هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: طه حسين: تجديد ذكرى عميد الأدب العربي
تأليف: إيهاب الملاح
الناشر: الرواق للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، أبريل 2021
كتاب جديد عن العميد، وأول ما يلفت الانتباه كتابته تعبيراً عن تلق ونظر جديد لأحد الباحثين والكتاب المقتدرين من جيل الشباب، هو إيهاب الملاح.
احتفت الأوساط والحياة الثقافية بكتاب الملاح واستقبلته بتقدير ملحوظ، ووصف الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد هذا الكتاب بأنه "كتاب رائع".
ينقسم الكتاب بعد المقدمة إلى أربعة أبواب، الأول بعنوان: "على باب العميد"، ومن عناوين ما يتناوله فيه: (لماذا الآن.. ولماذا نجدد ذكراه؟ ـ إطلالة على سيرة العميد.. ومراحله التكوينة ـ بين طه حسين وأساتذته في الجامعة ـ بين العميد وتلاميذه ـ من تراث طه حسين..).
أما الباب الثاني فبعنوان: "طه حسين في مرايا الأجيال"، ومن ذلك ما تتناوله فصول تحت عناوين: (طه حسين بعيون نجيب محفوظ ـ سامي الكيالي في معية طه حسين ـ سهير القلماوي تحيي ذكرى طه حسين ـ لويس عوض يودع أستاذه ـ عبد الرشيد الصادق محمودي: يجمع تراث العميد بالفرنسية ـ هذا بالإضافة إلى: طه حسين في عيون قرينته سوزان.. "معك").
ثم يأخذنا الباب الثالث إلى قضايا بالغة الأهمية بوضوح، تحت عنوان: "سجالات حول العميد.. قديماً وحديثاً"، وهنا تطالعنا فصول بعناوين: (معركة كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" ـ كتاب طه حسين عن "مستقبل الثقافة".. وما زال الجدل مستمراً ـ إسلاميات طه حسين ـ محاكمة طه حسين في مجمع اللغة العربية! ـ لماذا يكره تيار الإسلام السياسي طه حسين؟ ـ أنور الجندي.. ومحاولة اغتيال العميد بعد رحيله!)، مختتماً الباب بفصل: "وأخيراً.. ماذا يبقى من طه حسين؟".
ثم يقدم الباب الرابع والأخير وثائق نصوص (من بينها: كلمة طه حسين في اليوبيل الذهبي لدار المعارف ـ تصدير طه حسين للطبعة الخاصة من "كليلة ودمنة" ـ مقدمة طه حسين لكتاب أستاذه كارلو ناللينو ـ رسالة شخصية من العميد إلى تلميذته سهير القلماوي ـ اتهام ورد.. طه حسين يقول ـ ثم قائمة أعمال طه حسين التي أصدرتها دار المعارف)، مختتماً الباب والكتاب (برحلة حياة في صور).
"المعذبون في الأرض" أنجبوا طه حسين:
ضمن سطور مقدمة الكتاب نطالع:
"اتخذ الاحتفال السنوي بذكرى رحيل عميد الأدب العربي، في الثامن والعشرين من أكتوبر من كل عام، مناسبة حافزة وضرورية على إعادة تأمل وتمثل بل استعادة سيرة طه حسين الإنسانية والفكرية والثقافية، والبحث في جانب أو أكثر من جوانب إنجازاته الضخمة ومسيرة حياته الزاخرة.. وعندما تحل ذكرى الأستاذ العميد، فإن عديداً من الألقاب والأوصاف يبرز على الفور في الفضاء الثقافي الذي مارس فيه طه حسين إنجازه الضخم، لقد وصف بحق بأنه "مؤسس النهضة الأدبية الحديثة"، و"واضع بذور العقلانية والتفكير النقدي في ثقافتنا العربية المعاصرة"، و"أحد الكبار الذين حملوا عبء الحلم بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية الحديثة"".
وأضاف المؤلف: "أثناء الرحلة التي امتدت لما يزيد على عشر سنوات، وكنت أتحضر فيها لإعداد مادة أو أكثر أو ملف أو موضوع عن طه حسين، كان من المدهش بالنسبة لي أنه مع كل مناسبة تخص طه حسين (ذكرى ميلاده أو وفاته وبينهما شهر واحد)، ويتجدد فيها الحديث عنه، يجد الباحث الجاد والمنقب الدؤوب والمقلب في أوراقه وأعماله مادة غزيرة جداً جداً تستأهل إعادة النظر في كل ما تركه من أفكار ومقولات ورؤى، بل وتكشف زوايا جديدة ومدهشة لقراءة جانب أو أكثر من إرثه الزاخر، تأليفاً وترجمة، تحقيقاً وتقديماً، مراجعة وتعليقاً، وهجوماً كاسحاً من خصومه، وآراء قوية ومتماسكة تدحض هذه الاتهامات وتأتي عليها من أساسها.. إلخ. وفي خضم ذلك كله، كان ثمة أجيال ناشئة، بازغة، واعدة، تتساءل: ومن يكون طه حسين؟ وما أهميته لنا؟ ولماذا يجب علينا أن نقرأه ونتعرف عليه..".
