هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسببت تداعيات فيروس كورونا على قطاعات النشاط الاقتصادي المصري، في تراجع إيرادات الموازنة العامة للحكومة المصرية بنسبة 17 في المئة عن الربط المعدل لها، خلال العام المالي الأخير 2019/2020 الذي انتهى آخر حزيران/ يونيو الماضي.
واستمر التراجع بإيرادات الموازنة خلال الشهور الأربعة الأولى من العام المالي الحالي (2020/2021) بنسبة 33 في المئة، عن الأرقام المستهدفة لتلك الإيرادات عند إعلان بيانات الموازنة، الأمر الذي دفع السلطات المصرية لخفض المصروفات التي أعلنت عنها في العام المالي السابق بنسبة 12 في المئة، وبنسبة 20 في المئة بالشهور الأربعة الأولى من العام المالي الحالي.
ويتوقع عدم تحقيق الموازنة مستهدفاتها للعام المالي الحالي، نظرا لصدور قرار من رئيس الوزراء في أيلول/ سبتمبر الماضي، بخفض الإنفاق في غالبية أبواب المصروفات بنسب تتراوح ما بين 20 في المئة إلى 100 في المئة لبنود الإنفاق التي يشملها الخفض، وما تلاه من قرار آخر لرئيس الوزراء بنفس التوقيت بحظر شراء الجهات الحكومية لعدد من السلع والقيام ببعض الخدمات، مثل شراء بعض أنواع المركبات أو الأجهزة المكتبية أو أجهزة التلفونات المحمولة والدولية إلا بموافقات خاصة.
وجاءت أحداث الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا، لتسبب الارتباك لقرارات رئيس الوزراء برفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتعظيم الإيرادات، من خلال اتخاذ إجراءات فورية لتحصيل الإيرادات المستحقة والمديونيات غير المحصلة عن سنوات مالية سابقة، حيث أصبح ذلك أمرا صعبا في ظل تباطؤ مبيعات كثير من الشركات، مع تراجع قيمة الصادرات وعودة الحظر الجزئي والكلي بعدد من الدول الأوروبية والغربية التي تمثل الأسواق الرئيسية للصادرات المصرية.
قانون ضريبي جديد أكثر تشددا
وفي سبيل الخروج من مأزق تراجع الإيرادات قامت وزارة المالية المصرية بعد من الإجراءات، منها قانون الاجراءات الضريبة الموحد في 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والذي تسري أحكامه في اليوم التالي لصدوره، والذي أتاح لها العديد من الأمور المستجدة التي تُعاونها على زيادة الحصيلة الضريبية، ومن ذلك التزام أقسام المرور بالامتناع عن تجديد أو نقل رخصة تسيير مركبات الأجرة أو النقل المملوكة لشخص، من أشخاص القطاع الخاص إلا بعد تقديم ما يفيد سداد الضريبة واجبة الأداء.
وتمكين موظفي الضرائب من الإطلاع على ما يريدونه من بيانات بعدة جهات حكومية، تشمل جهاز الكسب غير المشروع وجهاز الإحصاء ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة وشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام والنقابات والاتحادات.
كما أجاز القانون لمصلحة الضرائب تعيين مندوبين لها لدى الوزارات والمصالح الحكومية، ووحدات الإدارة المحلية والشخصيات الاعتبارية العامة وشركات القطاع العام، لمتابعة تنفيذ تلك الجهات لأحكام القوانين الضريبية، وأتاح القانون لمصلحة الضرائب حق توقيع حجز تنفيذى على أموال الممولين بقيمة ما يستحق لها من ضرائب، دون الحاجة الى إصدار مطالبة أو تنبيه بذلك!
كما أعطى القانون للنيابة العامة تكليف وزارة المالية بإخطار الجهات الحكومية والبنوك وشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام، التي يتعامل معها الممول المحال للتحقيق أو المحاكمة في إحدى جرائم التهرب الضريبيي، لوقف تلك الجهات التعامل مع الممول مؤقتا لحين حفظ التحقيق أو التصالح.
كما أجاز القانون لمصلحة الضرائب نشر قوائم بأسماء الممولين الذين صدرت ضدهم أحكام بعقوبات سالبة للحرية في إحدى جرائم التهرب الضريبي، في جريدتين يوميتين على الأقل، حيث تشمل العقوبات لمخالفة نصوص قانون الإجراءات الضريبية الموحد، الغرامة التي تتراوح ما بين ثلاثة آلاف جنيه حتى ربع مليون جنيه والحبس من سنة وحتى ثلاث سنوات.
فواتير الكترونية للمبيعات مرتبطة بالمصلحة
وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بدأ تطبيق الفاتورة الالكترونية في 134 شركة، والتي يتم إبلاغ مصلحة الضرائب بها الكترونيا بمجرد إصدارها للقيام بالحصر الفوري للضريبة المستحقة على عمليات البيع. ويلي ذلك تطبيق المرحلة الثانية للفاتورة الإلكترونية على 347 شركة بمنتصف شباط/ فبراير القادم، مع إلزام الشركات المسجلة بمركز كبار الممولين وعددها 2800 شركة، بالانضمام لمنظومة الفاتورة الالكترونية قبل بداية تموز/ يوليو القادم، وإلا فسوف تتعرض لإجراءات قانونية.
