هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
للوهلة الأولى يتبادر إلى ذهن المراقب أن الأسباب الكامنة خلف تجدد الجدل الإصلاحي في الأردن، هي فوز جو بايدن بالرئاسة نهاية العام 2020، ورغبة صانع القرار والمؤسسات السيادية الأردنية في تقديم استجابة مرنة لوصول الديمقراطين إلى البيت الأبيض. غير أن الجدل الإصلاحي الذي أثاره الملك عبدالله الثاني جاء بعد تنظيم انتخابات برلمانية نهاية العام 2020، شاركت فيها القوى المدنية والحزبية ومن ضمنها الحركة الإسلامية بشقيها، حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين التي باتت أكثر نزوعا نحو التهدئة مع الحكومة وأجهزة الدولة السيادية، وأكثر قبولا بالواقع القائم.. ليطرح السؤال مجددا عن حاجة البلاد لإعادة ملف الإصلاح السياسي في هذا التوقيت؛ وهل تكفي الإشارة إلى وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض كمبرر لهذا الجدل؟
رغم وجاهة الحجة التي قدمها أنصار الربط بين وصول بايدن إلى البيت الأبيض ودعوات الملك عبدالله الثاني لتطوير الحياة السياسة والمشاركة في صنع القرار؛ إلا أن علاقة الملك عبدالله الثاني بالرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته بل والنخبة السياسية الديمقراطية تعد الأفضل في المنطقة العربية وإقليم غرب آسيا وهي تغنيه عن الحاجة لهذه المناورة السياسية..
حقيقة تقوض وتدحض فرضية وصول بايدن للرئاسة كدافع أساسي لإثارة الملك عبدالله الثاني ملف الإصلاح السياسي من جديد كاستجابة لسيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض والكونغرس؛ فماذا وراء دعوة الملك عبدالله الثاني إلى تطوير الحياة السياسية والحزبية من جديد؟
الملك عبدالله الثاني الذي أثار في مقابلته الصحفية مع وكالة الأنباء الأردنية بترا جدل الإصلاح الإداري والسياسي بمناسبة مرور 100 عام على نشأة الدولة الأردنية؛ استبق ذلك كله بتنظيم انتخابات برلمانية في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، أتبعها عبدالله الثاني بانتقادات حادة لمجلس الأمة أثناء لقاء مع رئيس مجلس النواب المنتخب حديثا عبد المنعم العودات ورئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز.. إذ دعا الملك الرئيسين إلى ضرورة استعادة المجلس لمكانته واحترامه لدى جمهور الأردنيين؛ ليعود الملك بعد ذلك بأيام داعيا إلى ضرورة إعادة النظر في قوانين الانتخابات والإدارة المحلية وقانون الأحزاب السياسية لتوسيع المشاركة السياسية في البلاد فاتحا الباب لحوار سياسي جديد تقوده حكومة بشر الخصاونة، مذكرا من جديد بالأوراق الست التي عبر فيها عبدالله الثاني عن رؤيته للإصلاح السياسي قبل أعوام قليلة.
تفشي وباء كورونا المستجد عالميا أعاد الأردن إلى نقطة الصفر التي بدأ منها والتي تؤكد أهمية الإصلاح الإداري والسياسي لمواجهة الأزمات والتعامل معها بفاعلية؛ فالنجاح في التعامل مع الأزمات الاقتصادية والكوارث العالمية حصيلة التفاعل بين الإداري والمشاركة السياسية الواسعة للمواطنين والمؤسسات المدنية في صنع القرار السياسي
تصريحات الملك عبدالله الثاني رغم ارتباطها بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس المملكة وفوز الديمقراطيين بانتخابات الكونغرس والرئاسة؛ إلا أنها جاءت في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة فاقمها تفشي وباء كورونا المستجد عالميا مطيحا بالنظريات والفرضيات التي روجت لأفضلية الإصلاح الاقتصادي وأولوياته على الإصلاح السياسي منذ العام 2014.
فالإصلاح الاقتصادي الذي روج له في الأردن كأولولية على الإصلاح السياسي منذ العام 2014؛ واجه انتكاسة كبرى في حزيران (يونيو) من العام 2018 بانطلاق احتجاجات واسعة ضد حزمة الضرائب والإجراءات الاقتصادية مطيحا بحكومة هاني الملقي ودافعا بعمر الرزاز إلى الواجهة السياسية في البلاد دون أن يتمكن كرئيس وزراء من تحقيق نقلة نوعية في هذا المجال؛ لتنتهي حقبة الرزاز بتفشي وباء كرونا وإخضاع الإدارة الأردنية والمؤسسات السياسية والتشريعية في البلاد لاختبار صعب أثبت أولوية الإصلاح والتطوير السياسي كبوابة لتحقيق الاستقرار الاقتصاي والنمو والتعافي المستقبلي المستدام من الأزمات المتولدة عن صراعات الإقليم والاأزمات الدولية المتكاثرة كالفطر بين القوى الدولية الكبرى.
الإصلاح الاقتصادي المتعثر وبرنامج صندوق النقد الدولي الذي التزمت به حكومة الرزاز لم يقدم حلولا حقيقية للمملكة ولم يوقف عجلة التدهور الاقتصادي؛ ليتقدم وباء كورونا المستجد كأزمة عالمية تطيح بكافة النظريات التي تجعل من الإصلاح الاقتصادي مقدمة للإصلاح السياسي والإداري؛ فكورونا أثبت على نحو لا لبس فيه أن الدول التي لا تتمتع بنظم إدارية وسياسية متقدمة تعاني من ظروف صعبة تمنعها من تجاوز أزمة كورونا وتحقيق التعافي في عالم يسيطر عليه الكبار كالصين وأمريكا وأوروبا والهند وغيرها.
تفشي وباء كورونا المستجد عالميا أعاد الأردن إلى نقطة الصفر التي بدأ منها والتي تؤكد أهمية الإصلاح الإداري والسياسي لمواجهة الأزمات والتعامل معها بفاعلية؛ فالنجاح في التعامل مع الأزمات الاقتصادية والكوارث العالمية حصيلة التفاعل بين الإداري والمشاركة السياسية الواسعة للمواطنين والمؤسسات المدنية في صنع القرار السياسي من خلال البرامج والخطط التي ينخرط في صياغتها ومراقبتها كافة القطاعات والشرائح الاجتماعية والاقتصادية؛ أمر لا يمكن أن يتحقق دون نظام سياسي واجتماعي متطور منسجم وفاعل؛ وبيئة سياسية منفتحة ومرنة .
ختاما: الإصلاح السياسي في الأردن ما زال يتأرجح بين قوى الشد العكسي في الأردن وإرادة الملك والقوى المدنية في البلاد؛ وتخيم عليه بيئة سياسية مختنقة بفعل التراكمات السلبية للمواجهات والمناوشات سواء التي شهدتها البلاد بين القطاعات الاقتصادية والحكومة صيف العام 2018؛ أو النقابات المهنية وعلى رأسها نقابة المعلمين المحامين والحكومة شتاء العام 2020؛ فالتوجهات الحكومية لفتح باب الحوار السياسي تبقى رهينة تحسن المناخ السياسي بشكل يوسع دائرة الحوار والمشاركة السياسية والاجتماعية للتطوير الإداري والسياسي الذي بات ضرورة أو مناورة سياسية آنية فالأزمات ستتولى على الإقليم والعالم وستحتاج إلى مزيد من الفاعلية والمرونة الإدارية والسياسية التي تفوق في أهميتها وغاياتها التحولات الآنية الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية.
hazem ayyad
@hma36