تواجه التوافقات الليبية الأخيرة والتي تزامنت مع ذكرى الثورة العاشرة، معضلة تتمثل في مجموعات
المرتزقة التي استقدمت إلى البلاد، بهدف المشاركة في الحرب التي شنها اللواء
المتقاعد خليفة
حفتر، للسيطرة على الأراضي الليبية، وأغلبها تتبع شركة
فاغنر
الروسية المتعاونة مع الأخير.
وكشفت تقارير أن أعداد المرتزقة بالآلاف في
ليبيا، واستعاض
بهم حفتر من أجل تعويض الخسائر التي لحقت بمقاتليه من أبناء القبائل، ومنهم من تم
استقدامه من مليشيات الجنجويد في السودان، وعناصر مقاتلة من سوريا، فضلا عن مشاركة
تشاديين.
وأشارت إلى أن الأجور التي تدفع للمقاتلين تشكل عاملا
جاذبا، خاصة أن أغلبهم يعانون من البطالة والفقر الشديد في مناطقهم، حيث تصل الأجور
إلى نحو 1500 دولار شهريا.
لكن في المقابل تتقاضى مرتزقة فاغنر الروسية، أجورا أعلى
بكثير، بفعل أنها قوات مدربة ومحترفة، وقامت بتأمين انسحاب قوات حفتر بعد الخسائر
الأخيرة التي تلقتها في مناطق الغرب الليبي، وتتمركز حاليا في الجفرة وسرت ومناطق
ما يعرف بالهلال النفطي.
وكشفت حكومة الوفاق عن قيام مجموعات المرتزقة بزراعة
مساحات واسعة بالألغام.
وتثار تساؤلات بشأن مصير هذه المجموعات بعد الاتفاق
الأخير بتشكيل أجسام سياسية موحدة، تمهيدا للانتخابات المقبلة في البلاد.
الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور الطاهر بن طاهر، قال
إن ملف المرتزقة في ليبيا بات أكبر من حسمه داخليا، بعد دخول مجموعات خارجية
محسوبة على دول.
وأوضح ابن طاهر لـ"عربي21"، أن التوافقات
الليبية تكررت، لكن هناك الكثير من العقبات التي كانت تفجر الخلافات ومنها مسألة
المرتزقة، الذين استقدمهم حفتر للمشاركة في الحرب التي شنها.
وأضاف أن مرتزقة فاغنر الروس، أمر إخراجهم من الساحة
الليبية في غاية الصعوبة، خاصة أنهم يسيطرون على مساحة واسعة من البلاد، فضلا عن
تمركزهم في منطقة الهلال النفطي الحساسة.
وشدد على أن توافق الليبيين على مؤسسات واحدة، يدفع
باتجاه إنهاء وجود تلك القوات، لأن إخراجهم حاليا يتطلب ضغطا دوليا على روسيا.
وعلى صعيد محاسبة هذه المجموعات المسلحة، والتي تتحدث
العديد من التقارير عن "جرائم" ارتكبتها شدد ابن طاهر على أهمية توثيق ما
قامت به لمحاسبتها دوليا في لحظة ما لأن الليبيين بحاجة إلى يد دولية في المسألة.
من جانبه قال الباحث والناشط فيصل الشريف، أن فتح حفتر
أبواب استقدام المرتزقة على مصراعيها، دفع المشاركين في مؤتمر برلين سابقا، إلى
إدراك خطورة ما يجري، وخاصة الولايات المتحدة التي كانت تشاهد قوات تتبع الروس
تسيطر على المشهد.
وأضاف الشريف لـ"عربي21"، أن جزءا من دوافع
الليبيين نحو تشكيل بناء دولة موحدة، هو التخلص من هذه القوات التي انتشرت بكثافة،
وباتت تهدد حتى المصالح الاستراتيجية لدول أخرى، ومنها الولايات المتحدة.
ولفت المحلل السياسي إلى أن روسيا كانت تلعب على
ازدواجية الشرعية في ليبيا، من أجل أهدافها ومد نفوذها، حين رد وزير الخارجية
الروسي سيرغي لافروف على تساؤلات بشأن امتلاك حكومة الوفاق الاعتراف الدولي، فأجاب
بأن برلمان طبرق أيضا يمتلك الشرعية.
وتابع: "الحل في ليبيا للمرتزقة يكمن في دولة
موحدة، عندها سترضخ كافة الأطراف لما يخرج عن الجسم الشرعي الواحد، وبالتأكيد حين يكون هناك إخلاء كامل لهذه القوات، لكن إخراج الجزء الأكبر منها، والتحدي الأكبر يكمن في نجاح الليبيين في توحيد صفوفهم".
وعلى صعيد محاسبة المرتزقة على جرائمها خلال المعارك
التي جرت، قال الشريف: "الساحة الليبية مثل الكثير من الساحات التي شهدت هكذا
جرائم، واضطرت الضحية للجلوس مع القتلة في كثير من الأحيان ومصافحتهم". لكنه
أضاف: "لكنه كما حصل في كرواتيا وصربيا ودول أفريقيا جلب القتلة في لحظة من
اللحظات للمحاكم الدولية".
وشدد على أن مسألة المحاسبة الجنائية والدولية على جرائم
الحرب والقتل الجماعي، "تحتاج إلى وقت، رغم أن بعض المجرمين يفلتون من العقاب".