هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في مقال نشرته صحيفة كيهان الإيرانية المحسوبة تقليدياً على المرشد الأعلى علي خامنئي، حذّرت الصحيفة من أنّ دعم تركيا للمملكة العربية السعودية في اليمن ضد ميليشيات الحوثي يعني أنّه سيكون على أنقرة مواجهة ما أسمته "محور المقاومة القوي" الذي تقوده طهران في المنطقة.
الصحيفة حذّرت كذلك من أنّ تدخل تركيا في اليمن إلى جانب الرياض سيضع حدّاً للتناغم التركي ـ القطري، وسيلحق بتركيا كارثة كالكارثة التي تسببت بها صواريخ الحوثي البالستيّة ضد السعودية على حدّ قولها.
وتُعدّ هذه الرسائل جزءاً من حملة تقودها إيران ضد تركيا على خلفيّة المعلومات التي تحدّثت مؤخراً عن احتمال دعم أنقرة للرياض عسكرياً في اليمن. وبالرغم من أنّ المعلومات التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي عن هذا الموضوع ليست صحيحة، إلاّ أنّها كانت كافية لإثارة قلق المسؤولين الإيرانيين الذين يخشون على ما يبدو من أن يؤدي أي دور تركي مفترض في اليمن إلى سيناريوهات مماثلة لما جرى في ليبيا وأذربيجان حيث أثبت الدعم العسكري التركي نجاعته وفعاليته العالية وحسمت المسيّرات التركية المعادلة بكفاءة وسرعة لصالح حلفائها.
الخشية الإيرانية من تصاعد دور تركيا إقليميا لا ترتبط بهذا الملف فقط، اذ تتابع السلطات الايرانية عن كثب الرسائل المتبادلة والاتصالات التركية -السعودية والتركية- المصرية وما يمكن أن تُفضي إليه خلال المرحلة المقبلة على اعتبار أنّ أي تحوّل على الجبهتين من شأنه أن يؤدي إلى تغيير في موازين القوى بشكل يقوّض من المعادلة الإقليمية التي نشأت بُعيد الأزمة الخليجية عام ٢٠١٧ والتي أخرجت طهران حينها من عزلتها وسمحت لها بالاستفادة من النزاع الجاري بين المعسكرين.
ترافق صعود تركيا الإقليمي في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى مع تراجع في النفوذ الإيراني إبّان فترة حكم ترامب في الولايات المتّحدة الأمريكية. لكن، ومع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، بدأت طهران بإعادة التموضع إقليميا بشكل يرجّح الاصطدام مع تركيا مستقبلاً وإن لم يكن ذلك بشكل مباشر.
الحساسية الإيرانية من الصعود التركي بلغت أوجها علانيّة إبّان الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إلى أذربيجان في كانون الأول (ديسمبر) الماضي للاحتفال بالانتصار في معركة تحرير ناغورني قره باغ ضد أرمينيا المدعومة تقليديا من قبل كل من روسيا وإيران. في تلك الزيارة، قرأ أردوغان قصيدة تتحدث عن تقسيم أرض أذربيجان بين روسيا وإيران في القرن الـ١٩ وهو ما أثار زوبعة دبلوماسية في طهران التي باتت تشعر بانعكاس صعود نفوذ تركيا الإقليمي على أقلّيتها الأذربيجانية ـ التركية التي تعتبر ثاني أكبر أقلّية في البلاد بعد الفارسية.
وترافق صعود تركيا الإقليمي في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى مع تراجع في النفوذ الإيراني إبّان فترة حكم ترامب في الولايات المتّحدة الأمريكية. لكن، مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، بدأت طهران بإعادة التموضع إقليميا بشكل يرجّح الاصطدام مع تركيا مستقبلاً وإن لم يكن ذلك بشكل مباشر.
فعدا عن متابعتها الاتصالات التركية مع مصر والسعودية عن كثب، بدأت إيران بدعم حزب العمّال الكردستاني في شمال العراق خلال المعارك الأخيرة مع تركيا. لم يقتصر ذلك على التصريحات التي أدلت بها الميليشيات الشيعية المحسوبة على طهران في بغداد، وإنما من خلال إطلاق صواريخ إيرانية الصنع باتجاه مواقع تمركز القوات التركية شمال العراق والتهديد بالاشتباك مع القوات التركية في حال قرّرت أنقرة إرسال الجنود لمحاربة حزب العمّال الكردستاني في العراق.
في حقيقة الأمر، فقد حذّر السفير الإيراني لدى العراق إيرج مسجدي تركيا من أن تقوم بأي تحرّكات في العراق بعد أن قام حزب العمّال الكردستاني بإعدام ١٢ مواطناً تركياً كان الحزب قد اختطفهم في شمال العراق. وقال في تصريح له: لا نقبل إطلاقا بأن تتدخل تركيا أو أي دولة أخرى في العراق عسكريا أو أن تتقدّم وتحظى بوجود عسكري في العراق.
وفي المقابل، سارع سفير تركيا لدى بغداد فاتح يلدز للرد قائلا إن السفير الإيراني "آخر شخص يحق له إعطاء تركيا دروسا" بشأن احترام حدود العراق. تبع ذلك تصعيد دبلوماسي واتّهم وزير الداخلية التركي إيران بإيواء ٥٢٥ إرهابيا في إشارة إلى ميليشيات حزب العمّال الكردستاني.
وبالرغم من التهدئة الحالية، إلاّ أن إمكانية تدهور الوضع تبقى قائمة لاسيما إذا ما توصلت الإدارة الأمريكية الحالية إلى اتفاق مع إيران بشأن الخلافات المرتبطة بالاتفاق النووي. في مثل هذا السيناريو، من المرجّح أنّ يؤدي الاتفاق إلى إعطاء دفعة قوية لطهران إقليمياً. مليارات الدولارات ستتدفق إلى الميليشيات الإيرانية المتوزّعة في عدد من الدول لاسيما في لبنان والعراق وسوريا واليمن. علاوة على ذلك، فستسرّع إيران من وتيرة تجنيد الميليشيات، كما أنّها ستعزز من وضعها في دمشق وبغداد وهو ما سيخلق معضلة لتركيا من جديد.
على الصعيد النووي، سيعيد ذلك البرنامج النووي الإيراني إلى المسار، وهو ما سيزيد من الضغط على الدول الإقليمية التي تريد أن تلحق بطهران نووياً.
بقاء الانقسام الإقليمي من شأنه أن يوفّر لإيران الظروف الملائمة للتمدّد من جديد، لكن جسر الهوّة بين تركيا ومصر والسعودية ليست بالأمر السهل في ظل تلكّؤ البعض، ومحاولة البعض الآخر تقويض الاتصالات، لكن الأكيد أنّ بقاء الانقسام، إن بقي، فلن يخدم أحداً باستثناء الجانب الإيراني.