز لطرف من أطراف
الصراع، حتى تضمن التوصل إلى حلول".
وواصل حديثه بالقول: "مواقف البعثة الأممية وتجاهلها لما أثير عن
مزايا استفاد منها بعض رؤسائها السابقين بعد تنحيهم قدمتها لهم دول متورطة في
انتهاك حظر توريد السلاح إلى ليبيا، وقد ورد ذلك في تقارير المنظمة الدولية، ولجان
تقصي الحقائق، وأدانه مجلس الأمن في مناسبات مختلفة، ما يعزز بشكل كبير جدا الشكوك
حول مصداقيتها وحيادها".
وأكمل: "شكّل غياب الشفافية في اختيار أعضاء ملتقى الحوار، وكيفية
تحديد الأطراف التي ينبغي أن تكون مُمثلة في ملتقى الحوار، واعتماد البعثة على
مركز الحوار الإنساني سيئ السمعة في أغلب ما يتعلق بعملية إدارة الحوار يؤكد غياب
مقاربة أممية موثوقة وواضحة المعالم والمراحل لمساعدة الأطراف الليبية للتوصل إلى
حل للأزمة، وهو ما جعل البعثة الدولية تلعب حقيقة دور الوصاية على ليبيا متجاوزة
بذلك الدور الذي أنيط بها في القرارات الدولية ذات الصلة".
"انتهاكات جسيمة على مختلف المستويات"
وأوضح "الورفلي" أن حقوق الإنسان في ليبيا عانت خلال العقود
الخمسة السابقة من انتهاكات جسيمة على مختلف المستويات، واتسع نطاق الانتهاكات أفقيا
وعموديا ليطال شرائح مختلفة، كما أنها صارت سلوكا مُعتادا من أطراف النزاع، خصوصا
بعد الحروب الأخيرة، بسبب غياب الدولة والمحاسبة، وغياب الموقف الدولي الجدي
والحاسم في حق مَن يرتكب هذه الانتهاكات".
واستطرد قائلا: "الجميع يعلم أن دولا إقليمية وأوروبية توفر الحماية
والدعم للتستر على أشخاص مُتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية صدرت
بحقهم أوامر قبض من محكمة الجنايات الدولية، وهذا ما يساعد بشكل كبير على التمادي
في ارتكاب مثل هذه الانتهاكات".
وقال: "أعتقد جازما بأن تشكيل محكمة خاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية
التي اُرتكبت خلال الخمسين سنة الماضية في ليبيا من جميع الأطراف هو ما يضمن حقيقة
ترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، علّنا نساهم في ترسيخ العدالة وإنصاف الضحايا
والتأسيس لدولة القانون والحريات وحقوق الإنسان، ونحن نطالب بضرورة تشكيل مثل هذه
المحكمة".
وعن أوضاع الفساد في ليبيا، أردف "الورفلي": "لا شك في أن
الفساد ببلادنا بلغ مستويات غير مسبوقة لا يمكن السكوت عنها أو القبول بها. فالفساد
الآن هو السبب الرئيس الذي يقف في وجه أي خطط أو برامج للتنمية، كما أن الفساد
المالي صار مصدرا من مصادر التمويل للحرب والصراع، بل وحتى الإرهاب.
وبلغ التردي في الخدمات مثل الصحة والتعليم وباقي الضروريات مراحل لم
تعرفها حتى الدول المتخلفة والفقيرة، ما يهدد حقيقة أساسات الدولة ومستقبلها
ومستقبل الأجيال القادمة، وهو الأمر الذي يستدعي تكاتفا سياسيا وشعبيا وقانونيا
ودوليا لوضع خطط وبرامج وقوانين رادعة لمكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين، ومراقبة
حركة الأموال، وضمان مستويات الشفافية في كل مؤسسات الدولة".
