تقارير

حيفا.. مدينة التوت والأرجوان تقاوم على جبل الكرمل

مدينة حيفا من أكبر وأهم مدن فلسطين التاريخية- (فيسبوك)
مدينة حيفا من أكبر وأهم مدن فلسطين التاريخية- (فيسبوك)

أكسبها جبل الكرمل مشهدا رائعا مذهلا ومناخا معتدلا، وقد أعطت هذه المزايا الطبيعية المدينة بعدا اقتصاديا وعسكريا. وكان هذا الجمال والإبهار سببا في إثارة الأطماع الاستعمارية التي تعرضت لها المدينة عبر العصور التاريخية، بدءا بالغزو الصليبي وانتهاء بالهجمة الصهيونية.

تعد مدينة حيفا من أكبر وأهم مدن فلسطين التاريخية، تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وتبعد عن القدس حوالي 158 كم إلى الشمال الغربي. يبلغ عدد سكانها حوالي 272 ألف نسمة إضافة إلى 300 ألف يعيشون في الضواحي السكنية حول المدينة، ما يجعلها ثالث أكبر مدن فلسطين بعد القدس وتل أبيب، ويشكل اليهود الغالبية، بينما يشكل العرب من مسيحيين ومسلمين الأقلية بعد تهجير وطرد معظمهم في النكبة عام 1948.

 



موقعها جعل منها نقطة عبور وميناء بحريا من أهم الموانئ في فلسطين، كما جعل منها بوابة للمنطقة عبر البحر المتوسط، وهي ذات أهمية تجارية وعسكرية طوال فترة تاريخها، ولهذا تعرضت إلى الأطماع الاستعمارية، وتعد الآن مقر سكة الحديد الإسرائيلية الرئيسية.

أما اسمها فيرى البعض أنه جاء من كلمة حفا بمعنى شاطئ، وقد تكون مأخوذة من الحيفة بمعنى الناحية، ويرى البعض الآخر أن الأصل في الحيفة المظلة أو المحمية، وذلك لأن جبل الكرمل يحيط بها ويحميها ويظللها.
 
لم يرد ذكر حيفا في التوراة، ولكنها وردت في التلمود على صورة حيفه، ومعناه الفرضة والمرفأ. كذلك وردت في الكتابات التلمودية باسم سكيمينوس. وكان الصليبيون يطلقون على المدينة اسم كيفا  وسيكامينون ويعني باليونانية شجرة التوت، ولعل المدينة سميت بذلك لكثرة شجر التوت فيها. ويرجع أن آثار سكيمينوس واقعة في موقع تل السمك الذي يعلو البحر عند حيفا القديمة، وقد سمي بذلك لوجود كميات كبيرة من الأصناف البحرية عند قاعدته، ومنها استخرج الفينيقيون لون الأرجوان القرمزي.

ويذكر الإنجيل أن السيد المسيح وطئ أرض حيفا وباركها حتى مر بها مع السيدة مريم العذراء في طريقه من مصر إلى الناصرة. وقد اتبع الطريق الساحلية هربا من خطر الحاكم الروماني. وكانت هذه الطريق الساحلية الرومانية تمر بحيفا العتيقة، وتقطع مقام الخضر وتمر بالزورة، وتسير مع شاطئ البحر أمام باب الكنيسة اللاتينية. ومر بحيفا بولس الرسول في رحلته الثالثة قادما من عكا. وقد حفل جبل الكرمل منذ ظهور المسيحية بالنساك، ومنهم القديس يعقوب ناسك الكرمل.

واستوطن الإنسان حيفا منذ عشرات الآلاف من السنين حيث عثر منقبون على بقايا هياكل بشرية تعود إلى العصر الحجري وآثار حضارات العصر الحجري القديم.

 



وكانت حيفا في البدايات قرية صغيرة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد أسسها العرب الكنعانيون. وفتحت المدينة في عهد الأمويين عام 633 ميلادية، الأمر الذي شجع القبائل العربية على الاستقرار في فلسطين وفي مناطق الساحل الفلسطيني، وبقيت حيفا جزءا من الدولة الإسلامية طيلة العهد الأموي والعباسي والدولة الفاطمية. 

