هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لكارلوتا غال، قالت فيه إن تونس التي قادت ثورة وأطاحت بديكتاتور عام 2011، وأشعلت لهيب الربيع العربي تجاهل الغرب مشاكلها الاقتصادية، مركّزا بدلا من ذلك على "التطرف".
وقالت الصحيفة، إن تونس بعد عشرة أعوام من الثورة الشعبية فهي لا تزال تعتبر قصة النجاح الوحيدة التي ظهرت من اضطرابات ذلك العصر، فقد رفضت التطرف والحروب المفتوحة ومنعت الثورات المضادة وحصل قادة المجتمع المدني فيها على جائزة نوبل للسلام لدورهم في بناء الإجماع.
ورغم كل الثناء فإن تونس البلد الصغير في شمال أفريقيا والذي لا يتجاوز عدد سكانه الـ11 مليون نسمة لم يكن قادرا على حل المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي قادت إلى الانتفاضة في المقام الأول. ولم يحصل على دعم غربي مؤكد، وهو أمر ربما ساعد على عملية الانتقال من ظلم الديكتاتورية إلى ازدهار الديمقراطية.
ويقول محللون وناشطون إن الغرب تجاوز في اللحظة الحرجة للتحول ومحاولة تونس إعادة البناء، الكثير من احتياجاتها الماسة مركزا بدلا من ذلك على قتال ما أسموه "التطرف الإسلامي".
واليوم يواجه التونسيون آخر الاضطرابات التي بدأت عندما قام الرئيس قيس سعيد بعزل رئيس الوزراء وتعليق البرلمان، وهي إجراءات قسمت التونسيين بين داعم وشاجب. وانقسمت الأحزاب السياسية حول قانونية سيطرته التنفيذية على السلطة فيما يحاول الناشطون ودعاة حقوق الإنسان الحفاظ على سيادة تونس وبقاء أهداف ثورة 2011 حية، ودعوا العالم الخارجي إلى مراقبة ورصد التطورات في البلد، لكن حقيقة ترحيب التونسيين الذين ملوا من قادتهم وسط أزمة اقتصادية عميقة وموجة وباء هي إشارة عن الأوضاع السيئة التي وصلت إليها البلاد.
ونقلت الصحيفة عن فاضل قابوب، أستاذ الاقتصاد في جامعة أوهايو، قوله: "حققنا تقدما ضخما على صعيد الحرية والجبهة السياسية رغم كل الأزمات، ولكننا أبقينا على نفس النظام الإقتصادي الذي أنتج عدم المساواة وأزمة الدين التي أدت إلى استبعاد اجتماعي اقتصادي ثار عليه الشعب".
اقرأ أيضا: MEMO: إلقاء اللوم على "النهضة" مضلل ولن يحل الأزمة
ويعتبر قابوب واحدا من عدة تونسيين يتساءلون عن الطريقة المألوفة التي يتعامل فيها الغرب مع حالات الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. ويقولون إن النهج أنتج مجموعات مصالح مالية وثورات مضادة. وفي الأسواق الناشئة أدى إلى فورة في التقدم الاقتصادي تبعتها عودة إلى الضعف.
وفي تونس يقول قابوب إن "العاصفة التامة على الجبهة الاقتصادية" تتجمع منذ وقت. ومشكلة تونس الكبرى هي الدين الخارجي الذي ورثته عن الديكتاتورية السابقة. ومن أجل خدمة الدين أجبرت الحكومات المتعاقبة للتركيز على توفير العملة الصعبة.
ومنذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، شهدت تونس نموا علق بين الشمال العالمي والجنوب، حيث تقوم الدول الفقيرة بتصدير المنتجات الزراعية الرخيصة والمواد الخام مقابل استيراد الطاقة المكلفة والبضائع الصناعية للأغنياء فقط. وكانت النتيجة حفرة لم تكن تونس قادرة على الخروج منها، رغم الدعوات بعد الثورة التونسية للحكومة الجديدة لإلغاء "الديون البغيضة" أو غير القانونية (وهي الديون التي راكمها النظام الديكتاتوري وبالتالي فهي ليست محلا للسداد)، وقرر المشرعون الجدد في تونس عدم مواجهة الدائنين في أوروبا خشية على العلاقات. ولم يبذل المشرعون جهودا لتغيير بنية النظام الاقتصادي الذي يستورد أكثر مما يصدر، وعادة ما تدفعه المصالح الخاصة التي تحتكر استيراد سلع خاصة.
