هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر الصحفي المصري خالد دياب، مقالا في صحيفة "هآرتس" العبرية، يتحدث فيه عن الواقع المصري، ويصفه بعد مرور عشر سنوات على الثورة.
وقال المقال الذي ترجمه المعهد المصري للدراسات، إن
المصريين اكتشفوا في اللحظة التي تمت فيها الإطاحة بمبارك، أن كل ما كان يتم
تلقينه لهم عن لامبالاتهم وخنوعهم، كان مجرد أسطورة، وذلك قبل أن تأتي بعد ذلك
الثورة المضادة الوحشية.
وأشار إلى أنه قبل عقد من الزمان، أشعلت شرارة أمل،
كانت قد اندلعت في تونس، حريقا سياسيا هائلا اجتاح الشرق الأوسط، والتهم الحرس
القديم بألسنة اللهب التي تطايرت منه. وسقط العديد من الحكام المستبدين في العالم
العربي، واحدا تلو الآخر: زين العابدين بن علي في تونس، وعلي عبد الله صالح في
اليمن، ومعمر القذافي في ليبيا.
وتابع: "ثم تعلقت كل أنظار العالم على مصر، حيث
نزل الملايين إلى الشوارع، ليس فقط للإطاحة بديكتاتور، ولكن أيضا للمطالبة بالعيش والحرية
والعدالة الاجتماعية، في لحظة مجيدة بدا فيها التاريخ وكأنه يتسارع ويتباطأ في آن واحد".
اقرأ أيضا: هآرتس: بعد عقد من الربيع العربي.. الثورة مستمرة
وأكد المقال أن "يوم الإطاحة بحسني مبارك، شكّل
أعظم حدث، وأثار النشوة والغبطة الجماعية في مصر في التاريخ الحديث. في تلك اللحظة السعيدة،
اكتشف المصريون أن كل ما كان يتم تلقينه لهم عن لامبالاتهم وخنوعهم كان مجرد أسطورة،
وأنهم يمتلكون الإرادة الجماعية والإقدام لكي يتحركوا ويزيلوا حتى الجبال".
وتاليا نص المقال كاملا
في تلك اللحظة السعيدة، التي تمت فيها الإطاحة بمبارك،
اكتشف المصريون أن كل ما كان يتم تلقينه لهم عن لامبالاتهم وخنوعهم كان مجرد أسطورة،
وذلك قبل أن تأتي بعد ذلك الثورة المضادة الوحشية.
فقبل عقد من الزمان، أشعلت شرارة أمل، كانت قد اندلعت
في تونس، حريقاً سياسياً هائلاً اجتاح الشرق الأوسط، والتهم الحرس القديم بألسنة اللهب
التي تطايرت منه. حيث سقط العديد من الحكام المستبدين في العالم العربي واحداً تلو
الآخر: زين العابدين بن علي في تونس، وعلي عبد الله صالح في اليمن، ومعمر القذافي في
ليبيا.
ثم تعلقت كل أنظار العالم على مصر، حيث نزل الملايين
إلى الشوارع، ليس فقط للإطاحة بديكتاتور ولكن أيضاً للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة
الاجتماعية، في لحظة مجيدة بدا فيها التاريخ وكأنه يتسارع ويتباطأ في آن واحد.
شكّل يوم الإطاحة بحسني مبارك أعظم حدث أثار النشوة والغبطة
الجماعية في مصر في التاريخ الحديث. في تلك اللحظة السعيدة، اكتشف المصريون أن كل ما
كان يتم تلقينه لهم عن لامبالاتهم وخنوعهم كان مجرد أسطورة، وأنهم يمتلكون الإرادة
الجماعية والإقدام لكي يتحركوا ويزيلوا حتى الجبال.
ولكن للأسف بعد مرور عِقد من الزمان، يبدو الأمر –على
الأقل للوهلة الأولى– وكأن كل شيء قد ذهب أدراج الرياح. فنادراً ما تجد الكثير من الناس
يقدّمون الكثير من التضحيات مقابل الحصول على النزر القليل. فإلى حد كبير، تحول الحال
في مصر بنسبة قد تفوق المائة في المائة على مدى السنوات العشر الماضية، حيث حلّ طاغية
بكل ما تعنيه الكلمة مكان ديكتاتور شبه سلطوي.
ومنذ استيلائه على السلطة في عام 2013، جعل عبد الفتاح
السيسي همّه الأكبر هو اجتثاث الثورة من جذورها وجعل شعبه يندم على أمنيات الحرية التي
حلموا بها يوماً ما.
اقرأ أيضا: مصر.. 60 مليون جنيه لإنارة ميدان التحرير أم طمس ذكرى يناير؟
وفي خضم سعيه لاستعادة السيطرة على كل شيء، أظهر المدير
السابق للمخابرات الحربية القليل من الذكاء أو التطور لتحقيق ذلك. فعوضاً عن ذلك، فضّل
الجنرال استخدام القوة المفرطة والعنف، بما في ذلك قتل أكثر من 1000 مواطن في يوم واحد
(مذبحة رابعة). واعتقل نظام السيسي وسجن أو أخفى آلافاً لا حصر لها من النشطاء والمعارضين
والثوار والصحفيين من جميع الأطياف السياسية، مما جعل السجون المصرية أكثر مؤسساته
ديمقراطية!!
فأولئك الذين سعوا ذات مرة لتحقيق حلم الحرية في ميدان
التحرير وغيرها من الميادين في طول البلاد وعرضها، هم الآن إمّا خلف القضبان، أو أنهم
قاموا بطي أحلامهم المحطمة بالحرية ويسعون فقط إلى لملمة حياتهم المحطمة إما في المنفى
خارج البلاد أو في المنفى الميتافيزيقي من العزلة المدمرة.
وبالنسبة لمصري مغترب مثلي، فمن الصعب عليّ مشاهدة ما
يجري في مصر وعدم الشعور بالحزن، إن لم يكن الشعور بالعجز والذنب.
نعم حزين، بسبب الحياة المحطَّمة للملايين والفرصة الضائعة
لتحويل بلد به الكثير من الإمكانات إلى مكان يمكن أن يخدم مواطنيه بدلاً من استعبادهم.
نعم عاجز، لأنه لا يوجد ما يمكنني أنا أو آخرون فعله
سوى التعبير عن معارضتنا للسلوك الوحشي لنظام السيسي وغضبنا من الدول التي تقوم بتسليح
وتمكين ودعم هذا المشروع الإجرامي.
نعم مذنب، لأن الأشخاص الذين أحترمهم، بمن فيهم أصدقائي، مستمرون في الوقوف على خط النار بينما أنا أراقب الوضع عن بُعد من مكان آمن.
أدى النجاح منقطع النظير للثورة المضادة في سحق الثورة
المصرية إلى عودة الكثيرين إلى الفكرة القديمة التي تقول بأن الديمقراطية لا تعمل في
مصر أو في المنطقة بالمعنى الأوسع. لكن تونس هي الاستثناء الذي يتحدى جميع الأعراف
والذي يثبت أن الحكم الاستبدادي لا يجب أن يكون هو القاعدة السائدة في العالم العربي.
اقرأ أيضا: شخصيات مصرية تؤسس حزبا معارضا في الخارج
ومع ذلك، فليس الناس في مصر، أو في كثير من دول المنطقة،
هم الذين لا يفهمون الديمقراطية، ولكن قادة هذه البلاد هم الذين يرفضون قبولها. ففي
مواجهة جيش مدجج بالسلاح يرفض الانسحاب من الحياة السياسية، ومواجهة فراغ في القيادة
نتج عن عقود من القمع، لم تَلُح لمن يرغبون في الحرية والكرامة أي فرصة في الأفق –
على الأقل في الوقت الحالي.
