هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يستعد المغرب لإجراء رابع انتخابات بعد إقرار دستور 2011، انتخابات ذات أهمية بالغة بحكم أن من نتائجها تجديد كامل للمؤسسات المنتخبة من برلمان (مجلس النواب خصوصا)، ومجالس محلية وجهوية وغرف مهنية. تتجلى كذلك أهمية هذه الانتخابات في ظرفية إجرائها في ظل جائحة كورونا والتي غيرت الكثير من المفاهيم السياسية والاقتصادية وأعادت تعريف مفهوم الدولة المركزية بل جعلت منها، حجر الزاوية في التدبير والإدارة، وربما يكون ذلك على حساب المؤسسات المنتخبة، مما يعمق أكثر من أزمة الديمقراطية التمثيلية عالميا ووطنيا.
ليست الانتخابات مجرد محطة لتجديد المؤسسات وضخ دماء جديدة فيها أو إعادة انتخاب أعضائها الحاليين، ولكنها قبل كل شيء محطة لتقييم عمل المؤسسات والأحزاب أغلبية ومعارضة، والأهم من ذلك أن الانتخابات أمل، والأمل عامل مهم في الممارسة السياسية، إن وُجد أعطى زخما لها، وإن غاب غابت السياسية.
يقول Yascha Mounk وهو أحد أهم المفكرين السياسيين الشباب في العالم، إن الناس لا يصوتون على برامج أو حتى على أشخاص ولكنهم يصوتون لأنهم يؤمنون بأن السياق العام يساعد ويشجع على الممارسة السياسية. وفي نفس السياق يقول الصحفي الفرنسي المخضرم Alain Duhamel: عندما يكون المواطن أمام صندوق الاقتراع فإنه لا يصوت على من يجعله يفكر ولكن على من يجعله يحلم ويستشرف المستقبل.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هل هناك في الولاية التشريعية المنقضية والممارسة السياسية بشكل عام ما يجعلنا نحلم ونأمل؟
يصعب الجزم بذلك، فقد كانت السنوات الخمس الأخيرة، مرادفا لتردي الممارسة السياسية، حيث تراجعت الثقة في المؤسسات وتميزت بضعف كبير عند الفاعل السياسي. بدأت الولاية التشريعية الحالية بما سمّي "البلوكاج" مما جعل الحكومة الحالية من أضعف حكومات المغرب منذ عقود عديدة، وهذا رغم بعض الإنجازات والتي لن يتذكرها التاريخ. (لأن للتاريخ للأسف ذاكرة انتقائية، وهو يتذكر السياقات وينسى الإنجازات…).
ليست التوازنات الماكرواقتصادية (على أهميتها) من تخلق الأمل في مجتمع ما، ولكنها النضالات من أجل الحقوق والحريات والمساواة، وهي التي تجعلنا نتطلع للمستقبل بثقة. والواقع، وباستثناء تعميم التغطية الاجتماعية، لن نذكر الخمس سنوات الماضية، كفترة عرفت معارك كبرى من أجل النساء أو الفئات الهشة في المجتمع أو ضد الريع والاحتكار أو من أجل تعزيز الحريات السياسية ومحاربة الفساد، بل عشنا سنوات تعاقبت فيها فترات الركود والنكوص في الحقوق.
وسواء كان التشخيص عميقا أو سطحيا، فإنه يبقى منقوصا إذا لم نقدم الجواب على إشكالية المسؤولية. "من المسؤول عن هذا التردي الذي نعيشه؟".
يجب علينا أن نتسلح بالأمل، ليس لأنه يمنحنا وعودا ولكن لأنه لا يمكننا ان نتقدم من دون صبر ومثابرة، والأمل يمنحنا هذه الفضيلة. يجب أن نضع نصب أعيننا أن مسار الديمقراطية طويل وشاق وأنه لا يمكن أن تنام في ليلة 8 أيلول (سبتمبر) المقبل في الدار البيضاء وتستيقظ صبيحة الغد في كوبنهاغن!
وفي سياق تقديم الجواب لابد من تقديم تعريف مناسب للديمقراطية وإن تعددت تعريفاتها، لكن من أهمها أن بلدا ما يصنف (أويصبح) ديمقراطيا عندما يكون هناك توازنا بين الدولة والمجتمع. والحقيقة أننا نعيش في مرحلة تاريخية تستأسد فيها الدولة على المجتمع، وذلك حتى في الديموقراطيات العتيدة فما بالك بالمغرب…
يتحدث Geoffroy de Lagasnerie بإسهاب عن زمن الدولة وزمن المجتمع وكيف أن الدولة أصبحت هي من تفرض أجنداتها على المجتمع وعن الحركات الاجتماعية، والتي تحولت من وضعية هجومية حيث كانت هي التي تخلق النقاش، إلى وضعية دفاعية ، أكثر ما يمكن أن تقوم به هو الرد على فعل الدولة ومناهضة قراراتها. إن ضعف المجتمع وعدم التقاء أجندات الإصلاح وتشرذم الصف الديموقراطي من الأسباب الأساسية التي تساهم في التردي السياسي الذي يعاني منه المغرب والذي يزداد سوء. كل هذا وذاك يجعل الدولة تفرض خياراتها بدون أي مقاومة تذكر أو بحد أدنى من التوافق مع الأحزاب ومؤسسات الوساطة.
السؤال الذي يطرح نفسه ونحن على أبواب انتخابات 8 أيلول (سبتمبر) المقبل، هل هناك فائدة من المشاركة في الانتخابات؟
سيكون من غير المنطقي أن أطالب بمقاطعة الانتخابات: أولا لأنني غير مقتنع بهذا الطرح وثانيا لأن الهيئات التي تدعو لذلك أظهرت بما لا يدع مجالا للشك عدم قدرتها على خلق نقاش مجتمعي (وفرضه على الدولة) حول قضايا مهمة خارج مؤسسات الديمقراطية التمثيلية.
لقد تأسست الديمقراطية الحديثة على مبدأ العدد ولذلك من المستحيل خروج حكومة قوية قادرة على القيام بإصلاحات مهمة من صناديق اقتراع لم يقصدها أكثر من ثلث أو ربع المغاربة الذين هم في سن التصويت. ولذلك يبقى خيار المشاركة المكثفة هو الخيار الأنسب لإرساء أسس ديمقراطية قوية. ويترتب عن المشاركة المكثفة خصوصا مشاركة الأغلبية الصامتة في المجتمع تجديد للنخب بدل إعادة إنتاجها. يجب أن نناضل من أجل التجديد بدل وهم الاكتفاء بالمطالبة بالتجديد.
يجب علينا أن نتسلح بالأمل، ليس لأنه يمنحنا وعودا ولكن لأنه لا يمكننا ان نتقدم من دون صبر ومثابرة، والأمل يمنحنا هذه الفضيلة. يجب أن نضع نصب أعيننا أن مسار الديمقراطية طويل وشاق وأنه لا يمكن أن تنام في ليلة 8 أيلول (سبتمبر) المقبل في الدار البيضاء وتستيقظ صبيحة الغد في كوبنهاغن!
*إطار مالي ورئيس حركة معًا