هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعد من أبرز رواد الأدب العربي، والأدب التونسي على وجه التحديد، يتميز شعره بمحاكاته للأثر الأندلسي.
وضعه البيت الشعري الشهير "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.. ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر" في مكانة رفيعة في تونس والوطن العربي، وبات شعارا للشارع العربي في أحداث "الربيع العربي" الموؤود.
شعره مليء بالمشاعر الحزينة والخيال المصاحب للصور الفنية الغنية، والفريدة من نوعها، إضافة إلى عمق الفكرة، وسهولة الألفاظ، فقد لجأ إلى اختيار مفردات لينة قادرة على حمل المعاني المختلفة.
كان من أبرز رواد المذهب الرومانسي في الشعر، حيث ساهم في انتشاره وتطويره، إذ عمل على تغيير الفكرة النمطية التي كانت تجعل من الشاعر مؤرخا وقاصا لأحداث عصره وعاداته وسلوكياته، فعمد إلى التركيز على مشاعر الشاعر وروحه وخياله، بالإضافة إلى الآلام التي يعانيها، وعمق ترجمتها في الشعر.
شاعر تونس الخضراء، أبو القاسم الشابي، المولود عام 1909 في بلدة الشابة (منها أخذ اسم العائلة) بولاية توزر بتونس كان والده الشيخ الأزهري محمد الشابي الذي عمل في القضاء الشرعي في مختلف المحافظات التونسية، رجلا تقيا يمضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل.
التحق أبو القاسم الشابي بجامع الزيتونة لإكمال دراسته عام 1920، حيث تلقى العلوم الدينية ونهل من نبع اللغة العربية متأثرا بوالده.
أنهى تعليمه في جامع الزيتونة بعد حصوله على شهادة التطوع كوالده عام 1927، وفي العام الذي يليه انتسب أبو القاسم إلى المدرسة التونسية للحقوق، وتخرج منها عام 1930.
انضم لنادي "الصادقية الأدبي" حيث برزت ملكته في نظم الشعر، وفي النقد الأدبي بعد مناداته بالتجديد في قوالب ومضامين الشعر العربي الأمر الذي عرضه إلى نقد وقصف لاذعين من جانب الأدباء المحافظين في تونس وكان هدفا للكثير من المقالات الرافضة لأفكاره.
كان يريد للشعر العربي التجديد والتغيير والتطور، وكان يقول: "الأدب العربي قديم. الأدب الغربي حديث" الأمر الذي جعله يواجه المتاعب من أطراف عدة.
اقرأ أيضا: جدل الرومانسية والتنوير في شعر الشابي
بقيت قصائد الشابي الأولى، التي كتبت بين عامي 1924 و1927، غير مؤثرة إلى حد ما فقد تركزت موضوعاتها حول المرأة والشراب والمفاخرة والتأبين التي شاعت في تلك الفترة.
وتأثر الشابي بشكل كبير بكتاب المهجر، ومن أهم شعرائهم جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي، وظهر تأثيرهم عليه في أكثر من قصيدة.
تنمت وصقلت خبرات الشابي ومعرفته بفضل التواصل مع الأوساط الأكاديمية والفنانين في مجموعة "تحت الأسوار" التي كان عضوا فيها. وتنوعت موضوعات قصائده، فشملت أيضا الطبيعة والغزل والوطنيات، وقد اتخذ من مجلة "أبولو" بالقاهرة منبرا، ونشر فيها عددا من قصائده، الأمر الذي جعل رئيس تحريرها الشاعر أحمد زكي أبو شادي يطلب منه أن يكتب مقدمة ديوانه "الينبوع".
يعد الشابي واحدا من أكثر الشعراء العرب قراءة على نطاق واسع للمتحدثين باللغة العربية. ومن أهم الشعراء العرب وأعظم شعراء شمال أفريقيا في القرن العشرين، فقد أدرج شعره في البرامج والمناهج المدرسية والجامعية العربية.
ورغم تجربته الشعرية القصيرة فقد ترك الشابي ما مجموعه 132 قصيدة ومقالات نشرت في مجلات مختلفة في كل من مصر وتونس، لكنه لم يفلح على الرغم من ثلاث محاولات قام بها، لنشر ديوانه، وهو مجموعة من القصائد التي اختارها قبل وقت قصير من وفاته، والتي نشرت عام 1955 في القاهرة بعد 21 عاما على رحيله بفضل شقيقه الأمين الشابي، وساعده الشاعر أحمد زكي أبو شادي، وترجم الديوان إلى عدة لغات، وأُعيد إصداره في عدة مناسبات، مع مقدمة كتبها الأمين الشابي.
وكثيرا ما ينظر إلى الشابي على أنه "الشاعر الصوفي والقومي والثوري والفيلسوف" رغم أن الاعتراف بعبقريته الشعرية جاء في وقت متأخر.
ولم تمنع حالته الصحية التي تدهورت بشكل كبير من أن يترك خلفه إرثا أدبيا وثقافيا كبيرا.
وقد عرف الشابي أنه مصاب بالقلب منذ نشأته لكن حالته ازدادت سوءا فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن، وبنيته الضعيفة أصلا.
وتدهورت حالته الصحية بعد الزواج، حتى صار لا يتحرك تقريبا، يقرأ ويكتب وهو راقد في فراشه.
وحين أعياه المرض أدخل "مستشفى الطليان" في العاصمة التونسية حيث أظهر سجل المستشفى أن أبا القاسم الشابي كان مصابا بمرض القلب الذي لم يمهله طويلا فتوفي في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1934 ونقل جثمانه إلى توزر ودفن فيها.
لقد تعلق المواطن العربي التواق للحرية والرافض للاستبداد والاستعمار بمطلع قصيدة واحدة حققت شهرة لشاعر لم يتناول النقاد بدقة وبأمانة منجزه الشعري، وقد هاجمه بعض النقاد قائلين: "إن شعره كان متوسط الجودة"، رغم أنه ألّف أعمالا أدبية مهمة، ومن أشهرها ديوان "أغاني الحياة"، و"الخيال الشعري عند العرب"، وكتب العديد من القصائد في شتى المجالات: في الوطن، الحب، الحنين والأسى، وفي بعضها تجسد حزنه بشكل واضح عند رحيل محبوبته وكذلك عند وفاة والده ومعلمه الأول.
كتب الكثير عن أبي القاسم الشابي، ونشرت عدة كتب تتناول شعره وسيرته وغنيت قصائده من قبل مغنين عرب كبار، وباتت أبيات من قصائده مضمنة في النشيد الوطني الرسمي، وأصبحت صورته في الأوراق النقدية في تونس.
كان رجل أدب نقيا ومخلصا للشعر وللنقد وللغة، ولم يدخل السياسة يوما، ولم يسمح لها أن تجره إلى وكرها. ومن خلال الأدب وحده كان يوصل أفكاره ويعبر عن حزنه وعن مرضه، كان يحب الشعب التونسي وينتقده في الوقت ذاته.
رحل ولم يكمل عامه 25، ورغم ذلك فقد كانت السنوات القليلة التي مارس فيها الكتابة كفيلة بوضعه على خارطة الشعر العربي، وفي خانة الشعراء الكبار، وأن يكون جزءا من نبض الإنسان العربي الذي ما زال يردد قصيدة "إرادة الحياة" في جميع مراحل نضاله السياسي والمقاوم ضد الاستعمار وضد الطغاة.