1- اتحاد
الشغل يستعيد المبادرة
لا يختلف متابعو الوضع العام ببلادنا في كون المرحلة
صعبة اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، فبعد عشرة أعوام من استشهاد البوعزيزي، ما زالت
الأوضاع الاقتصادية ترواح مكانها، وما زالت الجهات المحرومة تطالب بالتنمية
وبنصيبها في الثروة، وما زالت الاحتجاجات تندلع في أكثر من مكان متخذة أساليب
متفاوتة في الحدة والحماسة.
لم تستقر حكومة بما يكفي من الزمن لتحقيق إنجازات
اقتصادية وتنموية ملحوظة، منذ حكومتي الترويكا ثم بقية الحكومات في عهدي الباجي
وقيس سعيد.
الناس لا يعنيهم - في الغالب - من المسؤول عن صعوبة
عيشهم، وإنما يعنيهم أن عيشهم صعبٌ وأن حاجاتهم تزداد إلحاحا في ظل ثقافة
استهلاكية جامحة.
الناس لا يعنيهم - في الغالب - من المسؤول عن صعوبة عيشهم، وإنما يعنيهم أن عيشهم صعبٌ وأن حاجاتهم تزداد إلحاحا في ظل ثقافة استهلاكية جامحة
الاتحاد العام
التونسي للشغل الذي قاد مع منظمات
وطنية أخرى حوارا وطنيا ناجحا بعد اغتيال بلعيد والبراهمي، يريد اليوم استعادة
دوره فيطرح مبادرة للحوار الوطني، مستندا إلى مبررات اقتصادية وأمنية.
هل يريد قادة
اتحاد الشغل إعادة تكييف المشهد السياسي
للتقليل من "حجم" طرف سياسي؟ هل يريدون إقصاء طرف سياسي آخر؟ هل يريدون
استعادة حضور من أخرجتهم الصناديق ذات انتخابات؟ أم هل أن قادة الاتحاد فعلا
يحملون همّاً وطنيا ويشعرون بأوضاع الناس الصعبة، ويستشعرون مخاطر الإرهاب والفساد
والتهريب والعنف والجريمة، ويدركون أن البلاد تحتاج استقرارا سياسيا كي تتفرغ
لتحسس "جسمها" ومعالجة مواضع أعطابها؟
2- تردد رئيس
الجمهورية تجاه المبادرة
رئيس المنظمة عرض مبادرته على رئيس الجمهورية وانتظر
تفاعله الإيجابي معها. الأمين العام المساعد السيد سمير الشفي صرح لصحيفة الشروق
يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي بأنه يُنتظر أن يُعلن رئيس الجمهورية بداية تفعيل
المبادرة، غير أن ذلك لم يحصل. صفحة الاتحاد نشرت مقالا مطولا فيه
"هجوم" على رئيس الجمهورية وسخرية من تهديداته المعهودة لأطراف مجهولة،
وفيه أيضا استغراب من صمت الرئيس عن
جهات يتهمها ولا يتصرف بما يخوله له الدستور،
وهو رئيس دولة ورئيس مجلس الأمن القومي.
"هجوم" على رئيس الجمهورية وسخرية من تهديداته المعهودة لأطراف مجهولة، وفيه أيضا استغراب من صمت الرئيس عن جهات يتهمها ولا يتصرف بما يخوله له الدستور
السيد نور الدين الطبوبي
نقل نص المبادرة إلى رئيس
البرلمان السيد راشد الغنوشي ، كما سلم منها نسخة لأكثر من طرف، مثل زعيم حزب
العمال حمة الهمامي وكذلك نسخة لرابطة حقوق الإنسان وحتى لمحمد الناصر، رئيس
البرلمان السابق. وكان الغنوشي صرح في قناة حنبعل يوم 11 كانون الأول/ ديسمبر الماضي
بكون البلاد بحاجة إلى حوار وطني اجتماعي اقتصادي لمعالجة المصاعب التي يعيشها
التونسيون.
صفحة الاتحاد طرحت يوم 24 كانون الأول/ ديسمبر الماضي
السؤال التالي: "من يسعى لإحباط مبادرة الاتحاد"؟ وتساءلت إن كان ثمة من
يريد التشويش على المبادرة بادعاء استبدال الاتحاد وجهته من رئاسة الجمهورية إلى
رئاسة البرلمان، وقد أكدت قيادة الاتحاد كون رئيس البرلمان هو من طلب تزويده بنسخة
من المبادرة فتمت الاستجابة له.
