بدت
فصائل الثورة السورية المسلحة التي
شاركت في عملية "ردع العدوان" في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، والتي
تكللت بإسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، أكثر تماسكا وتوحدا مما كانت عليه
منذ عسكرة الثورة السورية عام 2012، والتي انضوت وتوحدت تحت مسمى "إدارة
العمليات العسكرية" بقيادة أحمد الشرع الملقب بالجولاني.
تشكلت إدارة العمليات العسكرية من عدة
تنظيمات سورية مسلحة، من أبرزها هيئة تحرير الشام، وتعد من أقوى الفصائل المسلحة،
التي أُعلن عن إنشائها عام 2017، وضمت في صفوفها مجموعة من الفصائل المسلحة، منها
"جبهة فتح الشام"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار
الدين"، و"جيش السنة".
أما ثاني الفصائل التي انضمت لإدارة
العمليات العسكرية فهي الجبهة الوطنية للتحرير، وتضم مجموعات وفصائل من الجيش
الحر. وشارك في عملية "ردع العدوان" جيش العزة، وحركة أحرار الشام،
وصقور الشام، وكتائب نور الدين زنكي، والجيش الوطني السوري، وهو تحالف لمجموعة من
الفصائل المسلحة..
إضافة إلى تلك الفصائل والتنظيمات التي شاركت
في عملية "ردع العدوان" يتواجد على الساحة السورية تنظيمات وحركات مسلحة
عديدة.. ففي جنوب البلاد تتواجد فصائل ومجموعات مسلحة، شاركت في عملية ردع العدوان
في إطار ما يعرف بـ"غرفة عمليات الجنوب"، وهي أول فصائل المعارضة التي
دخلت إلى العاصمة دمشق، وفي شمال شرق
سوريا تتواجد "قوات سوريا الديمقراطية..
قسد" التي يقودها الأكراد، والمعروفة بعلاقتها المتوترة مع تركيا.
وينضوي تحت مسمى المعارضة السورية بشقها
السياسي، هيئات وأطر سياسية تشكلت في الخارج بعد الثورة السورية، منها
"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، الذي تأسس عام 2012، ويضم
في صفوفه قوى واتجاهات سورية معارضة. وما زال الائتلاف قائما ويرأسه هادي البحرة، وتأسست كذلك "الهيئة العليا للمفاوضات" عام 2015، وعرفت نفسها بأنها
"كيان وظيفي مهمته التفاوض مع النظام السوري ضمن مسارات ترعاها الأمم
المتحدة"، ويرأس الهيئة الدكتور بدر جاموس.
في ضوء معطيات الواقع التي تشير إلى وجود
اختلافات أيديولوجية وسياسية بين فصائل المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي
(سلفية وجهادية وإسلام سياسي وعلمانية وشبه علمانية)، إضافة إلى حضور التأثير
الإقليمي والدولي كمصادر للدعم والتمويل، يبرز التحدي الأكبر المتمثل في قدرة
فصائل المعارضة السورية على تجاوز خلافاتها والتوافق على صيغة تشاركية جامعة، توفر
إطارا واسعا تندمج فيه كل الفصائل والقوى السياسية وفق مرجعية دستورية وقانونية
يتوافق عليها الشعب السوري بكافة مكوناته.
وعلى صعيد تطور الأحداث مستقبلا كيف ستدير
فصائل المعارضة السورية خلافاتها بعد انتهاء فترة الحكومة السورية المؤقتة.. هل
ستنفرد هيئة تحرير الشام بإدارة الدولة أم إنها ستشرك جميع القوى والفصائل الأخرى؟
وهل ستتمكن من إدارة جميع الملفات الشائكة والمعقدة بعقلانية، تحفظ لجميع مكونات
الشعب السوري حقوقهم المدنية والسياسية بعد التوافق على عقد اجتماعي جديد ينظم
العلاقة بين الدولة والمجتمع السوري؟
في هذا السياق رأى الداعية السوري، الباحث
في الفكر الإسلامي، الدكتور ماهر الشلال أن "فصائل الثورة السورية استفادت من
تجربة الحركات الإسلامية سواء منها الجهادية أو حركات الإسلام السياسي، واستطاعت
صناعة نموذج خاص بها، وإذا ما كُلل بالنجاح فإنه سيكون النموذج الذي سيعطي أملا
لكل الدول التي قام بها الربيع العربي، ولم تكتمل ثوراتها على أن تعيد ترتيب
حساباتها، بالعمل على الدمج ما بين الحالة الجهادية والحالة السياسية".
وأضاف: "فعند المواجهة مع الاستبداد
سيكون العمل جهاديا منضبطا بأخلاق الشريعة، وعند العمل في السياسية يؤدون عملهم
كرجال دولة، وهذا ما حدث مع الثوار في سوريا، ويعود ذلك إلى طول الثورة السورية، 13
عاما ونيف، أدّت إلى تجارب حقيقية وطحن ومعاناة في الميدان، فكانت هذه التوليفة
بين العمل العسكري والسياسي".
د. ماهر الشلال.. داعية سوري وباحث في الفكر
الإسلامي
وواصل حديثه لـ
"عربي21" بالقول: "فالسوريون استفادوا كثيرا من تجربتهم الطويلة في الثورة، لكن لا نستطيع أن
نضفي عليهم الصفة الملائكية، فمن الوارد أن تظهر خلافات بين فصائل المعارضة لكنها
لن تكون عميقة وجذرية، بل خلافات سطحية، تدور حول آلية الخروج من التبعية إلى آلية
الفاعلية، فالحكومة الانتقالية المؤقتة هي نقل لتجربة إدارة إدلب منذ 2019 لملء الفراغ بعد سقوط النظام، وهذا ما أدهش العالم في كيفية إدارة الشأن السياسي،
والسيطرة على الأوضاع بعد سقوط النظام وتوقع حالة العبثية والفوضى والدموية".
