هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية تقريرا، تحدثت فيه عن محاولة روسيا منع إراقة الدماء في جنوب سوريا، وسط محاولات دمشق فرض السيطرة الكاملة على المحافظة، التي يُطلق عليها لقب "مهد الثورة السورية".
وقالت الصحيفة، في تقريرها
الذي ترجمته "عربي21"، إن موسكو حاولت طوال ثلاث سنوات منع تطهير محافظة
درعا من خلال المصالحة وليس الحلول العسكرية، مثلما حدث في ضواحي دمشق. وخلال
فترات وقف إطلاق النار القصيرة، حاول المئات من السوريين الخروج من درعا؛ خوفًا من
تنفيذ الجيش السوري عملية عسكرية جديدة. وقد طالبت اللجان المحلية في درعا مجلس
الأمن الدولي بالتدخل.
استعادت السلطات السورية رسميا السيطرة على
محافظة درعا الجنوبية في صائفة 2019، وكان القيام بذلك ممكنا بمساعدة موسكو، دون
اللجوء إلى تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق، تماما مثلما حدث في ضواحي دمشق، حيث
كان الرهان على المصالحة الوطنية. ونتيجة لذلك، غادرت بعض فصائل المعارضة السورية
المحافظة، والتحق بعضها باللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، الذي يرأسه القائد
السابق لجماعة شباب السنة المعارضة أحمد العودة. ومع أن وضع هذا اللواء خاص، ويدخل
بشكل دوري في مناوشات مع القوات الحكومية في درعا، إلا أنه شارك أيضا في عمليات
دحر العناصر المتطرفة.
وذكرت الصحيفة أن العديد من ممثلي المعارضة
دخلوا في مفاوضات مع الجيش الروسي بضمانات قدمتها موسكو، وأكدت روسيا التوصل إلى
اتفاقات مصالحة بين دمشق والمعارضة، وشمل الاتفاق الحفاظ على هيئات الحكم الذاتي
المحلية، والإفراج عن السجناء الأبرياء من الأنشطة الإرهابية، ووضع حد لاضطهاد
ممثلي المعارضة.
في مقابلات لها مع صحيفة
"كومرسانت"، أشارت مصادر في مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة في
سوريا في العديد من المناسبات إلى أن الجيش الروسي مجبر على التصرف في درعا
"كممرضة في روضة أطفال"، حيث يعملون على حل النزاعات، وبعد مغادرتهم
تشتعل الصراعات بقوة مجددا.
وأشارت الصحيفة إلى أن درعا تحولت خلال ثلاث
سنوات إلى بؤرة من المشاكل المتشابكة التي لم يقع حلها حتى الآن، بما في ذلك
الدمار الذي خلفته السلطات المركزية في فترة ما بعد الحرب، والموقف المتغطرس تجاه
السكان بسبب أعمال جماعات قطاع الطرق والعناصر المتطرفة التابعة للمعارضة، فضلا عن
تفكيك اللواء الثامن من قبل وحدات نظامية من الجيش السوري وقوات الأمن والقوات
الموالية لإيران التي تعمل لصالح النظام السوري.
وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ
من لندن مقرا له، وقوع أكثر من 1.1 ألف هجوم استخدمت فيها الأسلحة النارية
والعبوات الناسفة في المحافظة من حزيران/ يونيو 2019 إلى حزيران/ يونيو 2021. وقد
أسفرت هذه الحوادث عن وفاة أكثر من 760 شخصًا، من بينهم 218 مدنيًا. على خلفية
ذلك، دعا النشطاء في درعا إلى تجاهل الانتخابات الرئاسية السورية المنعقدة في
أيار/ مايو الماضي، وغلق العديد من مراكز الاقتراع.
وفي نهاية حزيران/ يونيو، طالبت السلطات سكان
منطقة درعا بتسليم أسلحتهم. عقب رفضهم، أغلقت القوات الحكومية العديد من الأحياء
التي يعيش فيها 11 ألف أسرة. بعد شهر، انتشرت وحدات عسكرية إضافية في درعا، من
بينها قوات فرقة الدبابات الرابعة، المعروفة باسم فرقة ماهر الأسد. وقد أسفرت
العمليات القتالية التي جرت الأسبوع الماضي في درعا عن مقتل 28 شخصا بينهم 11
مدنيا (بينهم أطفال)، ونزوح أكثر من 2.5 ألف شخص.
وأوردت الصحيفة أن الجيش الروسي كان يأمل بحل
الأزمة في درعا من خلال المفاوضات. وحسب ما أوردته صحيفة "الشرق الأوسط"
السعودية، عارضت موسكو العملية العسكرية في المحافظة، غير أن دمشق لم تستجب
للتحذيرات. وحسب الصحيفة، خلال زيارته لدرعا في أواخر شهر تموز/ يوليو الماضي،
أبلغ اللواء ألكسندر زورين القائد أحمد العودة بأن روسيا لن تدعم عمليات الجيش
السوري في المحافظة. رغم فشل عدة جولات من المفاوضات، لا يزال مركز المصالحة
الروسي يواصل عمله في درعا.
اقرأ أيضا: مع إصرار نظام الأسد على شروطه.. هل تحسم روسيا الوضع بدرعا؟
تداولت منصات التواصل
الاجتماعي السورية خبر وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة في المحافظة، في حين يحاول
ممثلو الأطراف المتنازعة التوصل إلى حل، مع أن السكان المحليين لا يعلقون آمالًا
كبيرة على نجاح المفاوضات. وقد رفضت المعارضة مقترحات دمشق، التي تتمثل في سيطرة
الجيش الكاملة على مدينة درعا، ووضع حواجز للجيش في جميع أنحاء المحافظة، ورفع
العلم السوري الرسمي فوق أحد مساجد المدينة، واعتبرتها مهينة.
وأشارت الصحيفة إلى أن السلطات لم تستجب لطلب
لجان التفاوض المحلية بعدم تجنيد الشباب من المحافظة في الجيش النظامي، كما أصرت
اللجان على انسحاب الفرقة الرابعة من المدينة، وتقديم مقاتليها للعدالة؛ لمحاسبتهم
على جرائم قتل السكان المحليين.
وروسيا الآن مدعوة للسيطرة
على الوضع. ووفقا لمصادر عربية، فإن الجيش الروسي سيوافق على ذلك في حال تنظيم
نقاط التفتيش في درعا من قبل فيلق المتطوعين الخامس وليس من قبل الجيش، الأمر الذي
لن تقبل به دمشق.
وحسب أحد قادة المعارضة السورية المسلحة،
العقيد فاتح حسون: "يريد نظام الأسد وإيران احتكار السيطرة الأمنية في الجنوب،
وفرض شروطهم علينا. بالنسبة لسكان درعا، هذه معركة من أجل الوجود. نحن لا نظن أن
روسيا خدعتنا عندما فشلت في الوفاء بالتزاماتها تجاه سكان درعا، وكل ما في الأمر
أنها تراجعت أمام النظام وإيران". وتابع حسون: "فليكن هذا بمثابة تحذير
لأولئك الذين يعتبرون روسيا ضامنة لعملية السلام".
نقلت الصحيفة عن الخبير الروسي المختص في
قضايا الشرق الأوسط، كيريل سيميونوف، أن الأحداث في درعا لا تعكس فشل سياسة
المصالحة الروسية، لا سيما في ظل استمرار المفاوضات. وسمعة روسيا كوسيط في نظر
المعارضة السورية والمجتمع الدولي، على حد سواء، تعتمد على تطور الوضع في درعا.