3- الحوار
الوطني وتنسيقيات قيس سعد
هل نجح اتحاد الشغل في إحراج رئيس الجمهورية ودفعه
إلى القبول بالمبادرة؟
نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة
الجمهورية يوم 30 كانون الأول/ ديسمبر 2020 الخبر التالي: "
استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد اليوم الأربعاء 30 ديسمبر 2020 بقصر قرطاج
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل السيد نور الدين الطبوبي. وتناول اللقاء
مبادرة الاتحاد التي قدمها لرئيس الدولة الداعية إلى إجراء حوار وطني لإيجاد حلول
سياسية واقتصادية واجتماعية للوضع الراهن في بلادنا. وقد أعلن رئيس الجمهورية خلال
هذا اللقاء قبوله إجراء حوار لتصحيح مسار الثورة التي تم الانحراف بها عن مسارها
الحقيقي الذي حدده الشعب منذ عشر سنوات ألا وهو الشغل والحرية والكرامة الوطنية. وأكد رئيس الدولة على وجوب تشريك ممثلين عن الشباب من كل جهات الجمهورية في
هذا الحوار وفق معايير يتم تحديدها لاحقا. كما تم الاتفاق على عقد جلسة عمل في
غضون الأيام القليلة القادمة لتناول تفاصيل هذا الحوار".
أي شباب يقصدهم الرئيس قيس سعيد كشريك أساسي في
الحوار الوطني؟ بعض المراقبين يرون أنه يقصد "شباب التنسيقيات في
الجهات" أو ما يُطلق عليها بـ"تنسيقيات قيس سعيد"، بالنظر إلى كونه
ليس له حزب سياسي وإنما هو مرشح "أشواق الثورة"، إذ انتخبته - في الدورة
الثانية - مختلف الأحزاب والنخب المؤمنة بمسار الثورة.
قد تحصل "مشكلة" في تحديد هويات الشباب
العني بالحوار الوطني، هل يكون الشباب الطلابي؟ الشباب المنتمي إلى الأحزاب؟ شباب
الجهات المعطل عن العمل؟ شباب تنسيقيات قيس سعيد؟ كيف يتم اختيار العناصر الشبابية
التي ستُدعى للحوار؟ من يحدد معايير الاختيار؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير قد تمثل صاعقا لتفجير
المبادرة قبل انطلاق الحوار.
4- الحوار
ضرورة وطنية ملحة
البلاد فعلا بحاجة إلى مبادرة حوار وطني، وقد اعتبر
رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني أن الحوار الذي نحتاجه هو حوار
اقتصادي اجتماعي وليس حوارا سياسيا.
أغلب المتابعين يعتبرون أن الخصومات السياسية هي سبب
الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية، فانشغال السياسيين بالمعارك الأيديولوجية
يجعل البلاد مفتوحة لكل اختراق، سواء كان اختراقا خارجيا يستثمر في الخلافات ويريد
التسلل منها للتأثير في المسار السياسي، أو اختراقا داخليا عن طريق
لوبيات الفساد
والتهريب؛ التي لا تعني أصحابَها إلا مصالحهم المادية حتى وإن كانت الكُلفة حياة
الناس وأمنهم وسيادتهم الوطنية، تماما كما حصل أخيرا في
جريمة النفايات.
أغلب المتابعين يعتبرون أن الخصومات السياسية هي سبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية، فانشغال السياسيين بالمعارك الأيديولوجية يجعل البلاد مفتوحة لكل اختراق
رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي - ومن أمام مقر
فرع تونس للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين حيث يعتصم بعض أتباعها - علقت على
مبادرة الاتحاد واعتبرتها متجانسة مع رؤيتها هي، إلا في نقطة واحدة، وهي إشراك
حركة النهضة في الحوار الوطني.
وبقطع النظر عن موقف الحركة من حزب عبير، فإن خطاب
الإقصاء ليس خطابا مدنيا ولا ينسجم مع المسار الديمقراطي الذي قبل الجميع
بالاحتكام إلى آلياته وهي الصناديق الانتخابية.
خطاب الإقصاء لا يُنتج إلى إلا خطابا مقابلا له
يعادله في القوة أو يتجاوزه، وهو مدخل للعنف، فالذين تسكنهم لوثة الإقصاء لن
يترددوا في استعمال الوسائل "الأنجع" في تحقيقه، سواء كانت وسائل إعلامية
خطابية واحتجاجية، أو كانت وسائل مادية تختلف أدواتها وتتفاوت حدتها بحسب ما
تقتضيه الحالة والمرحلة.
من قبلوا بالاحتكام إلى الصناديق الانتخابية عليهم
القبول بنتائجها، ومن قبلوا بمنافسة أي طرف عليهم القبول به طرفا في المشهد وفي
ميدان اللعبة.
twitter.com/bahriarfaoui1