"غطاء للحروب والتدخلات الإقليمية والدولية"
وحذّر من خطورة استمرار وجود انقسام في الأجسام التشريعية
والتنفيذية الليبية، مؤكدا أن الانقسام في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية خلال السنوات
السابقة شكّل سببا رئيسا في تردي الأوضاع، ووفر غطاءً للتدخلات الإقليمية والدولية،
ومظلةً تمت تحتها الكثير من الجرائم في حق الوطن، وعلى رأسها إهدار الثروات،
وتعميق الشرخ الاجتماعي، والعصبية الجهوية والقبلية".
ووفر الانقسام الليبي، بحسب "الورفلي"، "غطاءً خطيرا
لشن الحروب، وكان آخرها الحرب الأخيرة على العاصمة طرابلس وما خلفته من آلاف
الضحايا ومئات الآلاف من المهجرين، وما تركته من دمار شبه كامل لجنوب العاصمة،
وتمزيق للنسيج الاجتماعي، دون أن ننسى بالطبع المقابر الجماعية، التي ما زالت
تكتشف في مدينة ترهونة حتى هذه اللحظة في غياب كامل لأي رد فعل محلي أو إقليمي أو
دولي يدين مرتكبيها".
وبخصوص مستجدات واقعة مقتل المحامية والناشطة البارزة حنان البرعصي، قال:
"إلى الآن لا جديد باستثناء تصريحات وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، والتي
أشار فيها إلى أن الجريمة اُرتكبت لأسباب جنائية، وأنه تم استغلالها سياسيا، وأن
تحقيقا قد فُتح، وأن الفاعلين مجهولون حتى الآن".
وزاد بقوله: "من المؤكد ولفترة قادمة أنه لن يكون هناك كشف للفاعلين
سواء في جريمة اغتيال البرعصي أو غيرها من الجرائم التي اُرتكبت في حق شخصيات
سياسية، ولأسباب سياسة، كما هو الحال في قضية اختطاف وتصفية النائبة سهام سرقيرة،
وذلك لتمتع مَن تحوم حولهم الشبهات بحماية محلية وإقليمية، بل ودولية، خصوصا إذا
علمنا أن الشكوك تشير بأصابعها إلى بعضٍ من أبناء خليفة حفتر الذين يقودون
مليشيات أيديولوجية متطرفة".
"أزمة الهجرة غير الشرعية"
وعبّر "الورفلي" عن استنكاره وإدانته الشديدة لاستمرار أزمة
الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من خلال ليبيا، إلا أنه قال: "لا يمكن القبول
بتحميل ليبيا وحدها مسؤولية معالجة هذه المشكلة الإقليمية والدولية، خاصة في ظل الظروف
الصعبة التي يعرفها البلد، الذي يشهد غياب المؤسسات الأمنية، ومؤسسات المراقبة
والتحكم في الحدود والمعابر".
وأشار إلى أن "ليبيا دولة مُترامية الأطراف لها حدود بآلاف
الكيلومترات مع ست دول تُعتبر مصدرا كبيرا للهجرة والمهاجرين، وتمتلك عمقا داخل أفريقيا
يصل إلى 1500 كلم. وبالتالي فإن ليبيا دولة ممر وليست دولة مصدر أو مقصد، وعليه فإنه لا يمكن
إيجاد حل بدون إيجاد مقاربة إقليمية تتعاون فيها دول المصدر مع دول المقصد ودول
الممر".
واختتم الحقوقي الليبي بقوله: "ينبغي أن تتحمل الدول الغنية مسؤوليتها
في إيجاد الدعم المالي واللوجستي اللازم لليبيا، كما أنه ينبغي التركيز على إيجاد
برامج للتنمية لتثبيت المهاجرين في دولهم. فلا ينبغي بتاتا التساهل مع مَن يريدون
تحميل ليبيا وحدها مسؤولية وتبعات معالجة هذه المشكلة العابرة للحدود أو تراودهم
فكرة توطين المهاجرين في ليبيا ولو بشكل مؤقت".