هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فتحت الاستراتيجية الأمريكية لإدارة الرئيس جو بايدن في اليمن، وموقفها من جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، الباب واسعا أمام تساؤلات عدة حولها، سيما مع إصرار الجماعة على تعطيل الحل السياسي واستخدام حربها من قبل طهران كورقة مقايضة ضد واشنطن، وفق يمنيين.
ويرى مراقبون ومتابعون للشأن اليمني أن مقاربة إدارة بايدن نحو اليمن، لا تختلف كثيرا عن المقاربة التي سادت عهد إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، والتي شغل بايدن فيها منصب نائب الرئيس.
والسؤال هنا: هل لدى إدارة بايدن رؤية للحل في اليمن؟ ولماذا رفعت اسم جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب ما شجعها على تنفيذ هجوم واسع على محافظة مأرب (شمال شرق البلاد) التي تحتضن ما يزيد على مليوني نازح؟ وهل حولت المقاربة الأمريكية للحرب في اليمن إلى ورقة تقايض بها طهران بشأن ملفها النووي؟
فيما يذهب خبراء إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة تنطلق من رؤية أمنية للصراع في اليمن، عبر قرار بايدن إلغاء تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية" من قبل إدارة سلفه دونالد ترامب، ودعوتها لإنهاء الحرب الدائرة منذ 6 سنوات.
كما أن هذا الأمر، لا يعني أن واشنطن باتت خارج الصراع كليا؛ إذ إنها ستستمر في استهداف تنظيمي القاعدة و"داعش" في اليمن، في وقت ترى فيه أن الجماعة الحوثية حليف مهم في هذا الإطار، بعد فشل الحكومة المعترف بها، وتآكل سلطتها في المحافظات المحررة.
"التزام حوثي ورضا أمريكي"
وفي هذا السياق، يرى الخبير الأمني والعسكري اليمني، علي الذهب أن استراتيجية الولايات المتحدة هي امتداد لاستراتيجيتها السابقة في اليمن.
اقرأ أيضا: واشنطن تدعو الحوثي لوقف الزحف نحو مأرب.. والجماعة ترد
وقال في حديث خاص لـ"عربي21": كانت الاستراتيجية الأمريكية قبل 2011، تندرج في إطار حماية أمنها القومي فيما وراء حدودها، والذي يشمل منطقة الشرق الأوسط ومنها اليمن، مضيفا أن مسألة الأمن القومي تدور في "مصالحها الاستراتيجية في الخليج والبحر الأحمر والمحيط الهندي، ومصالح حلفائها من الدول ومكافحة الإرهاب".
وأشار إلى أن استراتيجية واشنطن تجاه الإرهاب في اليمن، ارتكزت على عقد اتفاقات مع الحكومات المتعاقبة خلال فترة نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
أما بعد عام 2011، فيؤكد الخبير اليمني أن الولايات المتحدة رأت أن الادارة السياسية التي تلت مرحلة صالح، لم تفلح في مواجهة الإرهاب الذي اشتد نشاطه ضمن أجندة إقليمية ودولية، الأمر الذي دفعها للبحث عن حليف آخر بطريقة أو بأخرى وهو "الحوثيون".
وبحسب الخبير الذهب فإن الحوثيين التزموا للولايات المتحدة عبر قنوات خلفية أو بطريقة غير مباشرة بمواجهة تنظيم القاعدة، متابعا بالقول: "بناء على هذه المقاربة، ضمنت واشنطن لنفسها القضاء على عدو حقيقي أمام عدو آخر يرفع ظاهريا شعار الموت أمامها ولا يرفع أضعف السلاح عليها".
واستطرد: "يبدو أن الولايات المتحدة راضية عن الحوثيين في مواجهة القاعدة وإن كانت في الأساس أداة أمريكية للنفوذ في المنطقة".
لكن الخبير العسكري اليمني استدرك قائلا: "هذه الأداة، أي الحوثيون، تفلت من قبضتها وتحولت إلى سهام ارتدت إلى صدرها".
ولفت إلى أن تعيين إدارة بايدن مبعوثا لها في اليمن، لأول مرة، هذا يعني أنها تلعب في اتجاهات عدة، لا يقتصر الأمر على موضوع تنظيم القاعدة، بل يشمل مصالحها في المنطقة، موضحا أنها تحاول تطويع الأزمة اليمنية لتكون إحدى أدواتها في إغراء طهران في الدخول بمفاوضات تخص الاتفاق النووي، لاسيما أنها تريد إضافة ملف الصواريخ الباليستية إلى اتفاقها السابق، وهو ما ترفضه إيران.
واعتبر أن رفع الحوثي من قائمة الإرهاب "محاولة لتقديم ما يثبت حسن نية واشنطن في هذه المفاوضات، وفي نفس الوقت الدفع بعملية السلام التي تريدها للإبقاء على الجماعة كورقة تمن بها عليها بأنها وقفت معها".
وأردف قائلا: "الإدارة الامريكية تريد الإبقاء على الحوثيين كشوكة في خاصرة السعودية التي تمر بمرحلة تحول سياسي حرج، ولذلك فهي تحاول الاستفادة منها في مواجهة ما تعانيه من أزمة اقتصادية وتحولات سياسية تحيط بالمنطقة، قد تقلل من حضورها في ظل تعاظم الدور الروسي".
