هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
توالت التنديدات الحقوقية والسياسية بعد إصدار محكمة عسكرية مصرية أحكاما بالمؤبد، وصفت بالفجة والصادمة، بحق العشرات من معارضي الانقلاب العسكري، بدعوى تصوير قاعدة جوية عسكرية في مدينة بلبيس الصحراوية بمحافظة الشرقية شمال القاهرة.
وقضت محكمة شرق القاهرة العسكرية، الاثنين، بمعاقبة 67 معارضا بالسجن المؤبد (21 حضوريا و46 غيابيا)، ومعاقبة 9 بالسجن المشدد لمدة 15 عاما، ومعاقبة 19 بالسجن المشدد 10 سنوات، ومعاقبة 66 بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات، ومعاقبة معارض واحد بالسجن لمدة 15 عاما، ومعاقبة 4 آخرين حدث بالسجن لمدة 3 سنوات، وانقضاء الدعوى الجنائية بحق متهمين اثنين لوفاتهما.
وتضمن قرار الاتهام حصول المتهمين، وعددهم 168، بوسيلة غير مشروعة على سر من أسرار الدفاع عن البلاد، من خلال التقاط صور بواسطة هاتف محمول مزود بآلة تصوير لقاعدة بلبيس الجوية، تمهيدا لاستهدافها، كما كشفت الأوراق وضع المتهمين عبوة ناسفة بجوار قصر القبة بالقاهرة.
أحكام كيدية ومسيسة
علقت المديرة التنفيذية للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، هبة حسن، بالقول: "للأسف، فجاجة الأحكام المدنية والعسكرية في مصر فاقت كل منطق وعقل، وهذا ليس بالجديد، بل هو نفس النهج المتبع منذ تموز/ يوليو 2013، لتتحول السلطة القضائية إلى مجرد أداة للسلطة التنفيذية، رامية بعرض الحائط القانون والأعراف القضائية والعدالة".
وأضافت حسن لـ"عربي21": "أحكام المؤبد، وقبلها الإعدام، تتزايد كما لو كانت قرارات بحبس لأيام، وبتسارع ونسب مخيفة جدا، لتصل مصر للمرتبة الثانية على مستوى العالم في أحكام الإعدام، وتصبح العدالة والقانون في مصر مثار انتقاد، بل وشك كامل عالميا"، مشيرة إلى أن "مثل هذه الأحكام باتت غير قابلة للنقض، وهو مخالف للدستور والقانون، ما يؤكد أنها أحكاما كيدية ومسيسة".
وبحسب الحقوقية المصرية، فإن "تزايد هذه الأحكام ولسنوات طويلة على المتهمين، هي محاولة لحجب حرية هؤلاء أطول فترة، وتدمير مستقبلهم ونفوسهم داخل السجون غير الآدمية، لضمان عدم سماع أصواتهم المعارضة من جهة، والتخويف لكل من يفكر في الاعتراض والمطالبة بحرية أو عدل في البلد".
خصم وحكم
عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب سابقا، ممدوح إسماعيل، فند تلك الأحكام، وقال: "كان واضحا قبل الانقلاب أيام حكم د. مرسي -رحمه الله- أنه يوجد فريق من القضاء ترك منصة القضاء ووظيفته في تحقيق العدالة وراء ظهره، وبعد الانقلاب استخدم العسكر القضاء كأداة استئصال للمعارضين، والحكم الأخير بالمؤبد على عشرات المعارضين سبقه تأييد حكم بالمؤبد من محكمة النقض على العشرات من المتهمين المجنى عليهم في مذبحة رابعة".
وأضاف لـ"عربي21": شهدت المحاكم المصرية لأول مرة في تاريخها، إصدار حكما بإعدام 528 مواطنا في محافظة المنيا في قضية سياسية، وهو الحكم الذي أعاد للأذهان حكم محكمة دنشواي بالإعدام على أربعة فلاحين مصريين، والمؤبد لـ 12 شخصا، والجلد لخمسة آخرين، لكن المقارنة تجعل أيام الاحتلال الإنجليزي أفضل من حكم العسكر".
وأكد ممدوح، وهو محام مخضرم أيضا، أن "توالي أحكام الإعدام والمؤبد للمعارضين من المحاكم العادية والعسكرية، بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ القضاء المصري، أفقده مصداقيته محليا ودوليا، وكل المنظمات الحقوقية تؤكد أنه قضاء مسيس، ما دعا مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة لإصدار بيان ينتقد القضاء المصري".
وبشأن درجات التقاضي المتاحة أمام المحكوم عليهم، أوضح أن الحكم له درجة طعن مساوية للنقض، لكنها لا تغير من الحقيقة، والواقع أن القضاء مسيس، ومنصة القضاء فقدت وظيفتها في تحقيق العدالة تماما، وأصبحت خصما وحكما"، لافتا إلى أن "القضاء العادي والعسكري لا يختلفان في استخدام المنصة للانتقام السياسي واستئصال المعارضة".
"مهزلة"
من جهته، قال وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى سابقا، عز الدين الكومي، إن "هذه الأحكام ليست بمستغربه من قضاء مسيس، سواء كانت بالإعدام أو المؤبد؛ فقد سبق لمحكمة المنيا أن قضت بإعدام 528 من معارضي الانقلاب في محافظة المنيا".
وأضاف لـ"عربي21": "لذلك يمكننا القول إن هذه الأحكام الجائرة التي تصدر من القضاء المسيس، تفتقد لأبسط قواعد العدالة، ما يشي بأن القضاء في مصر أصبح مجرد عصا غليظة في يد السلطات الانقلابية، تستخدمه في معاقبة كل من يعارض الانقلاب".
ووصف البرلماني المصري تلك الأحكام "بالمهزلة"، قائلا: "هذه إحدى صور المهازل التي تعيشها مصر، القضاء المصري الذي كان يوصف بالشموخ يوما من الأيام لمواقفه الجليلة، صار اليوم مجرد ألعوبة في يد العسكر، وأصبح القضاة من أجل الحصول على الامتيازات يتماهى مع ما يطلبه العسكر، حتى ولو كان إزهاق الأنفس وسجن الأبرياء بتهم ملفقة ومعلبة جاهزة، في الوقت الذي يحرم فيه المتهم من الدفاع عن نفسه أو الحديث إلى موكله".