برغم التوقعات بعدم التوافق، اتفق أعضاء ملتقى
الحوار السياسي بتونس على اعتماد الآلية التي اقترحتها اللجنة الاستشارية لاختيار أعضاء السلطة التنفيذية، وجاء التوافق بنسبة مرتفعة نسبيا، وهي 73%، وأمام أعضاء الملتقى تحدي إسقاط هذه المعايير على المرشحين لشغل المناصب الأربع، رئيس المجلس الرئاسي ونائبيه، ورئيس الحكومة.
إلى بوزنيقة
ويأتي لقاء ممثلي البرلمان بطبرق وممثلي المجلس الأعلى للدولة ببوزنيقة في ترتيب ذكي للبعثة الأممية، ذلك أن التوافق على من سيشغل رئاسة المؤسسات السيادية وهي: ديوان المحاسبة، والمصرف المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، والمؤسسة الليبية للاستثمار، والرقابة الإدارية، والنائب العام، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس المفوضية العليا للانتخابات، سيعزز من فرص الاتفاق على أعضاء السلطة التنفيذية، والعكس هو الصحيح.
التحدي بخصوص المناصب السيادية سيكون حول منصب محافظ المصرف المركزي، خزينة الدولة، وأتوقع أن يتجه اختيار المفاوضين إلى الفصل بين هرم السلطة التنفيذية وبين محافظ المصرف المركزي، بمعنى أن لا يكون المحافظ مواليا لأحد طرفي النزاع، ذلك أن اجتماع القرار السياسي والمالي في قبضة واحدة يعني استمرارا للأزمة وإطالة عمرها.
العودة إلى تونس
بالعودة إلى اختيار السلطة التنفيذية، فبحسب الآلية التي تم اعتمادها سيتم ترشيح من سيشغلون منصب رئيس المجلس الرئاسي ونائبه، من قبل المجامع الانتخابية، وفي حال لم يتم التوافق على الترشيحات يصار إلى اختيار القوائم التي تشتمل على أربع مرشحين لشغل رئاسة الرئاسي والنائبين ورئيس الحكومة، لتفوز إحدى القوائم إما في الجولة الأولى بحصولها على نسبة 60% من مجموع أعضاء الملتقى، أو 50+1 إذا تم الذهاب إلى جولة ثانية.
والسؤال هنا: هل يعبر توافق أعضاء الملتقى سواء ما وقع بخصوص آلية اختيار أعضاء السلطة التنفيذية، أو حتى الاتفاق على المرشحين أنفسهم، عن اتفاق أطراف النزاع الرئيسيين في الشرق والغرب، أم إن أعضاء ملتقى الحوار، خاصة مجموعة الشرق، يمثلون أنفسهم ولا يعكسون رغبة وتوجه القيادة السياسية والعسكرية ضمن جبهتهم؟
وللإجابة على السؤال أقول إن حفتر وعقيلة صالح ليسوا مغيبين عما يجري، إلا أنهما يفقدان زمام المبادرة الكاملة بسبب الضغوط من الخارج، وفي حال استمرت الضغوط خاصة بعد الإدارة الجديدة في البيت الأبيض فإن التوافق على مرشحي السلطة التنفيذية يمكن أن يقع بسلاسة، ويمكن أن يعمل المجلس الجديد ورئاسة الحكومة بدرجة من التفاهم ويصلان بالبلاد إلى الانتخابات المتفق عليها في ديسمبر القادم.
بالمقابل لا يمكن استبعاد وجود درجة من الاستقلالية لدى أعضاء الملتقى، خاصة مجموعة الشرق، وأن حفتر في انتظار النتائج ليرى كيف تخدم طموحه، مع التذكير أن حفتر مسعر حروب ولا يبدي اهتماما كبيرا بما يجري في أروقة
السياسة انتظارا منه لـ "ساعة "صفر" جديدة للانقضاض على السلطة بالقوة.
ومن هنا يمكن القول إن الرضوخ للضغوط لا يعني التسليم بأي تركيبة للسلطة التنفيذية، كما أن التدافع والمواقف المتصلبة لقواعد الغرب والشرق قد ينعكس في شكل مجلس رئاسي بلا موقف سياسي، ويفتقر للإرادة اللازمة لإدارة المرحلة بالشكل المطلوب.
ميزة هذا السيناريو أنه سيجعل البلوغ إلى الانتخابات ممكنا وخيارا يتجه إليه الجميع، أما خيار التركيبة المتوازنة التي تضم شخصيات معروفة (عقيلة صالح رئيس المجلس، فتح باشاغا رئيس الحكومة) فإنه من المحتمل جدا أن يؤول إلى سلطة منقسمة على نفسها في وضعية شبيهة بالمجلس الرئاسي بعد الصخيرات.
محركات خارجية
لكي يتحقق توافق شامل ويكون فعالا ينبغي أن تتحرر السلطة التنفيذية الجديدة من أي ضغوط خارجية، وهذا ممكن في حالة واحدة وهي نزول الولايات المتحدة بثقلها وترتيب التناقضات الإقليمية والدولية المتداخلة في الأزمة الليبية.
هذا يعني توقف مصر والامارات وغيرهما تماما عن دعم حفتر، وتجريد تركيا مما حققته بدعمها لحكومة الوفاق بإلغاء الاتفاقية الأمنية العسكرية أو تجميدها مؤقتا وإخراج قواتها من الغرب، واحتواء روسيا وإخراج مرتزقتها من الوسط والجنوب، وهي أمور ممكنة لكنها ليست سهلة، وتتطلب جهدا أمريكيا أوروبيا كبيرين.