ومما يذكره هنا المؤلف:
"لقد استطاع طه حسين أن يمسك بمفاصل الثقافة العربية، منذ العصر الجاهلي وحتى القرن الثاني عشر الهجري في أعلامه وكتبه ونصوصه الكبرى، من "الشعر الجاهلي" وأدبه إلى "حديث الشعر والنثر"، إلى "حديث الأربعاء"، وصولاً إلى "ابن خلدون وفلسفته الاجتماعية"، فضلاً عن تناولاته التحليلية المعتبرة لكل من المتنبي وأبي العلاء وابن المقفع والجاحظ والتوحيدي، إنه بحق، وكما وصفه المرحوم عبد المنعم تليمة، قدم للثقافة المصرية والعربية ما يمكن تسميته بـ "بيان شامل للنهضة والتحديث".. ربما كان الأهم والأكثر إحداثاً للجدل والنقاش في مصر والعالم العربي في القرن العشرين. وبقدر ما كان مشروع طه حسين الثقافي، يقوم في جوهره على الاحتفاء بالعقل والعلم وقيم التنوير والحداثة والنهضة، بقدر ما كان يمثل في الوقت ذاته احتفاء بالاختلاف والتنوع والتعددية والتسامح".
وأشار راصداً كاتبنا كذلك:
"تقريباً، كل الشخصيات الإبداعية والثقافية الكبرى، في تراثنا الفكري والأدبي، كتب عنها طه حسين كتابة مرجعية تأسيسية، دراسة أو أكثر.. "في الشعر، كتب عن شعراء الجاهلية، وشعراء الغزل العذري، وشعراء المجون والهزل. كتب عن المتنبي، وأبي تمام، والبحتري، وأبي العلاء.. كتب عن ابن المقفع، والجاحظ، والتوحيدي، وابن العميد، وابن خلدون.. وقارن بين أبي العلاء وكافكا، وبين ابن حزم ـ الفقيه الظاهري الأصولي ـ وبين ستندال الفرنسي، قارن بين كتابيهما "طوق الحمامة" و"الأحمر والأسود"، وعرف بأعلام الأدب الأمريكي، والفرنسي، والألماني، حتى وقته.
كتب عن ابن مضاء القرطبي، وكتابه "الرد على النحاة"، وقدم رؤية تجديدية (جريئة) لعلم النحو العربي، وكتب مقدمة رائعة لكتاب زميله إبراهيم مصطفى "إحياء النحو"، صاحب أول محاولة لتسيير النحو العربي وطرق تدريسه، وقدم أيضاً في هذه الدائرة واحدة من دراساته العميقة المثيرة للجدل والنقاش عن "استخدامات الضمير في القرآن الكريم"، وكتب دراسته التأسيسية الملهمة (تاريخ البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القادر) التي تعد بحق أوفى تلخيص وتكثيف لمسيرة البلاغة العربية، والنقد العربي القديم...".
جانب آخر، عنه يقول المؤلف:
"تمسك (طه حسين) باستقلال الجامعة وهو عميد، وهاجم الاستبداد والظلم الاجتماعي وهو شيخ في كتابه "المعذبون في الأرض"، فمنعت السلطات آنذاك طباعته في مصر.. وعندما دعاه الزعيم الوفدي الكبير مصطفى النحاس باشا لتولي وزارة "المعارف" في آخر وزارة وفدية (1950 ـ 1952)، اشترط أن تكون أول قراراته "مجانية التعليم الثانوي"، وبينما يقسم اليمين باحترام الدستور، يقول له الملك: "أهلاً طه حسين رجل المتاعب، فيجيبه طه حسين: المتاعب يا مولاي لا تطلب لذاتها ولكن يجيئها الإنسان في طريقه إلى الحق! ـ بحسب ما يروي عنه أستاذنا الدكتور كمال مغيث..".
