هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتب والناشط الحقوقي عبد
الرحمن منصور، قال فيه إن لا أحد بأمان في مصر.
ففي مواجهة أزمات لا تعد ولا تحصى في الداخل والخارج، سعى عبد الفتاح
السيسي إلى تعزيز قبضته الأحادية أصلا، على السلطة من خلال حملة تشهير واسعة النطاق
تهدف إلى تشويه سمعة معارضي نظامه بأنهم "إرهابيون" و"خونة".
ووضع نظام السيسي، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، 28 من المدافعين عن
حقوق الإنسان -بعضهم كانوا أصلا سجناء سياسيين- على قائمة الإرهاب. لقد انضموا إلى
مئات الأشخاص العلمانيين والإسلاميين، الذين تم تصنيفهم على أنهم أعداء للدولة.
وهذا أكثر من مجرد تشويه خطابي، حيث يواجه أولئك المدرجون على قائمة
المراقبة عواقب وخيمة: حظر سفر تفرضه المحكمة، وتجميد الأصول، وعدم الأهلية لتولي مناصب
عامة على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ومن بين الذين أضيفوا إلى قائمة المراقبة، الناشط البارز علاء عبد الفتاح،
والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح.
كلاهما ليس إرهابيا فعليا، ولا أي من الأسماء الجديدة الأخرى المضافة
إلى القائمة، والتي تستخدمها الحكومة فقط لتعزيز دولتها البوليسية. نتيجة لذلك، تستمر
ما تسمى قوائم الإرهاب بالتوسع -وتجتاح أشخاصا من مختلف التوجهات السياسية- وتخلت
عن كل مصداقية في العملية.
ولكن، إلى جانب عدم وجود معنى لقائمة المستهدفين لنظام السيسي، يقول
الكاتب: "أعلم أن عبد الفتاح وأبو الفتوح ليسا إرهابيين لأنني التقيت بهما بعد
ثورة مصر عام 2011. في ذلك الوقت، كان عبد الفتاح ناشطا شابا ومبرمج كمبيوتر يركز في
الغالب على ترويج تكنولوجيا المصادر المفتوحة. كان يعمل في شركة مقرها جنوب أفريقيا
حتى اندلاع الثورة، عندما قرر ترك وظيفته والعودة إلى مصر".
أما "أبو الفتوح، فهو سياسي وإسلامي سابق، فاز بالمركز الرابع في
الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2012، وهي أول انتخابات حرة ونزيهة في مصر.
اشتهر أبو الفتوح في مصر منذ السبعينيات، عندما ترك الجماعة الإسلامية الأصولية علانية،
حيث كانت الجماعة تعتقد أن الديمقراطية محرمة في المجتمعات الإسلامية، وحرضت على العنف
الطائفي ضد المسيحيين الأقباط في ريف مصر، قبل أن تقوم باغتيال الرئيس أنور السادات
في عام 1981. وأدى خروج أبو الفتوح من الجماعة الإسلامية إلى انقسام كبير استقطب الآلاف
من الشباب لصالح العمل السياسي السلمي. انضم أبو الفتوح نفسه إلى جماعة الإخوان المسلمين
وصعد إلى قمة هرم التنظيم".
ويُعرف أبو الفتوح بسعيه إلى التسوية والإجماع السياسي -وهو الأمر الذي
قد يسخر منه خصومه السياسيون- وقد دعا إلى المصالحة بين الإخوان المسلمين والنظام العسكري
الحاكم. ليس من المستغرب إذن أن يعتبره السيسي -المتعصب للعسكر- تهديدا.
لكن قمع الدولة لا يستهدف المعارضين السياسيين فقط. ففي عهد السيسي،
حتى المدافعين عن حقوق الإنسان يواجهون حملة أمنية مشددة لمجرد قيامهم بوظائفهم. لسوء
حظهم، يعمل المدافعون عن حقوق الإنسان في بلد لا يتم فيه الدفاع عن حقوق الإنسان بكل
تأكيد.
