هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فكرة دمج الأديان في مشروع ديني واحد فكرة قديمة، نشأت في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، بعد مشروعه التطبيعي مع الكيان الصهيوني، فقد خرج على الناس بما أطلق عليه: مجمع الأديان، أي: بناء مكان يجمع بين الأديان الثلاثة: اليهودية، والمسيحية، والإسلام، بل تم التفكير في وضع كتاب دين معبر عن الأديان الثلاثة، يدرسه التلاميذ في المدارس، تشجيعا على الفكرة، ودعما لها.
وبعد إطلاقه هذه الدعوة، قام شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله، برفض الفكرة، وتفنيدها، والإتيان عليها من كل جوانبها الدينية وغيرها، وقام بكل ما يملك من قوة علمية ورمزية لمشيخة الأزهر بالوقوف ضد هذه الفكرة، حتى اضطر السادات إلى تأجيل طرح الموضوع إلى وقت آخر يتقبل فيه الشارع المصري والعربي لها.
ووقتها شعر كل حصيف أن الفكرة ليست لها علاقة بالأديان، بقدر ما كانت لها علاقة بإدخال الكيان الصهيوني في زمرة الأديان وأهلها، وفتح باب للتطبيع بين الشعوب، ولكن باسم الدين، فطبيعي أن المسلم يؤمن بكل الرسل، ولا يصح إيمانه بغير ذلك، كما قال تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله)، لكن هذا لا يمنع من الوقوف ضد أتباع أي دين يعتدي أصحابه على مقدساتنا وأرضنا بالاحتلال والاغتصاب ليل نهار، ولا يكفون عن عدوانهم وحروبهم بكل وسيلة.
ثم فجأة خرجت علينا الإمارات العربية المتحدة، ببعث هذا المشروع بعد أن أصبح جيفة في مقبرة التطبيع في مصر، وبعد أن زكمت رائحته الأنوف، وأصبح بضاعة تالفة لا رواج لها، ولا زبون يفكر في التعامل معها، فأعادوها بعد أن حط قطار التطبيع في الإمارات، وعلى يد قادتها، جنبا إلى جنب مع نتنياهو وترامب قبل رحيله عن السلطة.
ولكنهم الآن، لم يطرحوه من باب مجمع الأديان الذي أراده السادات، بل عن طريق ما أسموه: الديانة الإبراهيمية، وذلك بوضع مجمع لمسجد، وكنيسة، وكنيس، يراد بذلك أيضا نفس ما سبق في عهد السادات، التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولأن التطبيع السياسي والثقافي غير ناجح مع الشعوب العربية والمسلمة، لأنها رافضة رفضا قاطعا مثل هذه الإجراءات التي لا تتسق مع مسلماتها وثوابتها مع القضية الفلسطينية.
وقد جربت الإمارات أن تحاول مع التطبيع الفقهي، وذلك عن طريق الشيخ عبد الله بن بيه، بإصدار فتاوى عن الصلح مع الكيان الصهيوني، وحكم إقامة علاقات معه، رغم أن الإمارات والبحرين والسعودية ودول الخليج ليسوا دول جوار مع الكيان الصهيوني، ليبحث لهم من يفتيهم عن عذر ليقيموا أي لون من التعامل معه.
ثم أرادوا أن يقيموا ما يمكن أن نسميه: التطبيع الديني، وذلك بأن نرد كل الأديان إلى نبي واحد، وهو نبي الله إبراهيم عليه السلام، وكأن الأديان لم تنزل عليها رسالة من الله، ولم تستقر شرائعها، فنحتال بفكرة أن نعود إلى إبراهيم عليه السلام، ولأن النبي الذي يجمع بين أنبياء الديانات الثلاثة هو سيدنا إبراهيم، فلنتاجر برفع اسمه، ليكون جواز مرور للفكرة التي تخدم التطبيع مع الصهاينة ليس إلا.
وإلا لماذا الآن مثل هذه الفكرة؟ وهل فعلا هذه الدول جادة في عمل علاقة مع الأديان، ترعاها فيها، وتحافظ عليها، وتشجع الناس على تدين صحيح معتدل؟ الحقيقة أن علاقة هذه الدول التي تدعو لهذه الفكرة بالأديان وبالدين الإسلامي تحديدا والملتزمين به، والداعين إليه، علاقة في غاية السوء، فسجون هذه البلاد تمتلئ بالمعتقلين والمعتقلات، الذين لا جريمة لهم سوى الالتزام الديني المعتدل.
جربت الإمارات أن تحاول مع التطبيع الفقهي، وذلك عن طريق الشيخ عبد الله بن بيه، بإصدار فتاوى عن الصلح مع الكيان الصهيوني، وحكم إقامة علاقات معه، رغم أن الإمارات والبحرين والسعودية ودول الخليج ليسوا دول جوار مع الكيان الصهيوني، ليبحث لهم من يفتيهم عن عذر ليقيموا أي لون من التعامل معه.
وكان أولى بهذه الدول أن تمارس التطبيع مع شعوبها، قبل أن تفكر في ممارسته مع الكيان الصهيوني، أو تجعل من سلطتها جسرا للصهاينة يعبرون عن طريقه للأمة الإسلامية والعريبة، وهو ما لم نره، بل رأينا سلاما ومحبة مع الصهاينة، وبغضا وبطشا وظلما مع أبناء الشعب، ومع المعتدلين والمحترمين من أبنائه.
وكانت المفاجأة للقائمين على هذه الدعوة المشبوهة، أن موقف الأزهر ممثلا في شيخه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، أنه على خطى عبد الحليم محمود، برفض هذا المشروع، ومحاربته، وبيان عوار الفكرة وأهدافها، لأنه لا يوجد عالم يخشى الله تعالى، يبرر لمثل هذه الفكرة الشيطانية، التي لا تنطلق من دين، ولا خلق، ولا مبدأ صحيح.
كان إعلاميو السلطة في مصر، يغمزون شيخ الأزهر دوما، بأنه رجل الإمارات، وأن مشاريع الإمارات الدينية يتواجد فيها دائما، إن لم يكن على رأسها، ولكن لما تعلق الأمر بثوابت دينية، كان موقفه الواضح، ولعلها مناسبة لبيان موقفه من الإمارات ومشروعها.
فكل عاقل لا يرى في مثل هذا المشروع إلا أنه عملية سياسية يراد بها فقط تجميل وجه الكيان الصهيوني، ومحاولة زرعه في قلب الأمة العربية، كعملية تجميل للتطبيع الذي أصبح دميما وبغيضا لكل مخلص في هذه الأمة، ولكن هذه المرة عن طريق ما أطلق عليه: الديانة الإبراهيمية.
الفكرة كما ذكرت قديمة، وهي موجودة في أمتنا العربية منذ بدأت مسيرة التطبيع في بلادنا، على يد أول رئيس عربي مصري بدأها، وهو السادات، ثم جاء من بعده من حمل لواءها من حكام الإمارات، وهو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد الإمارات، كعادة مشاريعه التي لا نرى فيها خيرا للأمة الإسلامية، بل نراها ـ عادة ـ سندا وظهيرا لأعدائها.
[email protected]