هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تستعد الحكومة المصرية للانتقال إلى عاصمة جديدة في الصحراء شرقي العاصمة القاهرة، الصيف المقبل، بعد تأجيل الانتقال إليها العام الماضي، بسبب تداعيات جائحة كورونا، وتعطل أعمال البناء والإنشاءات التي تجري على قدم وساق.
العاصمة الإدارية الجديدة كما يطلق عليها حتى الآن، هي من مدن الجيل الرابع التي تعتمد على التكنولوجيا الذكية، وتم الإعلان عنها في آذار/ مارس عام 2015 في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري بمنتجع شرم الشيخ جنوب سيناء.
وتقام المرحلة الأولى من العاصمة الجديدة على مساحة 168 كيلومترا مربعا بتكلفة 25 مليار دولار حتى الآن، بنسب تنفيذ تخطت الـ60 بالمئة في كامل المشاريع، ومقرر لها أن تستوعب أكثر من مليوني شخص، وفق خالد الحسيني المتحدث باسم العاصمة الجديدة.
والمرحلة الأولى هي واحدة من ثلاث مراحل تخطط الحكومة المصرية للانتهاء منها خلال السنوات المقبلة، دون تحديد سقف زمني لها، وتسمح في النهاية بتوطين نحو 6 ملايين نسمة في المراحل الثلاث كافة.
اقرأ أيضا: ما دلالة إعلان السيسي عن "جمهورية جديدة" نهاية العام؟
لكن هل ستكون العاصمة الجديدة متاحة لكل المصريين، وتفتح أبوابها للجميع من كل الطبقات، مثل العاصمة المصرية القاهرة، وما سبقها من عواصم على مر التاريخ، أم ستكون حكرا على الطبقات الغنية؟
تكلفة المعيشة في العاصمة الإدارية
وعلى الرغم من أنه لا يوجد ما يمنع من انتقال أي فرد إلى العاصمة الجديدة إلا أن تكلفة الوحدة السكنية التي تبلغ مساحتها نحو 100 متر مربع تتجاوز المليون ونصف المليون جنيه وترتفع حتى مليوني جنيه وأكثر (100 ألف دولار)، وفق موقع "عقار ماب" العقاري.
هذه التكلفة الباهظة في مدينة عصرية على مساحة صغيرة تتطلب أيضا مصروفات باهظة للالتحاق بالمدارس والجامعات الخاصة والأهلية، والعلاج في المستشفيات المتطورة، والتسوق عبر مراكز تسوق ضخمة، تفرض نوعا معينا ومحددا من السكان الجدد.
ويقول مسؤولون عن المشروع العملاق، الذي يواجه انتقادات شعبية بسبب تكلفتة الكبيرة، مع تردي الوضع الاقتصادي للدولة، إن "مركزين للتحكم سيتابعان إلكترونيا حالة البنية الأساسية والحالة الأمنية"، بحسب وكالة "رويترز".
المدينة المحرمة
من جهته، قال عضو لجنة الإسكان بالبرلمان المصري سابقا عزب مصطفى: "إن العاصمة الجديدة بنيت من أجل حماية الطغمة الحاكمة، والنخبة المؤيدة، ودرعا يحميهم من غضب الشعب المطحون إذا ما قرر أن يثور مجددا على من نهبوا ثرواته، وصادروا حريته".
واعتبر أنها لن تكون كما كانت القاهرة لأهلها على مر الزمان، وأكد في حديثه لـ"عربي21" أن "الغالبية العظمى من الشعب المصري لن يستطيعوا الذهاب إليها ناهيك عن العيش فيها"، مشيرا إلى أنها "ستكون عاصمة فئوية نخبوية، لا تستطيع أي فئة من الشعب أن تتحمل نفقات العيش فيها".
وأضاف مصطفى: "منذ اليوم الأول للانقلاب تم تقسيم الشعب المصري إلى شعبين، الأول هم الطبقة الحاكمة من الجيش والشرطة والقضاء ورجال الأعمال والمؤيدين، والثاني هم أغلبية الناس البسطاء الذين يعيش 30 بالمئة منهم تحت خط الفقر، ويعيشون في فقر وجهل ومرض".
واعتبر قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، أن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة يمثل ميلاد دولة جديدة وإعلان جمهورية جديدة، نهاية 2021.
وقال، خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، الأسبوع الماضي: "أخاطب فئات المجتمع، مفكرين ومثقفين وفنانين، للاستعداد لهذا الافتتاح الذي سيشمل مشروعات أخرى من أسوان جنوبا حتى العلمين شمالا، والمنصورة الجديدة والعاصمة الجديدة، أيضا".
اقرأ أيضا: "عربي21" تكشف أول واقعة فساد بعاصمة "السيسي" (وثائق)
ومن المقرر حسب إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن يتم افتتاح العاصمة الإدارية نهاية 2021، بعد أن يتم تجريب المباني والمقرات الحكومية في آب/ أغسطس المقبل.
عاصمة من الديون
في معرض تعليقه، قال المستشار الاقتصادي للمجموعة المصرية للإدارة والاستشارات، أحمد خزيم، "إن اسمها يدل على أنها عاصمة تخص إدارة الدولة، وهو أمر غريب في تاريخ مصر التي شهدت العديد من العواصم عبر تاريخها مثل طيبة وممفيس وتل بسطة، إلخ".
وأضاف لـ"عربي21": "العواصم الجديدة تبنى في الدول من الفائض المالي لاقتصادها وليس من الديون، وهي ليست لكل الناس، سيقول البعض إنها لم تبن بالاقتراض.. إذا كان الأمر كذلك فماذا عن الديون التي تثقل كاهل الدولة؟ لماذا لا تسدد أولا؟".
ورأى أن "تكلفة المعيشة هناك تؤكد أن الطبقة التي سوف تعيش فيها هي من الطبقات المقتدرة وعلى علاقة بالسلطة، ومحاطة بأسوار، لذلك لا أستبعد أن تفرض الدولة إجراءات خاصة لدخولها، في إشارة إلى منتجع شرم الشيخ الذي كان يقصده الرئيس الراحل حسني مبارك".
وفي ما يتعلق بأوضاع العمالة في العاصمة، أكد الخبير الاقتصادي أن "العمالة ستعيش على أطراف العاصمة وتخومها وفي المدن المجاورة لها مثل مدينة بدر، وهو ما تم الإشارة إليه من قبل بعض المسؤولين، وزيادة حجم المواصلات منها وإليها يخدم تلك الفكرة بكل تأكيد".
واختتم خزيم حديثه بالتساؤل: "السؤال المهم هنا: هل سينتج عن تشييد تلك العاصمة ما يجعل الاقتصاد المصري يتعافى، ويخلصه من الديون؟ هل العاصمة الجديدة ستجعل من مصر غير دول العالم الثالث اقتصاديا؟ هل ستعيد لمصر دورها الأقليمي والأفريقي؟ داعيا المسؤولين للإجابة عن هذه الأسئلة.