من الشائع والمتداول في تصريحات مسؤولين
إسرائيليين وأمريكيين توعد حركة حماس بتفكيك قواها العسكرية، وإضعاف قدراتها
القتالية، وأن لا يكون لها مكان في التالي لوقف إطلاق النار، وهو ما تتلقفه جهات
وشخصيات عربية معارضة لخط المقاومة عموما، أو معارضة بشدة لعملية
طوفان الأقصى على
وجه الخصوص.
ووفقا لمراقبين فإن العدوان على غزة الذي
جاء كردة فعل على عملية الطوفان، والذي أدخلها في حرب مدمرة ما زالت مفتوحة لغاية
الساعة، كانت نتائجه كارثية ومأساوية بكل ما في الكلمة من معنى، ومن الطبيعي في
مواجهات عسكرية عنيفة ودامية وطويلة المدى، أن تتكبد المقاومة في غزة خسائر ليست
بالقليلة، لكنها على الرغم من ذلك ما زالت موجودة، وقادرة على تنفيذ كمائن وعمليات
نوعية في مختلف مناطق قطاع غزة.
أما حزب الله في لبنان فبعد تلقيه ضربات
موجعة استهدفت قيادات الصف الأول من قياداته العسكرية والسياسية، بمن فيهم الأمين
العام السابق، حسن نصر الله، فقد خرج من المواجهات العسكرية مع الجيش الإسرائيلي
في المعركة الحالية، بعد أن دخل اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين حيز التنفيذ
في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني بوساطة أمريكية، لوقف العمليات العسكرية التي استمرت
لأكثر من عام بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
كيف يمكن قراءة انعكاس وتأثير معركة طوفان
الأقصى وتداعياتها المتمثلة في العدوان الإسرائيلي على غزة لغاية الساعة على حركات
المقاومة؟ وهل أفضت إلى تفكيك قوة حماس العسكرية وإضعافها بالفعل بحيث لن تقوم لها
قائمة بعد هذه الحرب الطاحنة أم أنه رسخ وجودها، وعمق تعلق الجماهير بوجودها
وبدورها ومن ثم ضرورة مساندتها واحتضانها؟
تجدر الإشارة إلى أن تقييم ذلك ومحاولة
الإجابة عن الأسئلة السابقة "يأتي في الوقت الذي ما زالت فيه الحرب مشتعلة
ولم تضع أوزارها بعد، وتحديدا في غزة، مع التنبيه على أن تأثير معركة طوفان الأقصى
على حركات المقاومة (حماس وحزب الله) متباين، وفيما يتعلق بحركة حماس فالتأثير
منوط بالكيفية التي ستتوقف فيها هذه الحرب، وطبيعة الاتفاق الذي سيحصل" حسب
الباحث والمحلل السياسي
الفلسطيني ساري عرابي.
وأضاف: "كما أن الأمر سيحتاج إلى بعض
الوقت بعد توقف الحرب لتبين طبيعة موقع الحركة داخل المجتمع الفلسطيني، وداخل غزة،
وإعادة الحركة لطبيعة بنيتها التنظيمية، ولعلاقاتها الإقليمية، فالأمر ربما يحتاج
لبضع سنوات حتى يتضح أثر معركة طوفان الأقصى على حركة حماس بوصفها حركة مقاومة على
وجه التحديد".
وواصل الباحث عرابي حديثه
لـ
"عربي21" بالقول: "لكن ما نستطيع قوله حتى الآن أنه على الرغم من
التدمير الهائل، والإبادة الجماعية، والأثر الفادح الذي أحدثه
الاحتلال الإسرائيلي
على قطاع غزة وحركة حماس ومقدراتها وكوادرها وبنيتها التنظيمية داخل قطاع غزة، إلا
أن الحركة حققت شعبية واسعة في الأوساط الشعبية والجماهيرية، والتي يمكن استثمارها
في وقت لاحق من قبل الحركة".
ساري عرابي.. باحث ومحلل سياسي فلسطيني
واستدرك بالقول: "لكن هذا يحتاج إلى بعض الوقت،
كما يحتاج إلى نوع من الاستقرار في المزاج العام الفلسطيني، فنحن الآن لا نستطيع
أن نتحدث عن رأي عام فلسطيني بخصوص الحرب وبخصوص نتائجها، وبخصوص الدمار الذي
أوقعه الاحتلال في مناطق القطاع المختلفة، فنحن نتحدث عن مزاج متقلب في ظل حرب
الإبادة الجماعية، وستتضح الأمور أكثر حينما يستقر المزاج العام الفلسطيني بعد وقف
الحرب".
ولفت عرابي إلى أن "طبيعة المقاومة في
فلسطين، وفي المنطقة العربية هي حالة متجددة باستمرار، حتى لو حدث نوع من التراجع
أو التفكك في قوى المقاومة الموجودة في فلسطين، وفي الإقليم العربي إلا أن طبيعة
الاستعمار الصهيوني يفرض تجدد حالة المقاومة، وهذه هي المسيرة الكفاحية والنضالية
للشعب الفلسطيني منذ عام 1948 وحتى هذه اللحظة".
وتابع: "فقد تمر أوقات تضعف فيها
المقاومة ويتراجع حضورها، لكن بنى المقاومة سرعان ما تتجدد، وهذه المقاومة أكبر من
حماس كتنظيم، وأكبر من حزب الله كحزب وتنظيم، وفي هذا السياق يمكننا أن نتحدث عن
أن بنى المقاومة على المستوى البنيوي والتنظيمي والمادي تعرضت لضربات كبيرة، وهي
بالتأكيد أمام امتحان سياسي عسير، سواء في الداخل الفلسطيني أو الداخل
اللبناني".
