أفكَار

جدل في السودان حول "سيداو" والمساواة بين المرأة والرجل

جدل في السودان حول واقع وآفاق حقوق المرأة بعد توقيع الحكومة على اتفاقية سيداو"- (الأناضول)
جدل في السودان حول واقع وآفاق حقوق المرأة بعد توقيع الحكومة على اتفاقية سيداو"- (الأناضول)

بدأت قضايا النسوية في السودان ومفاهيمها الفكرية في الظهور بوضوح على المشهد السياسي والاجتماعي منذ عزل نظام الرئيس عمر البشير عن السلطة، وتطرح مقاربات عديدة حول هذه القضايا دون الوصول إلى رؤية سودانية واحدة متماسكة حتى الآن في ظل مدارس فكرية عالمية متعددة بما فيها الرؤية الإسلامية، كما أسهم توقيع الحكومة السودانية مؤخرا على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" في إثارة مزيد من الجدل حول هذه المسائل ذات الأبعاد المعقدة في مجتمع متنوع وأحيانا شديد التباين بين حداثوية منتشرة في المدن وتقليدية موغلة في المحافظة ومنتشرة في الأرياف والمدن على السواء. 

ولما كانت قضايا المرأة من القضايا المستحدثة والقديمة في آن، فقد باتت تستحوذ على نصيب وافر من مناقشات العلماء المسلمين والباحثين والسيدات المدافعات عن حقوقهن وأوضاعهن في المرحلة السياسية الجديدة في السودان دون أن يغفلن الإشكاليات التي واجهتهن في عهد النظام المعزول، بيد أن الملاحظ في هذا الخصوص شبه اتفاق اليمين واليسار على أن هنالك الكثير من الإخفاقات الحادة التي حدثت لوضع المرأة في المشروع السياسي الذي طبقه العقل الإسلامي في النظام المعزول.

بالنسبة لكثير من المحللين، فإن صعود قضايا النسوية وغيرها من الموضوعات التي كانت مستبعدة عن النقاش العام في السنوات السابقة، مبررة ومفهومة لأن الشباب الثائر في السودان يطمح إلى تجربة جديدة، ونموذج ديمقراطي مختلف، ويطمحون في متنفس للتعبير عن التنوع والقبول بالآخر.

ويرى هؤلاء أن من المتوقع أن تتغير بعض القوانين التي سنها بعض الإسلاميين المحافظين والناشطين سياسيا، وبالتالي تظهر تيارات تغير القوانين للمصلحة الفئوية، كما حصل في دول إسلامية مثل المغرب وغيرها، كالتوقيع بدون تحفظات أو بتحفظات على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وتعرف اختصارا بـ (سيداو) وهو الأمر الذي سارت عليه الحكومة الانتقالية لكنها بالطبع عبرت عن تحفظات حول بعض بنود سيداو في ظل جدل حول مفهوم النسوية ومدى تمثيل الاتفاقية نفسها لطموحات المرأة السودانية في الحقوق والواجبات، فضلا عن تفاعل العقل السوداني النسوي مع القضايا البارزة في النقاشات العامة حاليا. 

 

لا وجود لعقل نسوي واحد في السودان

 

بالنسبة للباحثة في هذا المجال الدكتورة ناهد محمد الحسن، فإنه ليس صحيحا طرح السؤال عن عقل نسوي واحد سوداني وإنما الموضوعي الحديث عن الحراك النسوي المنظم الذي بدأ قريبا في حضن الحزب الشيوعي ثم نشأ في بقية الأحزاب السياسية الأخرى ونشأت حركات نسوية وبالتالي فهي ترتدي النظرية المعينة للحزب في رؤيته لقضايا المرأة وتعرض بإشكاليات حدود سقوفات الحزب ورؤيته.

وتضيف الحسن لـ"عربي21": "في السودان هنالك جيل جديد من الشابات والشباب لديهم رؤى لقضايا المرأة ومستقبل السودان مختلفة وبعضهم درسوا النسوية من الأكاديمية وعبر المعاناة والتجربة الشخصية والبحت في علاقات التسلط وغيرها وجميعهم يسعون نحو المساواة وتحسين وجودهم في الحياة السياسية وتغيير الواقع الاقتصادي وقوانين الأحوال الشخصية، وحديث كثير في اتجاه المواطنة والمساواة بين الرجال والنساء، وذلك بحكم معاناة النساء في المجتمع فإنهن الأكثر حساسية عن غيرهم إزاء قضايا الأقليات والتنوع الثقافي والأطفال والفئات الأقل حظا في المجتمع ولديهم حساسية تجاه الفساد المالي وبناء المجتمع لأنهن طيلة السنوات السابقة كانت لديهن مساهمات فاعلة في المنافي ومعسكرات النزوح وكن هن عماد الأسرة السودانية في كافة الظروف.

وترى الحسن التي صدر لها كتابا بعنوان: (حكايهن حكايتي) المرأة والدين عام 2017، أن النسوية هي وعي وفكر وثورة بمعنى أن هنالك وعي بوجود علاقات سلطة وقهر وامتيازات للرجال على النساء في غالبية المجتمعات الإنسانية والنسوية هي حالة الوعي بهذه الفجوة في الحقوق والواجبات وأن هنالك أسباب عديدة منها هيكلية متداخلة ومؤسسية وذكورية وثقافية تمعن في استدامة قهر النساء، وأن النساء في حاجة بالوعي بهذا الوضع والتحرر منه وثورة ضد أوضاع القهر وتفكيك هذه الأنظمة والتخلص منها، مشيرة أنه لا يوجد طريقة واحدة للوصول إلى هذا الهدف ولكن هو جزء من السعي الروحي للنساء للوعي بأوضاعهن والاستيقاظ ومعرفة مكامن قدراتهن والحصول على بصيرة تساعدهن على إعادة تعريف نفسهن داخل المجتمع وإعادة تعريف المجتمع من حولهن.
  
وتنظر الدكتورة ناهدة الحسن إلى اتفاقية "سيدوا" التي وقع عليها السودان بتحفظات، فرصة لوضع الحكومة السودانية أمام مساءلة مستمرة في رفع الحساسية إزاء قضايا النوع وارتداء عدسة الجندر في التعامل مع كافة القضايا مثل وضع الميزانيات العامة والتخطيط وتوزيع الأدوار ووضع القوانين، وهي تجربة مهمة جدا للسودان لأنها ترفد قضايا الحقوق والواجبات بفرصة كبيرة للتغيير.

لكنها تشير إلى أن هذه النظرة للأتفاقية لا يغيب عنها كونها مثل أي اتفاقية للأمم المتحدة وهي مرتبطة بالأجندات العالمية حول قضايا حقوق الانسان التي تخضع أحيانا على معايير مزدوجة في التعامل مع الدول والتحكم فيها وفي مصائرها.

 

جزء من ليبرالية جديدة

من ناحيتها تفسر الدكتورة سهير صلاح رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري صعود القضايا النسوية في المشهد السياسي بأنه جزء من صعود منهج متكامل هو الليبرالية الجديدة التي تسعى لتدمير منظومة الأسرة والتي هي النواة الصلبة للمجتمعات. 

 

وتقول صلاح لـ "عربي21": "إن هذه المجتمعات مستهدفة بقيم مخالفة للقيم المحلية لها من دين وثقافة محلية ومحاولة دمجها في منظومة القيم الليبرالية الجديدة، ويريدون للمجتمعات أن تكون نسخة واحدة مسلوبة الارادة تابعة لهم، "سوق فقط ".

وترى أن المجتمع السوداني واحد من هذه المجتمعات المستهدفة بالقيم الجديدة وهو مجتمع متدين ومحافظ بطبعه، لكن هنالك شريحة من نساء السودان تدين بالليبرالية الجديدة وتريد فرضها إما بسياسة الأمر الواقع أو بالاتفاقيات الدولية، أو بالعمل داخل المجتمع تدرجاً عبرا منظمات المجتمع المدني التابعة لهم.

وتعتقد صلاح أن العقل النسوي في السودان بغالبه على درجة عالية من الوعي والإدراك بذاته وثقافته وفطرته وتدينه، وعلى درجة عالية من الوعي والإدراك بما يحاك له والتحديات التي تواجه المجتمع سواء كانت تحديات داخلية أو خارجية. والحالات التي تبرز على الواجهات الإعلامية أو وسائل التواصل الاجتماعي هي حالات شاذة قليلة جدا، لكنها تجد صدى واسع لغرابة الطرح وشذوذ الفكرة عن قيم هذا المجتمع.

وبالنسبة للدكتور سهير صلاح فإن النسوية نفسها مفهوم نشأ وتأسس في سياق تاريخي وثقافي محدد منذ أكثر من قرنين من الآن بسبب القهر والاضطهاد الذي عانت منه المرأة في الغرب والتي لم تكن تعامل معاملة إنسان في الوقت الذي نالت فيه المرأة المسلمة قبلها بقرون طويلة حقوقها كاملة صيانة لكرامتها وحقوقها وواجباتها وتكاليفها الشرعية. 

وتطورت النسوية في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى والثانية وظلت تتطرف في مطالباتها بقدر الظلم الذي تعرضت له في الغرب وظلت مطالباتها بالمساواة في الأجر للعمل المتساوي مع الرجل مطالب لبعض النساء حتى يومنا هذا، اضافة لحقوق التملك والميراث، لهذا انعكس هذا الواقع على حياة النساء في المنظومات الدولية دون مراعاة للفروقات القيمية.

 

عقل نسوي منفتح


بالنسبة للناشطة السياسية الدكتورة شذى عمر الشريف، فإن العقل النسوي عقل متفتح يتفاعل مع كل قضايا المجتمع بوعي وإدراك شديد مستصحبا معه كافات المتغيرات ويتأقلم مع العادات والتقاليد، موضحة أن التساؤل عن مفهوم النسوية في حد ذاته خطأ لأن المرأة جزء من المجتمع ومن قضاياه ومشاكلهم وتتفاعل مثل الرجل في الغالب، وتضيف: "صحيح هناك قضايا نوعيه خاصه بالمرآه تحل في وقتها"، ولكن لا يوجد مفهوم خاص بـ "النسوية أو الرجولية".

ورأت في حديثها لـ"عربي21" أن فكرة الأضداد هي التي عقدت قضايا المرأة والرجل على حد سواء، أبرزها ما جاء من تحفظات حول اتفاقية "سيداو"، مبينة أن للمرأة السودانية خصوصيتها والتي تستمد من الدور الكبير والمؤثر في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولديها مساهمات واضحه منذ قبل الاستقلال وبعد الاستقلال، فقد شاركت في الحياة السياسية وفي المواقع التنفيذية والتشريعية قبل عديد من الدول ما يؤكد على مستوى وعيها العالي وتدينها وتقديرها واحترامها للعادات والتقاليد، وهي شريك في العملية الاقتصادية علي مستوي الإنتاج والأفكار، ولكن ما يزال الطموح في زيادة نسبه المشاركة في مواقع اتخاذ القرار، وما تزال تعاني من نسبة عالية من الأمية  خاصة في مناطق الحرب والنزوح، فضلا عن المضايقات التي تتعرض لها جراء بعض العادات والتقاليد الضارة.

أما عزة علي محمد علي الباحثة والمهتمة بقضايا المرأة والعضو بمجموعة الإحياء والتجديد، فهي تنظر إلى صعود قضايا النسوية في المشهد العام السوداني بأنه إحدى وسائل الغرب لفرض هيمنتهم على المجتمعات وإحكام قبضتهم عليها وإعلاء سلطتهم وقوانينهم فوق القيم والمعتقدات وأديان هذه المجتمعات في جميع المجالات.

ووفقا لحديث الباحثة عزة مع "عربي21" فإن بعض النساء السودانيات تبنين هذا الفكر "المدمر" وساهمن بنشره دون وعي منهن وإدراك لأهدافه وأبعاده، متجاهلات أنه لا يمكن الإتيان بأي حل لأي قضية لمجتمع تضمه مساحة جغرافية معينة دون عمل دراسة حقيقية وشاملة من واقع المجتمع وطبيعة المشاكل التي يواجهها وأسباب تواجدها وتفاقمها، ومن ثم إسقاط حلول متناسبة مع طبيعة المشكلة والمجتمع.

وتعتقد بأنه لا يصح دراسة قضية المرأة بمعزل عن المجتمع والأسرة فهي أم وأخت وابنة وزوجة وأي خلل في طبيعة الحل يؤدي إلى خلل في المنظومة ككل، وترى أن هذه الحلول لا يمكن أن تتم بمنعزل عن الوحي بل بفهمه وإرساء معانيه الحق لكل المجتمع (نساء ورجالا) بأساليب متعددة وبتدرج متناسب مع طبيعة بعض المجتمعات في السودان دون التصادم الحاد معه.

وتشير إلى أن اتفاقية "سيداو"، لم تكن ولن تكون حلاً بل ستجرف مجتمعاتنا إلى هاوية الانحلال القيمي والأخلاقي وستكون مدخلا لمزيد من الكوارث، وأن لا عِزة للنساء أعلى مما سنه لها الشرع الإسلامي.


التعليقات (1)
أبوبكر محمد
الأحد، 20-06-2021 10:13 م
سيداو تقول المرأة تساوي الرجل والخالق الحكيم يقول المرأة لا تساوي الرجل. هذا الكون مصمم وفق قاعدة الزوجية، فالرجل صمم للقيام بالإنتاج المادي والمرأة صممت للقيام بالإنتاج البشري والحياة بين الزوجين حياة تكاملية، إن سيداو لا تستطيع أن تجعل الرجل يقوم بعملية الإنتاج البشري فالمرأة أفضل من الرجل للعب هذا الدور بسبب التصميم الإلهي الذي حصه بها. لذلك لا يمكن أن تكون هناك مساواة فالمرأة دورها في الحياة معروف وواضح، والخالق الحكيم لم يرسل من النساء رسول وفي ذلك دليل واضح إلى ما ذهبنا إليه.