يعيش أهل الحكم بمصر في قلق بعد خسارتهم لترامب وفوز جو
بايدن!
وهو قلق يمكن أن تلمسه في خطاب أذرعهم الإعلامية، والتي تعترف بوجود أزمة، وإن لم يلمسه المحبطون من الجناح الرافض للانقلاب، والذين أكلهم الاكتئاب فلم يستمروا - فقط - مجرد خيول مهزومة لا تصهل، ولكنهم أصبحوا - بالإضافة إلى هذا - منتجين للهزائم ومروجين لها، ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم لكن لا خير!
يوم السبت الماضي استضاف عمرو أديب اثنين من زملائه مقدمي البرامج، الأول هو معتز الدين عبد الفتاح، المذيع وأستاذ العلوم السياسية وما يستجد من أعمال، والثاني هو مصطفى بكري، المذيع والصحفي والنائب في البرلمان مع ما يستجد من أعمال أيضاً!
ومعتز فضلا عن أنه صاحب الخطاب المبكر بأن هناك تغيرا سيطرأ على الأداء مع تغير الإدارة الأمريكية في التعاطي مع الملف
المصري، في حين أن خطاب بكري يدور حول قدرة النظام المصري على مجابهة الأمريكان، والتصدي لبايدن، والتدخل في شؤونه الداخلية كما يتدخل في شؤوننا الداخلية. فمصر دولة عظيمة وكبيرة، وهو لديه ما يعزز هذه الرؤية من أن المجلس العسكري رفض تهديدات السفيرة الأمريكية الخاصة برفض الإدارة الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وتمت الإطاحة به رغم هذه التحذيرات على نحو كاشف بأن هذا يمكن أن يتكرر مع وجود البطل المقاوم!
وكان واضحاً أن المذيع ميال لوجهة نظر معتز عبد الفتاح الذي يرى ضرورة الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن معتز كان في هذا اللقاء يتحدث بربع لسان، ويدور حول ضرورة تطبيق الدستور المصري والالتزام به، لكنه بطبيعة الحال لا يستطيع أن يتجاوز إلى حد إعلان أن النظام العسكري الحاكم يخالف هذا الدستور!
الرئيس الدكر من جديد:
قد تفتح ملفات محرجة له، مثل تمويل حملة ترامب، وإذا كانت التحقيقات السابقة لم تتعامل مع ذلك بجدية، فإن فتح هذا الباب من شأنه أن يقلق النظام الانقلاب
والحقيقة أن خطاب "فتحة الصدر" والخيل والليل والبيداء تعرفني، وإن كان يصلح بدرجة أو بأخرى ليثبت فؤاد الدائرة المحيطة بالسيسي عن طريق إعادة انتاج خطاب "الرئيس الدكر"، إلا أنه لا يغني عن الحق شيئاً؛ والذي يتمثل في أن النظام العسكري سيتعرض لضغوط لا قبل له بها، وقد تفتح ملفات محرجة له، مثل تمويل حملة ترامب، وإذا كانت التحقيقات السابقة لم تتعامل مع ذلك بجدية، فإن فتح هذا الباب من شأنه أن يقلق النظام الانقلابي، فضلاً عن أن هذا الوافد الجديد للبيت الأبيض يأتي في وقت ستبدأ فيه المحكمة الأمريكية المختصة بمحاكمة رئيس وزراء الانقلاب حازم الببلاوي، والذي وإن كان قد نجح بالفرار بجلده من هناك، وأن الدعوى مدنية وليست جنائية، إلا أن المحاكمة ستكون لرأس السلطة في المقام الأول، فلم يكن سوى عبد المأمور!
كما أن هذا يأتي في وقت تقرر فيه تدويل قضية مقتل الباحث الإيطالي ريجيني، وانضم البرلمان الإيطالي للصحافة ولجهات التحقيق الإيطالية، لحصار الحكومة التي ربما لديها رغبة في قبول الدية غير محددة القيمة، والتي جعلتها على رأس الدول البائعة للسلاح لمصر في السنة الأخيرة. وتبدو الحكومة مع هذا الحصار لا تبذل أي جهد للدفاع عن حليفها!