من جهته قال الباحث السياسي المصري، سيف
الإسلام عيد: "لا يمكن اعتبار تأثير معركة طوفان الأقصى متساويا في الحالتين
الفلسطينية واللبنانية، فعوامل مثل الجغرافيا، والحاضنة الشعبية، ومجريات المواجهة
العسكرية، وطول المواجهة وحجمها سيؤثر كثيرا من الناحية العسكرية".
وأضاف: "أما من الناحية السياسية، فما
كان يهدف إليه العدو من القضاء عليهما باء بفشل كبير، سواء على حزب الله الذي وقع
مؤخرا اتفاق وقف إطلاق النار مع جيش الاحتلال، أو ضد حماس التي ما زالت تقاتل
لأكثر من 14 شهرا".
سيف الإسلام عيد.. باحث سياسي مصري
وردا على سؤال
"عربي21" عن ما إن كانت معركة طوفان الأقصى بتداعياتها قد أفضت إلى تفكيك قوى المقاومة وإضعافها أم أنها
عززت من وجودها ودورها، فقد لفت عيد إلى أن "قوى المقاومة تضررت كثيرا من الناحية
العسكرية، فأمام آلة عسكرية تسعى لتطهير عرقي، وارتكاب إبادة جماعية تضررت مقدرات
المقاومة من الناحية العسكرية بالطبع، وتضررت كثيرا بفعل عدم وجود خطوط إمداد
فاعلة أثناء المعركة على عكس العدو".
وأردف: "أما من الناحية السياسية فإن
هذه الجولة من الحرب المتصلة أفادت المقاومة الإسلامية بوجه عام، وزادت من
شعبيتها، ورسخت وجودها، وعمق تعليق الجماهير بها، ودعمها ومساندتها".
وفي ذات السياق اعتبر الباحث المغربي في
الاجتماع السياسي، كريم أزماني مطر، أن معركة طوفان الأقصى "شكلت نقطة تحول
كبرى في صراع المقاومة مع إسرائيل، حيث كانت بمثابة اختبار لقدرة حركات المقاومة
على إدارة المعركة عسكريا وسياسيا في ظل سياقات إقليمية ودولية معقدة".
وأضاف: "لذلك تبرز الحاجة إلى تقييم
تداعيات هذه المعركة على حركات المقاومة في غزة ولبنان (حماس وحزب الله)، مع
التركيز على ما إذا كانت قد أضعفتها أم عززت وجودها ومنهجيتها، فحركة حماس تمكنت
من تحقيق اختراق نوعي عسكريا وسياسيا تمثل في كسر الحصار عن طريق مفاجأة العدو،
وتوجيه ضربات نوعية عميقة في الداخل الإسرائيلي".
وأردف بأنه "رغم التدمير الهائل الذي طال
القطاع والبنية التحتية، إلا أن المقاومة أظهرت قدرة على استدامة المعركة لفترة
طويلة وتحدي التفوق الإسرائيلي التكنولوجي واللوجستي، ثم إن هذه المعركة أعادت
تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية في غزة، وعززت مكانة حماس كممثل أساسي
للمقاومة الفلسطينية لدى قطاعات واسعة من الجماهير العربية والإسلامية".
كريم أزماني.. مطر باحث مغربي في الاجتماع
السياسي
أما عن تأثير "طوفان الأقصى" على
المقاومة في لبنان، فوفقا للباحث مطر في تصريحاته لـ
"عربي21" فإن
"حزب الله استخدم مقاربة مزدوجة؛ تصعيد مدروس على الحدود الجنوبية من خلال
استهدافات محسوبة دون انزلاق لحرب شاملة، كما أن الدور الرمزي لحزب الله في دعم
المقاومة الفلسطينية عزز صورته كجزء من محور المقاومة، مع الحفاظ على مصالحه
الاستراتيجية وعدم الانجرار لحرب لا تخدم أولوياته".
وعن تأثير معركة الطوفان على المقاومة في
غزة إن كانت أفضت إلى إضعافها أم إلى ترسيخ وجودها ومنهجها، قال إنه "على المستوى
العسكري ورغم الخسائر الفادحة، فإن المعركة لم تؤد إلى تفكيك المقاومة، بل أظهرت
مرونتها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، كما ازداد التعاطف الشعبي مع القضية
الفلسطينية بشكل ملحوظ، ما عزز من شرعية المقامة لدى الشعوب، حتى مع خسائرها
الميدانية".
أما تأثيرها على المقاومة في لبنان، فلفت
مطر إلى أن "حزب الله خرج مستفيدا من المعركة، بالرغم من كل الضغوط الداخلية
والإقليمية، إذ رسخ نفسه كضامن لخط الدفاع عن المقاومة الفلسطينية، وارتفعت أسهمه
داخليا بين جمهوره باعتباره جزءا من المعركة الأوسع ضد الاحتلال، ما يعزز قاعدته
الجماهيرية، كما أن حزب الله استثمر التطورات لتعميق تحالفاته مع حركات المقاومة
الأخرى وتعزيز مكانته الإقليمية".
وخلص في ختام كلامه إلى القول إن "التحدي
الرئيسي الآن يتمثل في قدرة المقاومة على تطوير أدواتها وتوسيع خياراتها السياسية،
مع الحفاظ على دعمها الشعبي في مواجهة الضغوط الدولية والمحلية، وهنا يجب الإقرار
بأن معركة طوفان الأقصى أثبتت أن حركات المقاومة في غزة ولبنان ليست فقط قادرة على
الاستمرار، بل على تعزيز وجودها، وإعادة تعريف قواعد الاشتباك مع الاحتلال".