أثارت الانعطافة التي تقوم بها الحكومة
الإسرائيلية الحالية
نحو الأردن جدلا بين مؤيد ومعارض، فبينما اعتبر المؤيدون أن ما يقوم به نفتالي بينيت
يشكل تصويباً للأخطاء التاريخية التي ارتكبها بنيامين نتنياهو تجاه الجارة الشرقية،
فإن المعارضين يعتبرون ما يصفونها بخطوات "حسن النية" الموجهة للأردن تشكل
تنازلا لا داعي له، بزعم أن الأردن بحاجة لإسرائيل، وليس العكس.
تمثلت إعادة التموضع الإسرائيلية الأخيرة تجاه المملكة في
جملة خطوات آخرها استئناف تنفيذ اتفاقية إمدادها بكميات وافرة من المياه، كما نصت عليه
اتفاقية التسوية بينهما في وادي عربة 1994، وقبلها عودة التصدير والاستيراد المتبادل،
فضلا عن سلسلة اللقاءات التي عقدها كبار الزعماء الإسرائيليين مع الملك الأردني عبد
الله الثاني في العاصمة عمان، في مسعى واضح يشير إلى طي صفحة القطيعة السابقة.
آخر المعارضين لهذه الاستدارة الإسرائيلية نحو الأردن هو
غلعاد شارون، نجل رئيس الحكومة الراحل أريئيل شارون، وهو عضو مركز حزب الليكود، الذي
"تحفظ على اتفاقية ضخ المياه من جديد للأردن"، معتبرا أن الأخير "مطالب بالمعاملة
بالمثل، من خلال السماح للإسرائيليين بإعادة استخدام الجيوب الزراعية على المناطق الحدودية
التي أوقف الأردن تأجيرها لإسرائيل في أعقاب الأزمات الأخيرة بينهما، وهي خطوة لاقت
ترحيبا أردنيا واسعا، واستنكارا إسرائيليا لافتا".
وأضاف في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت، ترجمته "عربي21": "صحيح أن الأردن لديه حاجة وجودية بالنسبة للمياه، ويمكن لإسرائيل تلبيتها،
لكنها في نفس الوقت لديها احتياجات، رغم أنها ليست احتياجات وجودية
تعتمد على حسن نوايا الأردنيين، ولكن لديها أيضًا قضايا تهمها، مثل الأراضي الزراعية
المستأجرة عند الحدود المشتركة، خاصة موشاف تسوفار في وادي عربة وكيبوتس أشدود يعقوب
في وادي الأردن".
هذه المعارضة الإسرائيلية لاستئناف العلاقة مع الأردن، ومنها
شارون الابن، "لا تخفي في الوقت ذاته، أهمية التعاون الأمني مع المملكة، خاصة أن الجنود الأردنيين يجعلون ظهورهم للإسرائيليين، ويحتفظون بأطول حدود لإسرائيل معهم،
لكن لا ينبغي الخلط بين الأمرين، على حد زعم هذا الفريق من الإسرائيليين".
ولا تكتفي الأوساط الإسرائيلية بوضع مآخذها على عودة
العلاقات
التدريجية مع الأردن، بل إنها "تتبجح" بالقول إن الأردنيين يتعاونون أمنياً
مع إسرائيل لأنه أمر حيوي بالنسبة لهم، وليس بدافع الحب أو الإيثار، أكثر من ذلك فإنها
تعتبر أن التعاون الأمني مهم للجانبين، لكنه لا يشكل للإسرائيليين مسألة حياة أو
موت، بزعم أنهم سيديرون شؤونهم دون مساعدة الأردن، ورغم أن هذا سيكون أمرا أكثر صعوبة، فإنهم سينجحون في ذلك.
شارون الابن ذاته، يبالغ في رفضه للمصالحة مع الأردن بزعمه
أن "الملك الحالي ووالده ما كانا ليعيشا لولا إسرائيل، والأردنيون يعرفون الأمر
جيدًا، لذلك فإنه لا يوجد سبب في العالم لعدم الإصرار الإسرائيلي على المعاملة الأردنية
بالمثل في العلاقات، وليس فقط في السر، لأن إسرائيل تريد الحصول على حدود هادئة، وعازلة
وأمنية وصديقة، ولا يوجد سبب لأن يكون الأردن معاديًا لها في أي منتدى دولي، أو أن
تتزايد مظاهرات الكراهية لإسرائيل في عمان".
يخلص هؤلاء الإسرائيليون إلى أن حصولهم على حدود هادئة وعازلة
وأمنية مريحة، يقابله توفير الحماية الأمنية الإسرائيلية للمملكة، ما يستدعي من الجانبين،
الأردن وإسرائيل، أن يتعاملا بنفس الطريقة، بعيدا عن أجواء العداء من جهة، وتلقي الأردن
"للمساعدات" الإسرائيلية من طرف واحد، وهذا قمة منطق الاستعلاء الإسرائيلي،
والنظرة الدونية للآخرين.