هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يلعب العامل العقائدي دورا مركزيا وأساسيا في رسم السياسات، واتخاذ القرارات في كل من إيران وأفغانستان في عهد طالبان، بناء على الأيديولوجية الدينية الحاكمة لكلا الطرفين سواء أكانت الشيعية الإثني عشرية في إيران، أو السنية الحنفية الماتريدية التي تتبناها حركة طالبان.
في ظل الحضور الطاغي للبعد العقائدي الطائفي المتحكم في عقلية صانعي السياسات والقرارات في كل من البلدين، كيف ستتحدد العلاقات بين الطرفين تحت وطأة ذلك البعد وتأثيره؟ وهل سيتجاوز البلدان ضغوط الإرث العقائدي والتاريخي ليقيما علاقات جوار مبنية على الاحترام المتبادل، والتعاون المثمر للحفاظ على مصالحهما المشتركة، أم ستخضع علاقاتهما في مقدماتها ومآلاتها لذلك البعد؟
وباستحضار تجربة حركة طالبان السابقة في حكم أفغانستان (1996 ـ 2001)، فإن معطياتها تشير إلى أن العلاقات بين البلدين لم تكن مستقرة، ووقعت خلالها أحداث أفضت إلى توتير العلاقة بينهما، فإيران كانت تدعم تحالف الشمال الخصم اللدود حينذاك لطالبان، كما أن تلك المرحلة شهدت استهداف الأخيرة للقنصلية الإيرانية في مزار شريف عام 1998، أودت بحياة 8 دبلوماسيين إيرانيين، وكادت أن تشعل حربا بين البلدين.
أما عن مستقبل العلاقة بين الطرفين بعد أن استولت حركة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان، فيرى الإعلامي السوري، الخبير بالشأن الأفغاني، الدكتور أحمد موفق زيدان أن "طالبان معنية في هذه المرحلة بعلاقات حسن جوار، وليس لديها أدوات أممية لمشروعها كحال طهران، لذا فإنها ترغب بإقامة علاقات مبنية على حسن الجوار، لكن طهران فيما أرى لا ترغب بذلك".
أحمد موفق زيدان.. كاتب وخبير بالشؤون الأفغانية
وأضاف: "فإيران لا يمكن أن تتسامح مع نظام في جوهره قد يكون معارضا لها مستقبلا، في ظل سياستها الخارجية المتمثلة في عدم تسامحها مع أنظمة بعيدة عنها قد تشكل عليها خطرا كحال إفرازات الربيع العربي، لذا فإن حضور البعد العقائدي في السياسة الإيرانية ربما يكون أقوى منه عند طالبان".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ولعل هذا يظهر في تعاطي طالبان مع الأقلية الشيعية، وتوظيف بعضها في الحكومة، يضاف إلى ذلك أن إيران منذ بدايتها حسمت أمر تصدير الثورة كجزء من سياستها والشرعية التي تقوم عليها، وهو ما لم تتحدث عنه طالبان".
واستدرك: "لكن الموروث العقدي موجود لدى الطرفين، وإن كان بمنسوب مختلف بينهما، إضافة إلى أن ما يهم طالبان في هذه المرحلة تثبيت حكمها، في حين ترى إيران أنها خرجت من اللعبة الأفغانية بخروج حلفائها من الأقليات الشمالية، ولعل لقاء خامنئي مع أحمد مسعود ودخولها بحلف الهند وروسيا ووسط آسيا، وتصريحاتها المطالبة بحكومة موسعة تؤكد أنها لن تتعامل مع حكومة طالبان، وقد تلجأ لدعم المعارضة الشمالية".
ولفت زيدان إلى أن "حركة طالبان إن رأت إيران تدخل في لعبة دعم المعارضة الأفغانية، فقد تقوم حينها بدعم أطراف بلوشية، وسنية في إيران، وقد تدفع باتجاه تحريك الجماعات الجهادية المسلحة ضد إيران، وهذا قد يُنعش العمل المسلح من جديد في مناطق تحتلها إيران كسوريا، والعراق".
وأردف: "وفي حال توفرت الأرضية والحاضنة للجماعات السنية الإيرانية بأفغانستان فإن ذلك سيشكل خطرا حقيقيا على إيران، لا سيما في حال تحرك جماعات سنية باكستانية مسلحة متحالفة مع طالبان ضد المصالح الإيرانية في المنطقة، وحتى ضد إيران ذاتها".