وفي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي صدر أيضا قانون جديد للجمارك بدأ العمل به من اليوم التالي لنشره، دون الانتظار لصدور اللائحة التنفيذية له والتي أتاح القانون مدة ستة أشهر لصدورها، وهو القانون الذي ضاعف قيمة الغرامة لمخالفة أحكامه إلى 30 ألف جنيه، وأتاح وقف التعامل مع من يصدر ضده حكم نهائي في إحدى الجرائم الوارده به، الأمر الذي لم يجد استحسانا من الغرف التجارية ومخلصي الجمارك.
وبالتوازي مع ذلك فقد استمرت وزارة المالية في رفع أسعار عدد من الخدمات، وتلقى رسوم طلبات التصالح في مخالفات البناء التي حققت حصيلة بلغت أكثر من 17 مليار جنيه حتى نهاية العام الماضي، وها هو العام الجديد يبدأ برفع مصلحة الشهر العقاري رسوم بعض خدماتها، وعلى الجانب الآخر تتأخر الحكومة في دفع ما عليها من مستحقات للموردين والمقاولين.
وعادة ما تبرر وزارة المالية رفعها للرسوم أو تأخرها بالسداد بقيامها بإنفاق مائة مليار جنيه لمواجهة تداعيات كورونا خلال العام المالي السابق، إلا أن تصريحات أخيرة لوزير المالية ذكرت أن الرقم النهائي بلغ 65 مليار جنيه فقط، وبالتدقيق في تفاصيل إنفاق الرقم تبين أن نحو 41 مليار جنيه منها لا تمثل إنفاقا مباشرا للتصدرى لكورونا، مثل احتساب 17 مليار جنيه لدعم قطاع الصناعة، نتيجة خفض سعر الغاز الطبيعى وخفض سعر الكهرباء وتأجيل سداد الصريبة العقارية لمدة ثلاثة أشهر، وتخصيص 10 مليارات جنيه لسداد مستحقات متأخرة للمقاولين، وستة مليارات جنيه لشراء كميات إضافية من القمح، وثلاثة مليارات جنيه لصندوق دعم الصادرات، ومليارين كقرض لهيئة الطيران المدني، وثلاثة مليارات جنيه لرصف الطرق الداخلية في المحافظات.
وها هو وزير المالية يصرح مؤخرا بأنه تم تخصيص 200 مليار جنيه لمواجهة الموجة الثانية لفروس كورونا، وأنه سيتم تدبير المبالغ من احتياطيات الموازنة، رغم أن قيمة الاحتياطيات في الموازنة تبلغ 109 مليارات جنيه فقط!
توقعات بخفض مخصصات الدعم والاستثمارات
وكانت نتائج الحساب الختامي لموازنة 2019/2020 قد أشارت الى نقص الإيرادات بنحو 199 مليار جنيه عن الربط المعدل لها، منها 117 مليار جنيه نقصا في حصيلة الضرائب و78 مليار جنيه نقصا في الإيرادات غير الضريبية وأربعة مليارات جنيه نقصا في المنح.
ولهذا فقد انخفضت المصروفات بنحو 190 مليار جنيه عن الربط المعدل لها، منها 101 مليار جنيه نقصا بمخصصات الدعم، و53 مليار جنيه نقصا بمخصصات الاستثمارات الحكومية، و18 مليار جنيه نقصا في الأجور، و10 مليارات جنيه نقصا في شراء السلع والخدمات وثمانية مليارات جنيه انخفاضا للمصروفات الأخرى.
واستمر نقص الإيرادات في الموازنة الحكومية عن الأرقام المستهدف لها خلال الشهور الأربعة الأولى من العام المالي الحالي، بنحو 142.5 مليار جنيه، منها 108 مليارات جنيه نقصا بالضرائب و34 مليار بالإيرادات غير الضريبية، الأمر الذي أدى الى نقص المصروفات بنحو 116 مليار جنيه، منها 39 مليار جنيه انخفاضا بالدعم، و39 مليار جنيه انخفاضا بمخصصات الاستثمارات الحكومية، و18 مليار جنيه في شراء السلع والخدمات، و12 مليار جنيه في الفوائد، ومليارا جنيه بالأجور، وستة مليار جنيه انخفاضا في المصروفات الأخرى، في حين زادت مدفوعات أقساط الدين الحكومي بنحو 23 مليار جنيه خلال الشهور الأربعة عن المستهدف لها.
ولهذا نتوقع خلال باقي شهور العام المالي الاستمرار في أشكال الجباية المختلفة لتحقيق إيرادات من رفع أسعار الرسوم المختلفة في الجهات الحكومية، وتركيز إنفاق الموازنة على سداد فوائد وأقساط الدين العام الحكومي الداخلي والخارجي، حتى تستطيع الاستمرار في الاقتراض، والوفاء بأجور العاملين في الحكومة حفاظا على ولائهم، وبالمصروفات الأخرى التي تتجه أساسا لأغراض الدفاع، بينما سيقل الإنفاق على الدعم سواء للغذاء أو للوقود رغم تضرر الشرائح الفقيرة من تداعيات كورونا، مع انخفاض الإنفاق على الاستثمارات الحكومية التي تتجه للبنية الأساسية والتعليم والصحة، مما يؤجل تحسين مستوى الخدمات للمواطنين خاصة في الأقاليم.