قضايا وآراء

بشائر السلام بين واشنطن وطهران؟

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

من خلال تصريح موجز ولكنه شديد التعبير أدلى به الشيخ محمد بن عبد الرحمن وزير خارجية قطر هذه الأيام أجاب به على سؤال صحفي من مراسل وكالة أنباء غربية حول ما إذا كانت قطر ستقبل عرض وساطة سلام وخير بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية؟ فكان الجواب رغم اختصاره منيرا لحقائق محورية ومذكرا بالعلاقات المتميزة المتوازنة التي تتمتع بها دولة قطر مع كل من واشنطن وطهران.. لأن الأولى حليفة استراتيجية في الحرب على الإرهاب وإحلال الأمن والسلام في العالم باعتراف الإدارة الأمريكية والثانية جارة مسلمة منذ الأزل إلى الأبد تفرضها الجغرافيا كما يفرضها التاريخ. أشار سعادته إلى أن هذه الحقائق الجغرافية والتاريخية هي التي يعتمدها حضرة أمير البلاد ويوجه دبلوماسية بلاده ومواقفها على ضوئها. 

وفي نفس اليوم صرحت الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض (جين كاسي) ومعها في نفس الساعة (نيد برايس) المتحدث باسم الخارجية بأن غاية الرئيس بايدن هي التمسك بحل الملف بالطرق الدبلوماسية، ثم من جهة أخرى يعتقد خبراء العلاقات الدولية أن فوز الرئيس جو بايدن بالبيت الأبيض أطفأ فتيلا خطيرا كان مشتعلا بين أمريكا وإيران.. أي في الحقيقة أجهض بايدن مخططا مخيفا لا يبشر بخير غايته شبيهة بغاية (بوش الإبن) حين ورط دولته في غزو العراق وتدمير جيشه ومجتمعه المدني بحجج واهية ثبت بعد سنوات أنها كاذبة، لأن العراق لم تكن لديه أسلحة للدمار الشامل ولا علاقة لحزب البعث العراقي بالقاعدة.. ولكن غفلة صدام حسين عن الحقائق وغزوه الغبي للكويت قدماه ضحية سائغة للمخططات الإسرائيلية وخارطة طريق المحافظين الجدد حتى وقع ما دونه الجنرال (شوارسكوف) في مذكراته المنشورة أخيرا.. أي وقع في فخ نصب له بغاية "إعادة العراق إلى ما قبل التاريخ! 

 

يعتقد خبراء العلاقات الدولية أن فوز الرئيس جو بايدن بالبيت الأبيض أطفأ فتيلا خطيرا كان مشتعلا بين أمريكا وإيران.. أي في الحقيقة أجهض بايدن مخططا مخيفا لا يبشر بخير غايته شبيهة بغاية (بوش الإبن) حين ورط دولته في غزو العراق وتدمير جيشه ومجتمعه المدني بحجج واهية ثبت بعد سنوات أنها كاذبة

 



نعم هكذا حرفيا" وهذا التحليل الموضوعي لأمل السلام بين الغرب وإيران نقرأه في المجلة الأسبوعية الأمريكية (إكزيكيتيف أنتليجنس ريفيو) وهي المجلة الأشهر في العلاقات الدولية حسب (نورمان بايلاي) عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي الأسبق وهي المجلة التي أتشرف بأنها تنشر بعض مقالاتي مترجمة عن صحيفة الشرق القطرية. 

يقول رئيس تحريرها بأن الرئيس بايدن يتجه اليوم إلى تجنيب منطقة الشرق الأوسط كارثة حرب غير مأمونة العواقب وسوف لن تلتزم حدود الإقليم الخليجي أو الشرق أوسطي ورأينا خلال الأسبوع الماضي تغييرا مهما في المشهد الإيراني، حيث قدمت طهران للولايات المتحدة والدول الموقعة معها على الاتفاق الأصلي حول النووي الإيراني (2015) مقترحا بالتخفيض في نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20%، مقابل إيقاف العقوبات المسلطة على إيران وعودة واشنطن إلى المعاهدة.

 

ثم شهدنا توقيع "معاهدة القرن للشراكة الاستراتيحية" بين وزيري خارجية الصين وإيران (حسب تعريف البيان المشترك) وهي في جوهرها معاهدة في 87 صفحة تدوم ربع قرن وتحتوي على بنود معلنة وأخرى غير معلنة، وهو ما يدعو جميع أطراف الملف النووي الإيراني إلى إعادة النظر في مواقفهم وترجيح كفة الأمن والسلام بالطرق الدبلوماسية لا بالتهديد الإسرائيلي بقصف المفاعلات الإيرانية كما وقع في العراق حين قصفت إسرائيل المفاعل النووي العراقي تموز(7 حزيران / يونيو 1981) لأن طهران استفادت من غفلة العراق وتهيأت لكل الإحتمالات حتى الأكثر خطرا.. ولن يستثمر أعداء إيران عنصر المفاجأة أو الضربة البرقية السريعة. 

ثم نعود إلى سؤال الصحفي الغربي الذي طرحه على سعادة وزير خارجية قطر حول إمكانية وساطة قطرية في هذا الملف، لأن السؤال ينطلق كما فهمنا من قراءة لأصول الدبلوماسية القطرية القائمة على خدمة السلام الإقليمي والدولي كما وقع في الملفات الأفغانية والسودانية واللبنانية والفلسطينية.. وهذا ليس رأيي الشخصي كراصد للسياسة القطرية والعربية عموما منذ ثلث قرن بل يتقاسمه معي بعض الزملاء من فرنسا والولايات المتحدة من خيرة خبراء العلاقات الدولية لأني أدركت من خلال استشارتهم بأنهم بحكم إطلاعهم على كواليس السياسات الخارجية اقتنعوا بما تتمتع به دولة قطر من دبلوماسية حكيمة وواقعية وذات مبادئ خولت لها درجات عليا من التوفيق في الملفات الإقليمية والقومية والعالمية التي توسطت فيها الدوحة بطلب من فرقاء مختلفين.. 

والجميع يعرف لقاء الدوحة بين فرقاء وطوائف لبنان في 21 أيار (مايو) 2008 (وكنت حاضرا فيها كمراقب) حين اتفق الأشقاء اللبنانيون على خارطة طريق وفاقية وخاصة أيضا على تلافي الفراغ الدستوري والرئاسي بانتخاب الرئيس ميشال سليمان وانطلقوا جميعا من بيان الدوحة لاستكمال عمل عظيم وهو إعادة إعمار جنوب لبنان بعد حرب إسرائيلية استهدفته وانتصر فيها اللبنانيون بإجلاء جيش (تساحال) وعملائه اللبنانيين وإحباط مشاريع استيطان صهيوني في جنوب لبنان تمثلا باحتلال أرض فلسطين! 

واللبنانيون يعرفون جهود دولة قطر دبلوماسيا وماليا في إعادة إعمار جنوبهم وتأهيله ليكون قلعة الصمود ورباط المقاومة حسب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي تدين كلها العدوان الإسرائيلي والتوسع الصهيوني المتطرف في أرجاء الوطن العربي شرقا وغربا ويمينا وشمالا.


التعليقات (0)