قضايا وآراء

ماهية وأهمية الوعي الجمعي للمجتمع

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600

الوعي المجتمعي هو مدى إدراك العقل الجمعي للمجتمع لحقيقة الواقع على حقيقته، بعناصره ومكوناته، والوزن النسبي لكل منها، وقوة تأثيرها، وتفاعلاتها، وأسبابها ونتائجها، دون اجتزاء أو تغيير واختلاف أو تزييف، وما يجب فعله في هذه اللحظة التاريخية.

هذا الإدراك يمثل البنية المعرفية الحية اليقظة، الأكثر حضورا وتحكما في العقل والوجدان الجمعي للمجتمع، والتي تمثل نقطة الارتكاز للوحدة والاحتشاد المجتمع حول قضية وهدف معين، وتوجيه بوصلة واهتمام القوة الجمعية للمجتمع لتحقيقها.

عناصر ومكونات الوعي المجتمعي

يتكون الوعي المجتمعي من جزأين:

الجزء الأول الأساسي، والذي يتسم بالثبات النسبي، وهو البنية القيمية الأساسية للمجتمع (ما يسمى في علم الهوية بالسلم القيمي للمجتمع)، والتي تتباين جودتها بحسب كل مجتمع وسياقها التاريخي الذي تشكلت فيه هذه البنية القيمة. فهناك مجتمعات متحضرة قوية تتكون بنيتها القيمية من منظومة قيمة جيدة وقوية، من قيم الحرية والوعي بالذات والكرامة الإنسانية والعلم وإنتاج المعرفة والتعايش والوحدة والعمل والإنتاج. وهناك مجتمعات أخرى نامية رديئة القيم وضعيفة البنية القيمية؛ تسود فيها قيم الاستبداد والظلم والقهر والإحساس بالدونية والفردية والأنا، والعنصرية والطائفية والصراع البيني، والضعف والاستهلاك. وبين هذين النموذجين تتباين أشكال البنية القيمة للمجتمعات.

والجزء الثاني من الوعي، والمعروف بالبنية المعرفية المتغيرة للمجتمع، حول العناصر المكونة لقوى الفعل والتحكم والتأثير في المجتمع وامتداداتها الخارجية وتفاعلاتها ونتائج هذه التفاعلات على مدار الساعة، والتي تجيب على أسئلة من يتحكم في القرار وصناعة الأحداث، ولماذا وكيف؟

لذلك فإن منظومة الوعي اللازمة تختلف باختلاف الزمان والمكان. وتشترط لفاعلية الوعي جودة الجزأين المكونين للوعي، وفي حالة ضعف أحدهما تختل قوة الوعي وأثرها في الفعل المجتمعي العام.

 


 

أهمية الوعي المجتمعي- الدور الوظيفى للوعي المجتمعي

الوعي يمنح الشعب اليقظة، ونقطة الارتكاز والوحدة والاحتشاد والقدرة والقوة على الفعل..

1- يمكّن الشعب أولا من الفصل بين الدولة والنظام، كما يمكنه من فهم وإدراك حقائق الأمور.

2- يفجر الغضب في نفس الشعب عند تغول وفساد النظام.

3- يمنح الشعب القوة الذاتية الدافعة للخروج والتغيير.

4- يمنح الشعب نقطة تمركز واحدة ضد هدف واحد مشترك، وهو التخلص من المستبد.

5- يعزز قدرة الشعب على التفكير والتخطيط الواقعي لمجابهة المستبد.

6- يفجر في الشعب الملكات والطاقات الابتكارية والإبداعية في إنتاج الوسائل المتجددة اللازمة لمغالبة المستبد والانتصار عليه.

7- يمنح الشعب الأدوات الثلاث الأساسية للفعل الناجح (قيم التحرر والكرامة، المعارف والخبرات الثورية، مهارات وتقنيات الفعل الثوري).

مخاطر غياب الوعي المجتمعي

1- تخدير وإزاحة وتغييب الشعب عن المشاركة في المشهد السياسي والتحول إلى مشاهد للأحداث.

2- تحويل الشعب إلى أداة وظيفية في يد النظام، يتم استدعاؤه إلى المشهد السياسي، وقت الحاجة إليه لأداء أدوار وظيفية لخدمة المستبد.

3- تمكين المستبد من الانفراد بالسلطة والثروة والقرار.

4- الاستنزاف المستمر لمقدرات الدولة، وضعف وتفكك بنية الدولة، وتدني مستوى معيشة الشعب.

5- ضعف وتراجع المكانة الإقليمية والدولية للدولة.

شروط ومعايير الوعي المجتمعي

1- الشمول للجزء الأساسي الثابت بالمجتمعات المتحضرة، والجزء المتغير المتعلق بالظرف التاريخي.