ويقدر عدد السجناء السياسيين في مصر بعشرات الآلاف، من إسلاميين وليبراليين
ويساريين، وأشخاص ليس لديهم انتماء سياسي محدد، وناشطين علمانيين وأكاديميين ومحامين، وحتى الفتيات والنساء اللائي ينشرن مقاطع فيديو لأنفسهن يرقصن على تيك- توك، كلهم يجدون
أنفسهم في السجن. وإذا كنت من المدافعين عن حقوق الإنسان، فإن لفت الانتباه إلى هذه
القضايا يمكن أن يوقعك أيضا في مصيبة.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تم اعتقال ثلاثة أعضاء بارزين في المبادرة
المصرية للحقوق الشخصية -وهي واحدة من آخر المنظمات الحقوقية المتبقية في مصر- فجأة
بعد أسبوعين فقط من استضافة دبلوماسيين أوروبيين وكنديين لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان
في البلاد. لا توجد أسباب مباشرة أخرى يمكن تمييزها لاحتجازهم.
تعرض المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية جاسر عبد الرزاق
وزميلاه كريم النارة ومحمد بشير للاختفاء القسري ابتداء، ثم تم وضعهم لاحقا في الحبس
الانفرادي، وحُرموا من حقوقهم الأساسية طوال ذلك الوقت. لقد تم انتزاعهم من منازلهم
-في إحدى الحالات، من إجازة على شاطئ البحر- تماما كما تم اعتقال آلاف المصريين الآخرين
من جميع مناحي الحياة في حملة السيسي المتصاعدة على مدى السنوات السبع الماضية.
على الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة، والمطالبات بالإفراج عن هؤلاء
السجناء، إلا أن نظام السيسي تمسك بخطته القديمة في الدفاع عن الاعتقالات. واتُهم المعتقلون
في البداية بـ"الانتماء إلى جماعة إرهابية"، و"نشر أنباء كاذبة"، قبل إطلاق سراحهم بعد أسبوعين.
لكن محكمة الإرهاب مع ذلك أمرت بتجميد الأصول الشخصية والممتلكات لأعضاء
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومنعت محاميهم من الاطلاع على لائحة الاتهام أو تقديم
دفاع أمام المحكمة.
وتوجه الحكومة المصرية إلى جميع المتهمين السياسيين تقريبا تهم الإرهاب،
بغض النظر عن انتمائهم أو هويتهم. فهناك أقلية فقط ممن يواجهون تهما تتعلق بالإرهاب
متورطون بالفعل في الإرهاب، بينما الغالبية هم من الناشطين الذين يسعون إلى المقاومة
السلمية ضد الحكومة التي يديرها الجيش، لكن نظام السيسي لا يتسامح مع المعارضة.
باتريك جورج زكي، الباحث في مجال حقوق الجنس (المساواة بين الجنسين)
في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية -ضحية حملة سابقة- مسجون منذ شباط/ فبراير
2020، وجددت محكمة الإرهاب حبسه في 6 كانون الثاني/ ديسمبر، عندما أصدر قاض قرارا كاسحا
بتجديد اعتقال أكثر من 750 من السجناء السياسيين في جلسة ماراثونية استمرت 12 ساعة.
ومن بين مئات القضايا التي تم النظر فيها، اختار القاضي إعفاء فرد واحد فقط من السجن
الإضافي.
منذ 18 عاما، كانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في طليعة العمل
الحقوقي في مصر. وفي حين أن معظم المنظمات غير الحكومية المماثلة ركزت على توثيق انتهاكات
حقوق الإنسان والدفاع عن السجناء السياسيين فقط منذ أن تولى السيسي السلطة في انقلاب
عسكري في عام 2013، فإن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ظلت فيها على المدى الطويل.
تنخرط المنظمة أيضا في المناقشات السياسية الأكثر شيوعا، مثل تلك التي
تحيط بالتدابير الحكومية لمكافحة جائحة كوفيد-19 والعنف الطائفي. وتتعمق المبادرة المصرية
للحقوق الشخصية في الموضوعات التي تعتبر محظورة في مصر، بما في ذلك الحملة الأمنية
المستمرة على مجتمع المثليين، وزيادة استخدام عقوبة الإعدام.