وأضاف الكاتب: "طه حسين كانت حياته بطولها وعرضها (واستيعابها لمجتمعها في ميزان المجتمعات الإنسانية داخل ثالوث: ماض ـ حاضر ـ مستقبل)، ماثلة في فضاء خياله في كل ما يكتب إملاء، فلقد حل خياله محل البصر فصار فقدان البصر "بصيرة". نعم، إن "المعذبون في الأرض" أنجبوا طه حسين الكاتب والمفكر. وإذا كان أرسطو هو المعلم الأول في القفاة اليونانية القديمة، فطه حسين في نظري، هو المعلم الأول في الثقافة العربية الحديثة.." (ص 22).
ثورة طه حسين:
من أهم ما يذكره المؤلف على لسان أعلام حول طه حسين، قول روائي العربية الأكبر نجيب محفوظ:
"اعتبرنا جميعاً في شبابنا أن ثورة طه حسين ضد المناهج القديمة هي انتفاضة عقلية موازية للثورة الحقيقية التي فجرها سعد زغلول على أرض الواقع.." (ص 95).
وكذلك قول المفكر الكبير د. لويس عوض أحد أنجب تلاميذ طه حسين (بين ما كتبه في وداعه):
"سيظل اسم طه حسين، الوزير، مقترناً في تاريخ مصر بأنه أبو مجانية التعليم وبأنه أبو الجامعات، فهو بعد أن أنشأ جامعة الأسكندرية أيام كان مستشاراً فنياً لوزارة المعارف، وما أن وليَ الوزارة حتى أنشأ جامعة عين شمس، ووضع نواة جامعة أسيوط بقوة القانون وبالإجراءات العملية كإعداد البعثات اللازمة لبناء هيكلها، وشرع يجمع التبرعات لإنشاء جامعة المنصورة، كما أنه تبنى برنامجاً قومياً ضخماً لتوحيد نظام التعليم في مرحلته الأولى فحول عدداً هائلاً من كتاتيب القرون الوسطى، تلك التي كانوا يسمونها المدارس الأولية، إلى مدارس ابتدائية لا يكتفي فيها بتعليم الأبجدية وجدول الضرب، وإنما تدرس فيها مبادئ العلوم الحديثة، وفتح طه حسين آلاف الفصول الابتدائية، فانتشر التعليم بفضله انتشاراً عظيماً".
وهذا النص ـ الذي ذكرناه ـ من فصلين بكتاب د. لويس عوض: "عن الحرية ونقد الحرية"، خصصهما للحديث عن طه حسين، سيرته ومراحلها، مشروعه ومعالمه.
وهو كتاب يصفه بحق الأستاذ إيهاب الملاح بأنه "كتاب مهم من كتب د. لويس عوض المرجعية ثقيلة العيار، غزيرة المادة، عارمة القيمة".
سيظل اسم طه حسين، الوزير، مقترناً في تاريخ مصر بأنه أبو مجانية التعليم وبأنه أبو الجامعات، فهو بعد أن أنشأ جامعة الأسكندرية أيام كان مستشاراً فنياً لوزارة المعارف، وما أن وليَ الوزارة حتى أنشأ جامعة عين شمس، ووضع نواة جامعة أسيوط بقوة القانون
ثم لا بد أن يلفت نظرنا قول الملاح أيضاً عما كتبه د.عوض عن طه حسين في هذا الكتاب:
"لقد قرأت عشرات الكتب عن سيرة طه حسين، وتحليل أفكاره والوقوف عند محطاته البارزة في السياسة والجامعة والتأليف والنشاط العام والترجمة.. (إلخ)، فلم أجد ما يماثل هذه الفصول التي كتبها لويس عوض عن طه حسين عميداً ووزيراً، عقب رحيله في أكتوبر من العام 1973" (ص 140).
أما الدكتورة سهير القلماوي، التلميذة النابغة أيضاً للعميد، فقد كتبت عنه مرات، ومن ذلك كتابها بعد عام بالتمام من رحيله بعنوان "ذكرى طه حسين"، وكما يشير الملاح بدقة:
"لقد تعلمت سهير القلماوي من طه حسين أن هناك الكثير من العلم والمعرفة غير المدونة في الكتب، تعلمت منه كيف تعشق الآفاق الرحبة وكيف: "نفتح أذهاننا لكل جديد، ولا نحكم على شيء إلا بعد أن نعرفه"... وتعلمت من أستاذها، كذلك، كيف تحب الحياة، في تجددها واستمرارها، وأن تنتصر لكل مظاهر الحياة على أي مظهر من مظاهر الشلل والجمود والتخلف والرجعية أو بالجملة أي مظهر من مظاهر "الموات"، تصف سهير القلماوي أستاذها بأنه كان: "مشغوفاً بالتجديد، محباً للشباب، مناصراً للحياة المتجددة، يكره الجمود، والركود، وتحجر الفكر" (ص 129).