هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بهدف "التحرر
الغذائي"، قامت عشرات العائلات الأردنية بزرع أراض فارغة بمحاصيل القمح منذ
شهر تشرين الثاني، وبعد حلول موعد الحصاد، بدأت بطحنه وبيعه في الأسواق
الأردنية كمنتج بلدي 100% غير معدل وراثياً وبدون إضافة الطحين المستورد.
وللقصة أبعاد سياسية،
إذ يستورد الأردن ما نسبته 97% من احتياجه من القمح من الخارج وينتج فقط 3%، في
وقت كانت فيه المملكة تصدر القمح حتى عام 1989، لتصبح من الدول التي تفرش السجاد
الأحمر لمنح القمح الأمريكية.
ولكسر هذه "التبعية" في القمح كما يقول أصحاب الفكرة، فقد أطلق الشاب الأردني ربيع زريقات، مشروعا ضمن مبادرة "ذكرى للتعليم الشعبي" لزراعة القمح، وبدأ المشروع مع 60 عائلة أردنية استصلحت أراضي وقامت بحراثتها وزراعتها على وقع الأهازيج الشعبية، ليصبح لتلك العائلات سيادة على غذائها، بينما اطلق في أيلول/ سبتمبر الحالي أول مشروع للخبز البلدي "خبز بلادنا" من القمح الذي تم شراؤه من المزارعين الأردنيين.
وقال زريقات
لـ"عربي21": "من خلال "ذكرى للتعلم الشعبي" يتم شراء
القمح مباشرة من المزارعين بأسعار مجدية اقتصادياً وطحنه وإرساله إلى أحد المخابز،
حيث يتم خبزه وبيعه وتتم المساهمة بما قيمته 10 قروش من كل كيس، لدعم مشروع زراعة
القمح".
وتابع: "تم إغراق
السوق بالمنتج المستورد، والقضاء تماماً على إمكانية وجود قوى إنتاجية محلية
منافسة، وعليه وإيماناً بضرورة استعادة جزء من سيادتنا على غذائنا وأرضنا، فإن من
المهم إعادة تقديم الحبوب المحلية للواجهة، وإعادة تشكيل المنظومة الاقتصادية
حولها".
وتمكنت المبادرة كخطوة
أولى من زراعة 10 قطع بمساحة 110 دونمات، في مناطق متفرقة بالأردن (دابوق، صويلح،
الهاشمي الشمالي، جلعد، الشونة الجنوبية، السلط، الفحيص، دبين)، على أن يتم
التوسع لاحقا.
تراجع في إنتاج القمح
وبحسب الأرقام الرسمية
الأردنية لوزارة الصناعة، فإن معدل استهلاك الأردن السنوي من مادة القمح يبلغ نحو 780
ألف طن بمعدل شهري من 60 إلى 65 ألف طن ينتج الأردن منها ما نسبته 3% فقط ويستورد
المتبقي من الخارج وأغلبها من الولايات المتحدة الأمريكية.
وحول أسباب تراجع
إنتاج الأردن من القمح، يقول رئيس الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين، عودة
الرواشدة، لـ"عربي21": "الأردن في السابق كان سلة القمح
للإمبراطورية الرومانية، وكنا نصدر القمح إلى دول عربية من سهول حوران والطفيلة
والكرك والمفرق، لكن الزحف العمراني على هذه الأراضي أدى إلى تراجع الإنتاج إلى
جانب شح الأمطار".
ويضيف: "اليوم نحن
بحاجة إلى إعادة تنظيم القطاع الزراعي، وزراعة ما نحتاجه من محاصيل استراتيجية،
نطالب -نحن المزارعين- الحكومة بتلمس قضايا المزارعين والاستماع لهمومهم؛ كون القطاع
الزراعي مهما في الأمن الغذائي خصوصا في ظل جائحة كورونا.. في أقسى الظروف التي مرت
بها الأردن مثل حرب عام 1967 كان المزارع هو صمام الأمان للغذاء خصوصا في المحاصيل
الاستراتيجية كالقمح".
وكانت الحكومة
الأردنية أوردت في برنامج أولويات عملها الاقتصادي 2023 -2021
دعم القطاع الزراعي من خلال تشجيع وتحفيز المزارع على تبني تكنولوجيا زراعية
حديثة والتوسع في الإقراض الزراعي، وإنشاء
شركات للتسويق لتحفيز الإنتاج الغذائي
خلل في هيكلة الاقتصاد
لكن الخبير الاقتصاد
السياسي، محمد البشير حمل الحكومة وفشل سياساتها في القطاع الزراعي مسؤولية تراجع
القطاع الزراعي والاعتماد على الاستهلاك بدلا من الإنتاج، وقال
لـ"عربي21": "إنتاجنا من القمح يكاد يكون 3% من قيمة استهلاكنا في
وقت يساهم فيه القطاع الزراعي ككل بـ4% من الناتج المحلي بسبب توسع الحكومات في قطاع
الخدمات بنسبة 76% من الناتج المحلي الإجمالي على حساب قطاعات استراتيجية مثل الزراعة
والصناعة.. وهذا تسبب في خلل في هيكل الاقتصاد الأردني".
وتابع: "سبب هذا
التراجع هم السياسيون، إذ لا تبنّيَ لسياسة زراعية أو صناعية من قبل الحكومات، وتجلى
ذلك في تراجع قانون حماية الملكيات الزراعية، ما أدى إلى انتشار البنيان على حساب
الأراضي الزراعية، بالاضافة إلى ارتفاع كلفة هذه المحاصيل بسبب غياب الدعم وفرض
الضرائب على مدخلات ومخرجات القطاع الزراعي".
وأضاف أن "اتفاقيات
الأردن السبع مع صندوق النقد الدولي لم تتحدث مطلقا عن دعم القطاع الزراعي، من
المفارقات أن القطاع الزراعي يساهم في الناتج المحلي بنحو مليار دينار وهذا أقل مما
يساهم فيه قطاع الاتصالات، أو حتى الضرائب المتأتية من السجائر".
ويطمح زريقات إلى رفع
قدرة إنتاج الأردن من القمح حتى 100%، ويرى
أن ذلك هدف صعب، لكنه يسعى إلى رفع تلك النسبة تدريجيا من 3% إلى 30% وصولا إلى
الاكتفاء الذاتي بعد إزالة المعوقات أمام زراعة هذه المحاصيل الاستراتيجية.