لقد أعاد بكري إنتاج خطاب الأنظمة عندما يكون الحديث عن
حقوق الإنسان المصري في المطلق، فيكون الرد بأن العالم العربي له خصوصيته وأنه لا يوافق على النموذج الغربي في الحريات مثل الشذوذ الجنسي، مع أن أحداً لم يطرح قضية المثلية الجنسية. وقال عمرو أديب إنهم تقدموا بقائمة من المعتقلين، ولولا الحرج - وربما الخوف - لأكمل جملته التي كررها أكثر من مرة منقوصة، ولقال: وليس في هذه القائمة متهم واحد بالشذوذ الجنسي!
كيد الضرائر:
وتأتي أزمة
السيسي أنه لم يحصر انتقامه في جماعة الإخوان المسلمين، إذاً لصح القول إن المبرر للعصف بالحريات العامة هو أن مصر تواجه الإرهاب، فمن بين المعتقلين قيادات بأحزاب سياسية، وصحفيون، ونشطاء جريمتهم الكتابة على "فيسبوك"، ونساء لا يستطعن ضرباً في الأرض ولا قتالا، لكي يتم اتهامهن بالعمل على قلب نظام الحكم، وامتد غباء النظام إلى ارتكاب حماقات على قواعد المكايدة "وكيد الضرائر"، مثل منع صدور جواز السفر لعدد من المصريين في الخارج. وقطع على نفسه طريق المناورة، كأن ينفي تقديم أحد منهم طلب تجديد جواز سفره. فقد أصدر القضاء قرارا يسبغ الحماية على هذا الإجراء الذي ينال من أبسط الحقوق، والتي لم يقترب منها نظام بشار الأسد مع كل إجرامه، فلم يحدث أن تعنت ولو مع المعارضة له في الخارج في ذلك!
أزمة السيسي أنه لم يحصر انتقامه في جماعة الإخوان المسلمين، إذاً لصح القول إن المبرر للعصف بالحريات العامة هو أن مصر تواجه الإرهاب، فمن بين المعتقلين قيادات بأحزاب سياسية، وصحفيون، ونشطاء جريمتهم الكتابة على "فيسبوك"، ونساء
هل يمكنه أن يقول فعلاً أنه حرم ذلك على الإرهابيين الذين قطعوا طريق قليوب وخانوا عرابي في التل الكبير؟ وعلى قائمة هؤلاء المرشح الرئاسي السابق الدكتور أيمن نور، الذي كان بايدن نفسه ملماً بقضيته عندما اعتقله مبارك، ويعرف أنه ليبرالي، كما أن على قائمة هؤلاء الفنان عمرو واكد، فهل يمك دفاعه أن يلحقه بتنظيم ولاية سيناء مثلاً؟!
فكما سقطت ورقة الخصوصية العربية، سقطت كذلك ورقة الإرهاب، وليس أمام نظام السيسي إلا أن يواجه أزمته بظهر مكشوف، وبدا هناك توافق بريطاني وأمريكي على عقد مؤتمر دولي، أو قمة عالمية، للديمقراطية، وقد خرج من البيت الأبيض من وصفه في السابق بدكتاتوره المفضل. ويعد أي كلام عن السيادة الداخلية وحقنا في التدخل في شؤون الولايات المتحدة الأمريكية عبثا، يستهدف الدعاية الداخلية، فما الجدوى لو أدركت كل دائرة الحكم في الداخل قدرة السيسي على ذلك؟!
ولا قيمة للأكاذيب التي لا يملوا من ترويجها عن أن البيت الأبيض حذر من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، فهذا ليس صحيحاً أبداً، وقد صدرت مذكرات قادة أمريكيين تتحدث عن هذه المرحلة وليس من بينها شيئ عن هذه الترهات، التي قد تقنع المؤيد الداخلي، لكنها بلا قيمة عندما يبدأ الحديث جاداً!
ليس أمام نظام السيسي إلا أن يواجه أزمته بظهر مكشوف، وبدا هناك توافق بريطاني وأمريكي على عقد مؤتمر دولي، أو قمة عالمية، للديمقراطية، وقد خرج من البيت الأبيض من وصفه في السابق بدكتاتوره المفضل
وإذ نؤجل الحديث عن الضغوط الأمريكية على مبارك، فإن السيسي نفسه تعرض لضغوط مباشرة، عرف ساعتها كيف اهتزت وزارة الدفاع، عندما كان هو مدير المخابرات الحربية المقرب من المشير محمد حسين طنطاوي، بإصدار قرار قضائي بمنع المتهمين الأمريكيين في قضية التمويلات الأمريكية من السفر، ثم ألغي القرار بإجراء قضائي معيب عندما صدر الأمر الأمريكي بالسماح لهم بالسفر "ناو"!