2- الترجمة العملية لكل بنوده النظرية إلى واجبات عملية قابلة للتطبيق.

3- تنوع مستوى الخطاب ليبدأ بالنخب وينتهي بعموم وأطفال المجتمع.

4- القوة والفاعلية في تطهير المجتع من معوقاته الذاتية وعوامل الفرقة والشقاق.

5- قوة وحدة واحتشاد المجتمع وبناء القوة المجتمعية الحاشدة القادرة على مجابهة تغول وطغيان النظام، وضبط وترشيد حراكهم حتى نهايته.

6- سعة محتوى الوعي ليستوعب كافة مكونات المجتمع من جهة، وكافة أشكال مشاكل وتحديات وتطلعات الجماهير.

7- عمق محتوى الوعي حتى يستوعب التنوع المجتمعي ويجمع فيما بينه لمواجهة المستبد.

وسنتناول هنا ثلاثة تطبيقات تاريخية تكشف عن مدى الوعي المجتمعي وأثره في الأحداث واللحظة التاريخية التي تمر بها البلاد.

مثال 1: الوعي المجتمعي للشعب المصرى أثناء حرب أكتوبر 1973 ودوره في تحقيق النصر..

حيث كانت البنية المعرفية الأساسية للمجتمع والتي كانت تتكون من منظومة قيم وأفكار حاكمة لسلوك المجتمع؛ قوامها الوعي بالذات والكرامة الوطنية، والرغبة في الحرب واسترداد الكرامة المصرية والاستعداد للبذل والتضحية، والوحدة والاحتشاد على هدف وطني كبير، بالإضافة إلى البنية المعرفية القوية بمعطيات اللحظة التاريخية من احتياجات الحرب وتداعيتها كان من نتيجة هذا الوعي الجيد الدور الكبير في تحقيق النصر.

قياس وتحليل الوعي المجمعي للمجتمع أثناء حرب أكتوبر مؤشرات الوعي:

1- احتشاد المجتمع خلف قيادته السياسية 25/25.

2- متابعة أخبار الحرب لحظة بلحظة والتفاعل الإيجابي معها 25/25.

3- دعم المجتمع للجيش 25/25.

4- الأمن الداخلي الذاتي 25/25.

إجمالي الوعي المجتمع المصري مع حرب أكتوبر 100 في المئة.

مثال 2: انقلاب أم ثورة يوليو 1952؟

حيث كانت البنية المعرفية الأساسية للمجتمع قوية نسبيا بسبب العمق الحضاري والديني لدى المجتمع، بينما البنية المعرفية عن الظرف الواقع محدودة جدا عن حقيقة مفهوم الثورة والفرق بينها وبين الانقلاب..

قياس وتحليل الوعي الجمعي للمجتمع أثناء انقلاب 1952 مؤشرات الوعي:

1- تفاعل المجتمع مع الانقلاب على المستعمر الأجنبي 25/25.

2- متابعة اخبار الانقلاب لحظة بلحظة والتفاعل الإيجابي معها 10/25.

3- تقييم أداء ضباط الانقلاب وتحولهم إلى ثورة حقيقية على الاحتلال 0/25.

4- متابعة الشعب لقادة الانقلاب حتى تسليم السلطة للشعب والعودة لثكناتهم 0/25.

إجمالي الوعي المجتمع المصري مع انقلاب 1952 هو 40 في المئة.

لذلك لم يتحول الانقلاب على المستعمر إلى ثورة حقيقية، بل تحول إلى حكم عسكري.

مثال 3: ثورة يناير 2011م

حيث كانت البنية المعرفية الأساسية للمجتمع رخوة نسبيا بسبب عمليات التفكيك والتجريف من 1952 إلى 2011، بينما البنية المعرفية عن الظرف الواقع ضعيفة جدا.. عن منظومة الحكم في مصر، والفعل الثوري الشامل الواجب فعله.

قياس وتحليل الوعي الجمعي للمجتمع بمنظومة الحكم والفعل الثوري الشامل:

مؤشرات الوعي:

1- تفاعل المجتمع مع الثورة والتخلص من رأس النظام 25/25.

2- فهم منظومة الحكم المصري وآلية إداراتها 0/25.

3- الوحدة والاحتشاد على هوية وطنية واحدة جامعة لكل المصريين 0/25.

4- فهم حقيقة العسكر في مصر.. عدم صلاحيتهم للحكم، ولاءاتهم الخارجية 0/25.

إجمالي الوعي المجتمع المصري مع انقلاب 1952 هو 25 في المئة.

لذلك سرقت الثورة ولم تكتمل، وتم الانقلاب عليها ومحاسبة المشاركين فيها ومحاولة محوها من الذاكرة المجتمعية، وتجفيف منابعها.

التعليقات (0)