اقرأ أيضا: ما دلالات شطب إدارة بايدن جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب؟
وبين الخبير الاستراتيجي اليمني أن واشنطن استغنت بالحوثيين داخليا، عن مسألة الوجود العسكري المباشر داخل الأراضي اليمنية، نظرا لكلفته، وعدم القبول به سواء في الجزر أو في البر الرئيسي للبلاد.
وقال : فيما تحاول عبر حلفاء آخرين أن تجسر فجوة عدم الوجود العسكري المباشر في اليمن الذي يعد استثنائيا في الجزيرة العربية التي تعج بذاك الوجود، تزامنا مع تزايد التنافس مع الروس والاتراك على النفوذ القوي في المنطقة.
وخلص الذهب أن ملف الأزمة في اليمن، تحول بكل وضوح، إلى أداة من أدوات المفاوضات الأمريكية مع إيران وبقوة أكثر مما كان في 2014 و2015 في الاتفاق النووي السابق.
"وضع شديد التعقيد"
من جانبه، قال الكاتب والسياسي اليمني، عبدالناصر المودع: "ليس هناك أفكار جاهزة وقابلة للتطبيق على الأزمة اليمنية من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة"، مرجعا ذلك إلى كون الوضع في اليمن شديد التعقيد.
وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21" أن "إلغاء تصنيف الحوثيين كان متوقعا، لأن إدارة ترامب قامت به لخلق مشاكل لإدارة بايدن وضمن صفقة خاصة بين ترامب وصهره مع الحكومة السعودية".
وبحسب المودع فإن "هجوم مأرب من قبل الحوثيين يأتي بغرض تحقيق مكسب رئيسي وحاسم بالنسبة لهم، ومحاولة فرض أمر واقع قبل أي مفاوضات تسعى لها أمريكا والأمم المتحدة".
ويؤكد الكاتب اليمني أنه في كل الأحوال، لن تغير إدارة بايدن الأوضاع في اليمن بشكل جذري خلال الفترة القريبة القادمة، معتبرا أن تعقيدات المشهد اليمني وامتزاجه بالملف الإيراني ومشاكل المنطقة الأخرى ستبقي الوضع على حاله.
وتابع قائلا: "كل ما ستسعى له الإدارة الأمريكية هو تجميد الجبهات وتحسين الوضع الإنساني من خلال الضغط على السعودية والإمارات، وغيرها من الدول لتقديم المزيد من الأموال لخطة الأمم المتحدة للتخفيف من معاناة الشعب اليمني".
وفي الجانب السياسي، يقول السياسي اليمني المودع: "ستحاول الإدارة الأمريكية إحياء مبادرة كيري بصيغة جديدة"، لكنه استبعد "تمرير تلك الأفكار في الواقع الفعلي".
اقرأ أيضا: ذا هيل: قرار بايدن حول اليمن يؤثر على تحالف "الرياض أبو ظبي"
" إعادة تأهيل للحوثيين"
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي إن الاستراتيجية الأمريكية تجاه اليمن في مستهل عهد الإدارة الجديدة، تمثل انعكاسا للتصور الأممي الذي ظل يكرس تصورا أحاديا في البلاد باعتباره منطقة مرشحة لمواجهة أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
وتابع حديثه لـ"عربي21" بأن "هذا التصور استخدمه الديمقراطيون في عهد ترامب"، مضيفا أن الرئيس بايدن أراد أن يظهر تطابقا لسياساته مع موقف حزبه الذي ظل ينظر للحرب في اليمن في ظل حكم ترامب، على أنها نموذج لإخفاق السياسات الأمريكية تجاه أزمة ذات طابع إنساني خطير، حيث أطلقت الإدارة السابقة يد السعودية لمواصلة الحرب على الساحة اليمنية دون محاسبة.
ووفق التميمي فإنه من الواضح أن مقاربة إدارة للحرب في اليمن عبر تعيين مبعوث خاص تشير إلى تحول حقيقي في الموقف الأمريكي ولكنه لا يختلف عن المقاربة الديمقراطية لذات الأزمة والحرب في الفترة الأخيرة من عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
وأكد الكاتب اليمني أن "هذه الإدارة تريد إعادة تأهيل دور الحوثيين باعتبارهم جزءا من المنظومة الشيعية التي تشكل نقيضا للتطرف السني الذي لطالما مثلت الدولة السعودية جذره الفكري والعقائدي"..
"على الرغم من التحولات الكبيرة التي تشهدها المملكة وتبعدها كثيرا عن النهج المتشدد وتذهب بها بالاتجاه المعاكس تماما، وهي إحدى ثمار سياسات ترامب التي وصلت أهدافها بأسرع وقت ممكن وبدون غلاف من الدبلوماسية المراوغة"، كما قال التميمي.
وأضاف أن "إيران تستفيد كثيرا من التحولات الهائلة التي تشهدها الحرب اليمنية في ظل تقدمات يحرزها الحوثيون المدعومون من طهران"، لافتا إلى أنه أمر مفيد بالنسبة لطهران التي من المتوقع أن تستفيد كثيرا من الورقة اليمنية في تفكيك عقد الملف النووي بما يعيد الامتيازات التي فقدتها ويخفف عن كاهلها من العقوبات الأمريكية الشديدة.
وفي وقت سابق من شهر شباط/ فبراير الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إلغاء تصنيف الحوثيين في اليمن "منظمة إرهابية"، وهو تصنيف أقره وزير الخارجية السابق مايك بومبيو قبل أيام من مغادرته منصبه في كانون الثاني/ يناير الماضي.