ثم إنه اضطر للإفراج عن صحفيي قناة الجزيرة (خلية الماريوت) نزولا على هذه الضغوط، وقائمة المفرج عنهم بناء على ذلك لا تبدأ بهم وإن انتهت بالإفراج عن محمد سلطان وعدد من أقربائه الذين تم القبض عليهم من أجل الضغط عليه. كما تم الافراج عن أية حجازي بعد تدخل مباشر من ترامب، والإفراج كذلك عن المتهمين من المبادرة المصرية بعد الضغوط أيضاً! فضلا عن أنه أجّل تعديل الدستور، إلى حين الحصول على الموافقة الأمريكية، وعندما لم تمنح له في المرة الأولى أنهى رئيس برلمانه "علي عبد العال" الجدل المثار، بأن الدستور نفسه يمنع تعديل المواد الخاصة بانتخابات رئيس الجمهورية، لكن بعد الحصول على الموافقة كان التعديل مع هذا المانع الدستوري!
الضغوط على مبارك:
وقد مارست الإدارة الأمريكية الضغوط على مبارك، فأفرج عن سعد الدين إبراهيم وأيمن نور، ومارست عليه الضغوط فسمح بتعديل الدستور بما ينتقل بمصر من الاستفتاء إلى الانتخابات التعددية، وضغطت عليه فصدرت التراخيص بإصدار الصحف. وهذه الضغوط كانت في عهدين: الرئيس الجمهوري بوش الابن، لأن بجواره كونداليزا رايس المهتمة نسبياً بملف حقوق الانسان، كما حدث في عهد الديمقراطي أوباما.
إن مبارك كان يمتلك ميزات لا تتوفر في السيسي؛ فأحداً لم يكن يطعن في شرعيته، لكن السيسي جاء على ظهر دبابة من أول يوم وحكمه تخلق في رحم البطلان!
ثم إن مبارك كان أحد زعماء المنطقة، وإذا كان تنازل للعاهل السعودي عن زعامة العالم العربي، فإن ملفات كان لا يقوم بها إلا هو مثل ملف المصالحة العربية مع إسرائيل، ولم يعد أحد الآن بحاجة للسيسي في هذا الملف. ثم إن حكمه ليس مستقراً، وإذا كانت ثورة يناير قد فاجأت الإدارة الأمريكية بل وجهاز الاستخبارات الأمريكية نفسه، فما الذي يجعل القوم لا يضعون احتمالات ثورة جديدة قد تطيح بالسيسي، وعندئذ يفقدون السيطرة على الأمور والتأثير فيها؟!
يعد من الغباء الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستسقط نظام السيسي بالقوة ولو بقي في موقعه أبد الدهر، لكنها ستضغط عليه في ملف الحريات بدون خوف من البديل الديني كما كان الأمر بالنسبة لمبارك!
لقد نجح مبارك في أن يصدر للغرب عموماً أن البديل له هو الإسلام الراديكالي، فكان قبول استمراره له منطقه، فماذا وقد تعددت البدائل للسيسي ومن داخل المؤسسة العسكرية نفسها، وأحدهم كان قاب قوسين أو أدنى من الفوز في أول انتخابات رئاسية نزيهة تعرفها مصر!
ويعد من الغباء الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستسقط نظام السيسي بالقوة ولو بقي في موقعه أبد الدهر، لكنها ستضغط عليه في ملف الحريات بدون خوف من البديل الديني كما كان الأمر بالنسبة لمبارك!
ولدى السيسي اعتقاد راسخ بأن حالة السماح في سنوات حكم مبارك الأخيرة هي التي كانت سبباً في الثورة، وقد فاته هنا أن جانبا كان مرده للضغوط، ولتنامي حالة الغضب الشعبي منه! ولاختلاف أوضاع السيسي عن أوضاع مبارك، فقد أمكن المخلوع الصمود بدرجة أمام الضغوط، وهو صمود لا يملكه "الحالي"، فماذا لو فُرض عليه كما فُرض على مبارك؟!
لقد جاء لك الموت يا تارك الصلاة!
twitter.com/selimazouz1