وبدلا من استخدام أراضيها الخصبة لزراعة القمح، فقد استخدمتها تونس مع المياه لزراعة الفراولة كي تصدرها للخارج، ثم تستورد الطاقة والطعام لدعم صناعة السياحة، حتى بعدما ثبت أن هذا غير قابل للاستمرار بعد الهجمات الإرهابية ووباء كورونا.
ويرى المحلل التونسي محمد ضيا حمامي الذي درس المرحلة الانتقالية إن معظم البرامج الاقتصادية التي طرحت كانت مثل البرامج التي طبقتها دول أوروبا الشرقية بعد مرحلة الشيوعية، وحملت نفس العيوب و"لم تمنع ظهور مجموعات المصالح، ولم يكن مستغربا رؤية نفس المشاكل لأن السياسات متشابهة".
وقالت مونيكا ماركس، أستاذة سياسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك، فرع أبو ظبي ولديها خبرة طويلة في تونس، إن هناك قلة معرفة لدى المسؤولين الغربيين بتونس وهو ما عرقل المساعدة. وأضافت: "لاحظت هذا مباشرة بعد 2011، ولم يكن لدى الولايات المتحدة وبقية الديمقراطيات الغربية أي معرفة بالسياسة التونسية".
وأضافت ماركس أن موضوعات بنيوية مثل إصلاح القطاع الأمني والقضائي والإعلامي ومعالجة البطالة بين الشباب كانت يجب أن تكون الموضوعات الرئيسية للانتقال بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بديكتاتورية زين العابدين بن علي التي استمرت 23 عاما. إلا أن المسؤولين الغربيين أبدوا هوسا في موضوع الإسلاميين- وبخاصة حزب النهضة الذي فاز بالانتخابات، وأين سيذهبون ومن يمثلون.
وقالت ماركس: "في الحوارات فإن هذه الأسئلة سحبت الأوكسجين من الغرفة، ولم يكن هناك مجال لطرح أي سؤال آخر".
وفي مرحلة أخرى ركز الغرب على بناء الإجماع بين القادة السياسيين في تونس، حيث تم منح أربع منظمات جائزة نوبل في 2015، لدرجة تحول الأمر إلى شذوذ، وبعد ثورة 2011 أسرع تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة إلى بناء شبكات. وظهر "الإرهاب" للعلن في 2012 عندما تعرضت السفارة التونسية لهجوم. وتبع ذلك في السنوات اللاحقة خلايا متطرفة قامت بتنفيذ هجمات انتحارية واغتيالات هزت التفاؤل بين التونسيين وكادت أن تعطل عملية الانتقال الديمقراطي.
اقرأ أيضا: FT: على الغرب استخدام أوراق نفوذه قبل ضياع تونس
ووجهت عملية قتل جماعي على منتجع ساحلي ومتحف باردو في العاصمة تونس، ضربة لقطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية. ودخلت الولايات المتحدة وقدمت الدعم الأمني الضروري وقدمت تدريبا ومعدات عسكرية لقوات الأمن التونسي في برنامج كان الأنجح منذ 2001، مع أن التعاون كان سريا حيث لم تكن القوات الأمريكية واضحة.
وبحلول 2019 وصل عدد الأمريكيين الذين يدربون ويقدمون النصح لنظرائهم التونسيين إلى 150 ضابطا، ووصف مسؤولون أمريكيون البرنامج بأنه من أكبر المهام التي قامت بها الولايات المتحدة في قارة أفريقيا.
وزادت واشنطن المساعدات العسكرية للبلد من 12 مليون دولار عام 2012 إلى 119 مليون دولار عام 2017. وساعد الدعم الأمريكي تونس على مواجهة التهديد الإرهابي، لكن وزراء الحكومة لاحظوا أن مواجهة "الإرهاب" وإن لم يكن عنه بد فإنه حرق جزءا كبيرا من الميزانية الوطنية.
ومشكلة تونس الباقية كما يقول قابوب هي بنية الاقتصاد. فكل الأحزاب السياسية لديها نفس الخطط الاقتصادية التي تقوم على معايير التمويل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وهي نفس الخطط التي استخدمها بن علي.
وقال قابوب: "في الوقت الحالي، الجميع في تونس يناشدون صندوق النقد الدولي منحهم قرضا، باعتبار أن هذا حل للمشكلة لكنها مصيدة، وهي مجرد إسعاف أولي لكن العدوى لا تزال قائمة".