وعن المتوقع في إدارة الدولة بعد انتهاء
فترة الحكومة الانتقالية وما إذا كانت هيئة تحرير الشام ستنفرد بإدارة الدولة وإقصاء
الفصائل الأخرى، أم ستشركها في ذلك، ذكر الشلال أن المتوقع "هو حل كل الفصائل
المسلحة ودمجها ضمن الجيش السوري التابع لوزارة الدفاع الجديدة في سوريا، ولن يكون
هناك سلاح خارج الدولة"، مستبعدا أن تظهر خلافات بين الفصائل على المكاسب
"فهي ولغاية الآن اجترحت نموذجا طيبا يجب أن يُحتذى به، ونسأل الله أن يكلل
بالنجاح، في كيفية إدارة الدولة ما بين فقه الثورة وفقه الدولة".
وفي الإطار ذاته قال الكاتب والإعلامي
السوري، الدكتور أحمد موفق زيدان: "بات واضحا للجميع أن القوى التي قامت بهذه
العملية الكبيرة "ردع العدوان" هي مجموعة من الفصائل السورية المسلحة،
يأتي في مقدمتها وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، ما يعني أنها متفقة تماما على آلية
العمل، سواء العسكري أو السياسي".
وأضاف: "وقد استفادت في ذلك كله من
تجربتها السابقة في إدارة مناطق المحرر (إدلب) طوال السنوات السابقة، وهي متوافقة
على ذلك، وقد نقلت ذلك الآن إلى دمشق، أما ما يقال عن احتمال ظهور خلافات بين هذه
الفصائل وبين فصائل وهيئات أخرى، كالائتلاف الوطني، ففي تقديري أن ما تحظى به فصائل
ردع العدوان من تأييد شعبي واسع بعد ما قامت به من إسقاط النظام وتحرير سوريا سيرجح الكفة لصالحها".
د. أحمد زيدان.. كاتب وإعلامي سوري
وردا على سؤال
"عربي21" بشأن
الخلافات التي قد تظهر بين مختلف الفصائل والقوى السورية، لفت زيدان إلى أن
"طبيعة الخلافات غالبا ما ستكون حول رؤى وأفكار كيفية إدارة البلد، وهذا ما
يمكن حسمه ـ في تقديري ـ بالدعوة إلى مؤتمر وطني عام، تحدد من خلاله الآليات
والأطر التي يمكن أن تدار بها الدولة".
وعن إشراك مختلف الفصائل والتنظيمات
والهيئات السورية رأى أنه "سيتم إشراك جميع القوى والفصائل والتنظيمات في
إدارة الدولة، وهو ما كان موجودا من قبل في تجربة إدلب، فأحرار الشام موجودة،
وصقور الشام موجودة، وجيش العزة موجود، وجيش النصر موجود.. والعمل جار الآن على
دمج كل هذه الفصائل في وزارة الدفاع الجديدة في سوريا الجديدة".
ووفقا للكاتب المصري، الخبير في الحركات
الإسلامية، ماهر فرغلي فإن "فصائل المعارضة السورية متعددة الاتجاهات
والانتماءات، تتراوح بين السلفية والجهادية المعولمة وحركات الإسلام السياسي، وحتى
هيئة تحرير الشام تضم في صفوفها فصائل ومجموعات متنوعة أيضا، وقبل دخول حلب يبدو
أنه حصل اتفاق بتنسيق تركي مباشر بين فصائل الجيش الوطني الحر وهيئة تحرير الشام
ومعها فصائل أخرى".
وقال في تصريحاته لـ
"عربي21":
"يذكر أن هذا التنسيق الذي قامت به تركيا يرجع إلى فشل الحوار مع النظام
السوري، وعدم استجابة بشار للقاء الرئيس أردوغان، ولضغوط عربية كبيرة أيضا بسبب
فشل بشار في طرد الإيرانيين من سوريا، فكان لا بد من إسقاطه، ودُفعت هيئة تحرير
الشام مع حلفائها من الفصائل الأخرى للتحرك بما لديها من إمكانات عسكرية وخبرة
سابقة في إدارة إدلب".
ماهر فرغلي.. كاتب مصري وخبير الحركات
الإسلامية
وأضاف: "ليس مستبعدا أن تشكل التباينات
الفكرية تهديدا جديا للعملية برمتها، ومن المرجح أن لا يتم التوافق طوال الوقت،
ومن الوارد أن تقع اختلافات سياسية حول العديد من القضايا، وفي ما يتعلق بتسليم
سلاح الفصائل وحلها، وفي اختيار وترشيح من يحكم، وبشأن قضية إشراك العلمانيين وقوى
الفصائل الأخرى".
واستذكر فرغلي في ختام حديثه تجربة هيئة
تحرير الشام في إدارة إدلب، فقد "أبعدت بعض الفصائل، وقاتلت فصائل أخرى لم
تنضم إليها، وأبلغت عن قيادات فصائل أخرى، وكل ذلك معروف لكل مراقب ومتابع"
على حد تعبيره. لافتا إلى أن هيئة تحرير الشام "ستحاول احتكار السلطة، وهذا
واضح من طريقة الجولاني في اتخاذه قرارات منفردة، وتعيين بعض أقاربه ومعارفه.. لذا فأتوقع عدم استمرار الأمور على ما هي عليه الآن".