واستولى الصليبيون على بيت المقدس عام 1099 وبقيت حيفا في أيدي الفرنجة إلى عام 1187 حيث عادت للعرب وللمسلمين إثر انتصار صلاح الدين في معركة حطين في تلك السنة. وقبل سقوط عكا بأيدي الأوروبيين عام 1191 بقليل، أمر بهدم أسوار حيفا وحصونها بعد أن أخلتها حاميتها.  لكن حيفا الحديثة تأسست عام 1761 في مكان البلدة القديمة على يد القائد ظاهر العمر، والذي أسس إمارة شبه مستقلة عن العثمانيين في الجليل. وفي العهد العثماني، ازدهرت مدينة حيفا، وتأسس فيها أول مجلس بلدي عام 1873.

 

 


وبدأ الاستيطان الأجنبي في المدينة عام 1868 من قبل مجموعة عائلات ألمانية قادمة من جنوب غرب ألمانيا، وقد مهدت هذه المستوطنات في النهاية لإقامة أول حي ألماني على الطراز الحديث في المدينة، وهو حي "كارملهايم" في جبل الكرمل.

وهكذا ساهم الألمان في تطور مدينة حيفا من خلال ما جلبوه من وسائل وأساليب زراعية حديثة، إلا أنهم في الوقت نفسه كانوا يمثلون الحلقة الأولى من سلسلة الأطماع الاستعمارية، التي أدت في النهاية إلى إقامة الكيان الصهيوني الدخيل فوق الأرض الفلسطينية.
 
وبعد خروج بريطانيا منتصرة من الحرب العالمية الأولى عام 1918، أصبحت فلسطين خاضعة للانتداب البريطاني.

وقد ارتبطت حيفا بشبكة من الطرق المعبدة والسكك الحديدية التي ربطت فلسطين بسوريا والأردن ومصر والعراق ولبنان. وفي حيفا مطار جوي يربط المدينة بالمطارات الداخلية الأخرى في فلسطين وبالعالم الخارجي.

ووقعت المدينة بأيدي المنظمات اليهودية في 21 نيسان/ أبريل عام 1948، بعد عدة معارك ومجازر قامت بارتكابها المنظمات الإرهابية الصهيونية بحق السكان العرب في المدينة وضواحيها، نتج عنها طرد جماعي لمعظم هؤلاء السكان من أحيائهم، واستبدال أسماء الشوارع والمناطق العربية مباشرة بالعبرية.

 



كانت حيفا من كبريات المدن الفلسطينية قبل عام 1948، تضم 18 عشيرة و52 قرية، دمر منها العديد من القرى لإقامة المستوطنات الإسرائيلية، حيث أصبحت تضم 90 مستوطنة، وهي مركز صناعي وتجاري رئيسي. 

ويوجد بها ثاني أكبر مصفاة للنفط وتقوم عليها صناعات كيمياوية ضخمة، وتوجد فيها قاعدة أمريكية وترسو على ساحلها قطع من الأسطول السادس الأمريكي.

ومن أهم معالم مدينة حيفا المواقع البهائية إذ يوجد هناك 11 موقعا للبهائيين، وهي مرتبطة بمؤسس العقيدة البهائية. ومسجد الاستقلال الذي يعتبر من المساجد الأثرية التي تعود للحقبة العثمانية في فلسطين. ودير الكرمل وهو من المعالم التاريخية، والدينية، والسياحية في المدينة. وأيضا هناك كنيسة القديس يوحنا التي بنيت عام 1934، وتقع بالقرب من مدرسة مار يوحنا.

تعتبر أحياء وادي النسناس وعباس ومحطة الكرمل والكبابير والحليصا ووادي الجمال ووادي الصليب الأحياء العربية التي بقيت بعد النكبة، أو التي تحوي نسبة كبيرة من العرب. ولقد عملت بلدية حيفا بعد النكبة على إنشاء الكثير من الأحياء الأخرى للمستعمرين الصهاينة.

المراجع

ـ جوني منصور، شوارع حيفا العربية، 1999.
ـ نادر عبود، حيفا على مر العصور، 1985.
ـ حسين اغبارية، حيفا: التاريخ والذاكرة، 2001.
ـ مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، 1974.
ـ الجزيرة نت، 17/ 7/ 2006.
ـ موقع موضوع، 12 /7/ 2016.
ـ الموسوعة الفلسطينية، هيئة الموسوعة الفلسطينية.
ـ وثائقي اغتيال المدينة.. فلسطين تحت المجهر، قناة الجزيرة في قطر.


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم