هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للكاتب ديفيد غاردنر، انتقد فيه موقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة من انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد.
ودعا الكاتب في المقال الذي ترجمته "عربي21"، الغرب لاستخدام أوراق الضغط، وإلا سحقت تونس تحت ركام الاستبداد العربي، وقارن بين موقفه من تونس ومصر التي يحكمها اليوم ديكتاتور. مشيرا إلى أن خسارة الديمقراطية التونسية ستكون كارثة.
وقال إن تونس، البلد الذي بدأت منه سلسلة الانتفاضات التي عرفت بالربيع العربي، ينهار. وقبل عقد كانت أول من قام بثورة بالمنطقة أدت لولادة نظام ديمقراطي. واليوم يواجه هذا البلد في شمال أفريقيا الذي ظل مخبرا للإصلاح منذ القرن التاسع عشر، يواجه خطر الانضمام إلى صفوف الدول الأوتوقراطية بشكل يضيف سحابة قاتمة على مستقبل العالم العربي.
وأضاف أن قرار قيس سعيد الذي انتخب في 2019 بعزل رئيس الوزراء، وتعليق عمل البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة وعزل وزير الدفاع والعدل، أدى إلى إفراغ المؤسسات الحقيقية في البلد، رغم ضعفها. وأطلق الكثير من التونسيين على هذه التحركات وصف انقلاب، و"بالفعل" هذا ما حصل، لكن هناك كثيرون رحبوا بها كخطوة لإنهاء الفوضى.
ويرى غاردنر أن سعيد قد داس على اتفاق التشارك في السلطة الذي تم في 2013- 2014 ويقوم على قيادة ثلاثية: الرئيس ورئيس الوزراء والبرلمان. ويتم حذف الصيغة من أجل خلق محكمة دستورية تفصل في المواد مثل المادة 80، التي تعطي الرئيس تسلم السلطة في الظروف الطارئة، ولكن بعد استشارة مع رئيس الوزراء ورئيس البرلمان. لكن سعيد قفز قفزته في الظلام، متجاوزا توزانات السلطة وضوابطها التي كان يريد تدميرها. وعزل هشام المشيشي، رئيس الوزراء المستقل وتجاهل رئيس البرلمان راشد الغنوشي وزعيم حركة النهضة الإسلامية، التي تخلت عن السلطة في 2013 للسماح بالتشارك في السلطة.
اقرأ أيضا: دول ترغب بالتأثير على تطور أحداث تونس.. ما موقف الإمارات؟
لكن التونسيين الذين حلموا بتونس حية بعد التخلص من زين العابدين بن علي في ثورة الياسمين يعيشون حالة إحباط. وهبطت الثقة بحكومتهم بعد فشلها في مواجهة الفساد وخلق اقتصاد شامل وتوفير المواد الأساسية، وحتى قبل فشلها الكارثي بمواجهة كوفيد-19، وبحلول الربيع، كانت الثقة أسوأ من تلك في الدول الفاشلة مثل ليبيا ولبنان والعراق.
ووصف صفوان المصري، من جامعة كولومبيا ومؤلف كتاب "تونس: شذوذ عربي"، ما حصل بأنه "مثير للقلق وسبة لكل المكاسب الديمقراطية الثورية التي تحققت خلال العقد الماضي".
وأضاف أن سعيد "ليست لديه السلطة الدستورية للقيام بهذا، وهذا انقلاب"، وقال إن الاضطرابات المتزايدة في تونس لديها شبه قليل بالتظاهرات التي حدثت في مصر ضد الإخوان المسلمين بعد ثورة ميدان التحرير، التي أسقطت حكم حسني مبارك وانتخاب محمد مرسي كرئيس. وبدلا من حكم الجميع اتجه الإخوان للسيطرة على مؤسسات الدولة. لكن راشد الغنوشي، 80 عاما والزعيم الإسلامي المخضرم، دعا أنصاره لعدم النزول إلى الشوارع تجنبا لاستفزازات دموية من الذين يقفون وراء الأحداث. ودعا بدلا من ذلك للحوار.
وفي مصر، قادت التظاهرات التي خرجت بتشجيع من الجيش إلى انقلاب أدى لوصول عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش وتحول لحاكم مطلق للبلاد حتى هذه اللحظة. وأصبح الجيش الأداة الاقتصادية القوية في البلاد، مع أن الولايات المتحدة تواصل تمويله سنويا بـ 1.3 مليار دولار.
ويقول الكاتب؛ إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تبنيا موقفا مراوغا عندما قام السيسي بتحركاته، يمارسان الموقف نفسه مع تونس، ويحاولان فهم اتجاه الريح. وهذا موقف يعبر عن ضيق نظر. فعدم قدرة التيار الإسلامي الرئيسي في الحصول على مكان في التيارات الديمقراطية، سيكون كارثة على مستقبل العالم العربي. وهو ما يعطي المتطرفين ورقة رابحة تجعلهم يجادلون أن الديمقراطية ليست ميتة، بل ومحرمة.
اقرأ أيضا: التايمز: الغرب يحذر سعيّد ويطالبه باحترام الدستور والمؤسسات
وظلت تونس مختلفة، فعلى مدى قرن ونصف، بنت مؤسسات، بما فيها اتحادات العمال وطبقت إصلاحات، وفرت تعليما نوعيا ومساواة واسعة للمرأة، وأخرجت الدين من المجال العام. ورغم فوز حركة النهضة عام 2011، وافقت تحت ضغوط من اتحادات الشغل والمجتمع المدني على التنحي عن السلطة في 2013، وأطلق أفرادها على أنفسهم "الديمقراطيون الإسلاميون".
ولاحظ المصري أن "تونس ليس لديها جيش نافذ مثل مصر. وظل الجيش يؤدي دور الوسيط بين المؤسسات الديمقراطية القوية، وهو ما يعطيني أملا". ويعتقد الكاتب أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يزال لديهما نفوذ يمكن استخدامه في تونس، وسيكون كارثة لو لم تستخدمه وتركته ينزلق تحت ركام الاستبداد العربي. ويحتاج الغرب لسياسة تعامل مع الشرق الأوسط، وليس موقفا يقوم على رد الفعل، والشعور بالراحة من خلال التعامل مع الرجل القوي، وليس المؤسسات الضعيفة المفترض التعامل معها. وخسارة تونس ستكون كارثة.