ليست المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هي المنظمة الوحيدة التي يعمل
السيسي على إنهاء وجودها؛ ففي آب/ أغسطس 2020، حكمت السلطات على المدير والمؤسس المشارك
لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن، بالسجن 15 عاما؛ بتهمة نشر أخبار
كاذبة ومواد تحريضية ضد الدولة. تم إجبار مركز القاهرة، الذي تأسس في عام 1993، وهو
من أبرز منظمات حقوق الإنسان في مصر، على إغلاق مكاتبه في البلاد بعد حملة ضغوط لا
هوادة فيها من قبل الحكومة المصرية، والتي جمدت أمواله، من بين أمور أخرى (هي تكتيك
مفضل لنظام السيسي). كما صادرت الدولة أصول حسن الشخصية، وواجه تهديدات عديدة بالقتل
طوال فترة المحنة.
ولا تكتفي الحكومة المصرية باحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان أنفسهم،
بل إن عائلاتهم في خطر أيضا؛ ففي حزيران/ يونيو 2020، تعرض أقارب الناشط المصري الأمريكي
محمد سلطان للاعتقالات التعسفية، بعد أيام فقط من رفع سلطان دعوى قضائية أمام محكمة
أمريكية ضد حازم الببلاوي (رئيس الوزراء المصري من 2013 إلى 2014) بتهمة ارتكاب جرائم
ضد الإنسانية.
ظل خمسة من أفراد عائلة سلطان رهن الاعتقال لمدة 144 يوما حتى إطلاق
سراحهم في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر -وهو قرار تم توقيته ليتزامن مع الانتخابات الأمريكية
وما تلاها من فوز لجو بايدن على دونالد ترامب، الذي وصف السيسي بأنه "ديكتاتوره
المفضل".
بعث اعتقال أقارب سلطان برسالة قوية وخطيرة للعالم: نظام السيسي ليس
لديه مشكلة في أخذ رهائن لترهيب الناشطين، وإجبارهم على التخلي عن عملهم، وعلى الرغم
من أن قضيتهم اكتسبت شهرة دولية نادرة، فإن عائلة سلطان ليست وحدها.
بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية للمواطنين العاديين، تعمل الحكومة
المصرية الحالية يوما بعد يوم على إغلاق كل مساحات التعبير؛ فمنذ عام 2017، حظر نظام
السيسي العشرات من المنافذ الإخبارية المستقلة، واشترت أجهزة المخابرات ما تبقى، واكتسبت
السيطرة الكاملة على المشهد الإعلامي في البلاد.
اقرأ أيضا: بلومبيرغ: الربيع العربي أثبت ضعف الأنظمة الاستبدادية وخوفها
ويتساءل الكاتب: إلى متى سيستمر النظام في شن هذه الحرب ضد شعبه؟ وكم
من الوقت يمكنه أن يتحمل تكلفة ذلك؟
ويعلق: "يستطيع السيسي في الوقت الحاضر الاستفادة من موقع مصر
في الشرق الأوسط -وكذلك المخاوف العالمية من الاضطرابات السياسية في المنطقة- لترسيخ
دولته البوليسية. ومن شبه المؤكد أن تؤدي المزيد من الأزمات في الشرق الأوسط إلى اشتعال
أزمة لاجئين أخرى في أوروبا، التي يحرص قادة الاتحاد الأوروبي على تجنبها بأي ثمن
تقريبا؛ لذلك قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 10 كانون الأول/ ديسمبر2020 بمنح
السيسي وسام جوقة الشرف، وهو أعلى وسام في فرنسا، خلال الزيارة الرسمية التي قام بها
السيسي إلى باريس، وهي خطوة أدانها مجتمع حقوق الإنسان، ووصفها بأنها منافقة بوقاحة، خاصة من بلد ترفع لواء الحرية والمساواة".
ومن المفارقات أن سياسات السيسي قد تتسبب في حد ذاتها بإحداث مثل هذه
الاضطرابات السياسية. نظرا لأن الرئيس يمنع أي نشاط سياسي حقيقي، ويغلق المؤسسات الحقوقية،
ويقضي على المعارضين السياسيين، فإن الأصوات الوحيدة التي تم قمعها هي أصوات المعارضة
السلمية. وتلك الأصوات هي التي تمنح المصريين العاديين المحبطين الأمل في مستقبل ديمقراطي
تسود فيه العدالة وحكم القانون.
إن وصف الناشطين والمعارضين السياسيين بأنهم "إرهابيون" يشوه
محاولات الحكومة أن تؤخذ على محمل الجد في صراعها ضد التهديدات الحقيقية في منطقة لا
تزال مضطربة بشدة على الرغم من إظهار السيسي للقوة. وسيرفض المصريون العاديون الإجراءات
الأمنية للحكومة، وستتعامل أجهزة الأمن الدولية باستخفاف مع قوائم الإرهابيين التي
تنشرها القاهرة. إنها مسألة وقت فقط.
والرسالة التي يرسلها السيسي إلى المجتمع الدولي -وإلى حلفائه في واشنطن
وأوروبا- بسيطة: لا يوجد دور للمجتمع المدني في مصر. الصوت الوحيد الذي يجب يُسمَع
في البلاد هو صوت الرئيس وحكومته وأنصاره.
هذه الأصوات وحدها لا تكفي لحكم بلد مثل مصر. إذا أريد لمصر أن تتمتع
باستقرار حقيقي، فهي بحاجة ماسة إلى مشاركة من مجموعة متنوعة من وجهات النظر لتحديد
النهج والحلول لمشاكلها، حيث تواجه مصر عددا من الأزمات، الخارجية والداخلية، التي
تم وضعها جانبا من أجل قمع المعارضة.
كان سد النهضة الإثيوبي من أبرزها في الأشهر الأخيرة، وهو يشكل تهديدا
لحصة مصر من إمدادات مياه النيل، ناهيك عن انتشار جائحة كوفيد-19، والذي يعتبر النظام
الصحي في مصر غير مجهز لمكافحته.
إن الطريقة الوحيدة التي يمكن لحكومة السيسي الاستبدادية الحفاظ من
خلالها على الاستقرار في مصر هي العمل على تبني سياسات تدريجية تخفف من حدة التوتر
الاجتماعي والسياسي المتفاقم منذ 2013، عندما تولى السيسي السلطة.
ستكون البداية الجيدة هي إنهاء الاعتقال التعسفي والمضايقات التي يتعرض
لها المواطنون الذين شاركوا في ثورة 2011، والأمر بالإفراج الرحيم عن المسنين والمرضى
والسجناء غير العنيفين الذين يقضون عقوبات قصيرة بسبب جائحة فيروس كورونا، وإلغاء حجب
مواقع المؤسسات الإخبارية المستقلة، التي لم تتمكن من الوصول إلى جمهورها المصري منذ
ثلاث سنوات.
عبد الفتاح وأبو الفتوح وموظفو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وفتيات
ونساء يرقصن على تيك توك، وآلاف السجناء السياسيين الذين تركهم السيسي قابعين في السجن، تحت ستار محاربة عدم الاستقرار، هم الأشخاص الذين يمكنهم وينبغي عليهم قيادة التحول
الديمقراطي في مصر، وهم بحاجة إلى الدعم.
يجب على حلفاء السيسي في الولايات المتحدة وأوروبا استخدام نفوذهم لإرسال
رسالة واضحة إلى الحكومة المصرية، بأن سياساتها القمعية تهدد استقرار مصر على المدى
الطويل، وبشكل أكثر تحديدا، تزيد من خطر الإرهاب الحقيقي. إن الشعب المصري لا ينتظر
من الغرب أن يقدم لهم الديمقراطية. إنهم يريدون فقط فرصة لتحقيق ذلك بأنفسهم.
هذا ليس مطلبا بأن تستسلم الحكومة المصرية للضغوط الخارجية، بل دعوة
للقاهرة للتعاون مع تلك الدول التي تدعي أنها حليفة وأصدقاء في الخارج، حتى تتمكن من
أداء مهمتها الأكثر أهمية: العمل مع الشعب المصري، والاستماع إليه، حتى يتمكنوا من إنشاء
عملية سياسية تمثل الجميع.