من جانبه أكدّ الكاتب والباحث في الشؤون الأفغانية، عمران الأفغاني أن "العلاقة بين إيران وأفغانستان إبان حكم طالبان لم تكن جيدة، بل كانت متوترة، وشابتها خلافات كثيرة، كما أن البعد العقائدي كان حاضرا بقوة بين الطرفين في تجربة طالبان السابقة في حكمها لأفغانستان".
عمران الأفغاني.. كاتب وباحث في الشؤون الأفغانية
وتابع في حواره مع "عربي21": "لكن في الوقت الحاضر، وبعد تسلم حركة طالبان زمام الحكم والسلطة في أفغانستان، أدركت الحكومة الإيرانية أنه يجب قبول هذا الواقع الجديد، فالحركة باتت هي الحاكمة في أفغانستان، فلا بد من التعامل معها، وكذلك فإن حركة طالبان سوف ترجح جانب المصالح، لا سيما وهي تواجه في المرحلة الحالية عدة عقبات في الداخل والخارج، لذا فإنها ستسعى لإقامة علاقات جيدة مع دول الجوار".
وتوقع الباحث الأفغاني عمران أن "تكون العلاقات بين الطرفين في المرحلة الحالية جيدة، بعيدا عن عمق الخلافات العقائدية بين المذهبين السني والشيعي، نظرا لوجود قواسم ومصالح مشتركة كثيرة بين الدولتين، ويوجد في الوقت الراهن مبعوث خاص لأفغانستان في إيران، للتباحث مع المسؤولين الإيرانيين، وتبادل الآراء معهم لبناء علاقة جوار جيدة بينهما".
وفي ذات الإطار قال الكاتب المصري، الخبير بشؤون حركات "الإسلام السياسي"، ماهر فرغلي: "الخلاف العقائدي بين إيران وحركة طالبان يندرج في دائرة الخلاف العقائدي والتاريخي بين السنة والشيعة، وهو خلاف جذري وعميق وتاريخي، وهو صراع أيديولوجي بين حركتين أصوليتين بمرجعيتهما الدينية المختلفة".
وأضاف: "ومن المستبعد جدا أن تتنازل أي منهما عن أصولها ومقولاتها العقائدية، لكن من الوارد أن يحدث التنازل في الشأن السياسي بين الطرفين، في الملفات المتعلقة بعلاقتهما بالولايات المتحدة، ودول الإقليم، والحركات والقوى السياسية والدينية المختلفة، فإيران ـ على سبيل المثال ـ تستغل وتستثمر ملف الحركات السنية المسلحة، كحركة حماس، والجهاد الإسلامي، والقاعدة، وحوارها مع طالبان في علاقتها مع أمريكا.. وهكذا".
ماهر فرغلي.. باحث مصري في حركات الإسلام السياسي
وردا على سؤال لـ "عربي21" حول سياسة طالبان المتوقع انتهاجها تجاه إيران، لفت فرغلي إلى أن "حركة طالبان تعيش في الوضع الراهن أزمة، وهي تريد الحصول على الاعتراف الدولي، ومن المعروف أن أفغانستان دولة حبيسة لا تطل على بحر، وقد استوعبت الدرس الذي يوجب عليها إقامة حوارات مع دول الجوار، الصين، الهند، باكستان، إيران، روسيا، وبالتالي إقامة علاقات جيدة معها".
وتابع: "ومن المعروف أن إيران دولة مهمة ومؤثرة في الإقليم، ومن مصلحة أفغانستان إقامة علاقات جوار جيدة معها، وتحاشي الدخول معها في خلافات وصدامات سياسية، لأن بيدها أوراق ضغط، كدعم المعارضة الأفغانية، وهو ما سيسبب أزمات ومشاكل متزايدة لطالبان".
ورجح فرغلي أن "تقوم العلاقة بين الطرفين على المنفعة المتبادلة، والبراغماتية، لكن من الوارد أن تتأثر بشكل سلبي بسبب تقلبات السياسة وأحداثها المتلاحقة، وقد تنقطع تلك العلاقات بسبب فعل سياسي ما، وقد تحدث تقلبات وتحولات، وهو ما سينعكس بالتأكيد على العلاقة بين الدولتين".