إن الفكرة التي يتم ترويجها داخل مصر وخارجها بأن المصريين
لا يفهمون إلا لغة القمع ويحتاجون إلى “فرعون” ليحكمهم هي في الحقيقة فكرة غير دقيقة
بقدر ما هي في نفس الوقت إهانة للشعب المصري. فمن يروجون ذلك يرتكبون خطأً فادحاً في
فهم اللحظة والتاريخ.
وعلى الرغم من كون السيسي حاكما مستبدا، إلا أن سلطته في
البلاد قد لا تكون كبيرة بشكل ملحوظ؛ بل إن اعتماد نظامه على ممارسة العنف الشديد ضد
الشعب هو في الواقع علامة ضعف وليس علامة قوة. وبالتالي، فالسيسي هو إلى حدّ كبير حاكم
لا شعبية له، أكثر من كونه “فرعونا”.
إذا كان المصريون حقاً يقبلون الحكم الأوتوقراطي أو يخنعون
له، فما حاجة السيسي إذن إلى مثل هذا العرض من القوة الهائلة للسيطرة على البلاد؟ إذا
كان ذلك صحيحاً، لانزوى الناس في هدوء بدلاً من القيام بمقاومة حماسية كلفتهم الكثير.
والمصريون ليسوا إلى حد بعيد الأكثر توقيراً للسلطة ومن
يمثلونها على مستوى المنطقة أو حتى العالم؛ وهناك الكثير من القادة الذين يتصرفون كالفراعنة
أكثر من الرؤساء الذين تواردوا على حكم مصر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستبداد، للأسف،
متجذر بشكل مقلق في بعض الديمقراطيات الراسخة.
على الرغم من أن الأفكار والتطلعات التي أيقظتها الثورة
المصرية قد تلقت ضربات موجعة، إلا أنها لا تزال حية، بل هي الآن تستقطب شريحة من
الشعب أكبر مما كانت عليه عندما وصل السيسي إلى السلطة. حتى إن العديد من أنصار السيسي
لم يعودوا يعتبرونه بطلاً أو منقذاً لهم. وعليه، على الرغم من الهزيمة السياسية للثورة
في الوقت الحالي، إلا أن الثورة الاجتماعية تسير على قدم وساق.
ومع ذلك، فلا توجد حالياً أي مساحة في المشهد السياسي
لأي تغيير إيجابي محتمل. فلعدم إحساسه بالأمان لبقائه على عرشه، لا يتسامح السيسي مع
أي معارضة فحسب، بل إنه يشعر بالرعب أيضاً من أي تحدٍ محتمل لسلطته. وأوضح مثال على
ذلك هو ما قام به من ترهيب وسجن كل من فكّر في الترشح للرئاسة في “الانتخابات” السابقة،
والتي “فاز” بها على نحو ما هو متوقع بالطبع بنسبة 97% من الأصوات!!
هذا أمر مقلق للغاية بالنسبة لما قد يحمله المستقبل.
فعلى الرغم من أن مصر لم تصل إلى الحد الذي وصلت إليه سوريا أو ليبيا، فإن هذا الأمر
المشؤوم ليس أيضاً مستبعداً. فكلما زاد السيسي من وتيرة العنف والقمع، كلما زاد احتمال
قيام النظام بإشعال صراع واسع النطاق في البلاد.
ورغم أن الدولة المصرية لم تفشل بالكامل بعد، إلا أنها
بالتأكيد على طريق الفشل. فنظراً لانشغالها في ضمان إثراء الجيش، فإنها تفشل باستمرار
في تقديم الخدمات التي يتوقعها المواطنون من حكومتهم. وفي الواقع، أصبح وجود الدولة
بالنسبة لغالبية المواطنين تقريباً متجسداً في ممارسة القمع عليهم.
وبدون حدوث تغيير حقيقي في مصر قريباً، فستدخل البلاد
في نفق مظلم.. المهم أنه بعد مرور عشر سنوات على الربيع العربي، لم تنجح محاولات حاكم
مصر لسحق المعارضة في القضاء على الأفكار التي أيقظتها الثورة المصرية.