هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فاجأ الرئيس قيس سعيّد، عموم التونسيين بخطاب مغاير لما عهدوه عنه من نبرة اتهام وتحد، حيث دعاهم إلى "الوحدة وتجاوز الحسابات السياسية الضيقة التي لا تدوم".
والخميس، أكد سعيّد أن تونس "لن تتقدم إلا في ظل قبول الآخر والتنافس النزيه"، مشيرا إلى أن "الاختلاف في التصورات والآراء لا يعني انعدام التعايش"، بحسب بيان صادر عن الرئاسة التونسية.
جاء ذلك خلال إشراف رئيس البلاد على اجتماع مجلس الأمن القومي، فيما أعرب سعيّد عن تمنياته بالشفاء العاجل لجميع المصابين في حادث الحريق الذي وقع عشية الخميس.
ودأب الرئيس التونسي على إطلاق صفة "مخمورين" على معارضيه، إذ تحدث في وقت سابق عن "عشرات المخمورين" الذين تظاهروا أمام المسرح البلدي في العاصمة ضمن "مسرحية فاشلة مخرجها معروف"، في إشارة لوقفة احتجاجية نظمتها مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" رفضا لاجراءاته الاستثنائية.
كما نعتهم لاحقا بـ"الحشرات" و"الشياطين"، متوعدا بـ"رجمهم" وبمحاكمتهم بتهمة الخيانة، لأنهم يتآمرون على البلاد ويطالبون بالتدخل الخارجي، على حد تعبيره.
— Fahad Alajmi🤐 (@alajmifahad1212) October 6, 2021
ويتزامن التغيير بنبرة الرئيس التونسي، في وقت تواصل فيه قوى المعارضة التحرك على المستويين المحلي والخارجي من أجل الضغط عليه لدفعه نحو التراجع عن إجراءات 25 تموز/ يوليو الماضي، والتي وصفت بالانقلابية.
كما جاء التصريح الجديد لسعيّد في وقت تواصل أحزاب المعارضة استعداداتها لبدء تحرك وطني، بداية من يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، تزامنا مع ذكرى إندلاع الثورة، ومن المتوقع أن تعلن الأحزاب نصا مشتركا، يدعون فيه إلى عودة عمل البرلمان، وتنقيح القانون الانتخابي، والدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لآوانها من أجل إنهاء انقلاب سعيّد، بحسب ما تحصلت عليه "عربي21" من معطيات.
وفي تعليق، قال القيادي بحركة النهضة ماهر مذيوب في تصريح خاص لـ"عربي21": "استمعنا لنبرة جديدة من الرئيس قيس سعيد، نرحب بها و نشجعها و نرجو ان تجسد الأعمال الأقوال".
وأضاف: "نحن تونسيون و سيدات و رجال دولة مسؤولين، ننبذ الشحناء و البغضاء و كل ما يؤسس للاحتراب الأهلي و نشجع كل خطاب مسؤول و متوازن و مجمع يبحث عن الحلول و يعمل على حلحلة أعنف و أقسى أزمة اقتصادية و اجتماعية و سياسية تعرفها تونس منذ عقود".
وبيّن مساعد رئيس البرلمان: "نحن نشجع كل من يعود إلى الجادة و إلى الرشد و الطريق السليم طريق الحوار و الاتزان و حلحلة المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية لتونس و التونسيين".
كما شجع مذيوب الرئيس سعيّد على اتخاذ خطوات في هذا الإطار "من ضمنها إطلاق سراح جميع مساجين الرأي النيابي و جميع المدونيين و غلق الملفات الكريهة التي لا تليق به كرئيس و لا بتونس الجديدة و إسقاط كل القضايا الجارية المتعلقة بالعمل السياسي أو النيابي أو المدني وعودة العمل بدستور البلاد 2014 كاملا ورفع التجميد عن اعمال مجلس نواب الشعب و الغاء المراسيم 117 سيئة الذكر و كل ما تسبب في هذه الأزمة السياسية التي عصفت بتونس"، على حد تعبيره.
وعن تزامن خطاب سعيّد مع لقاء رئيس النهضة راشد الغنوشي، مع السفير الفرنسي بتونس، أكد مذيوب أن: "السيد رئيس مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية الأستاذ راشد الغنوشي يستقبل السيدات و السادة السفراء ضمن مسؤوليته، و الدبلوماسية البرلمانية التي جاء بها الدستور ونص عليها النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية واجتماعه بسعادة السفير الفرنسي أو غيره يأتي في هذا الإطار.
وأوضح: "هذه اللقاءات لا تعني البتة السماح لغير التونسيين التدخل في شؤوننا الوطنية بل هي من أجل تعزيز التعاون الثنائي من أجل مصلحة البلدين و الشعبين الصديقين".
اقرأ أيضا: سفراء مجموعة السبع بتونس يدعون إلى عودة سريعة للبرلمان
وعن دور الاتحاد العام التونسي للشغل في تغير خطاب سعيّد، اعتبر النائب أن المنظمة لعبت منذ تأسيسها دورا وطنيا تجمعيا و ليس اقصائيا، قائلا: "نحن نرحب بكل من يعمل صباحا و مساء من أجل مصلحة تونس وشعبها".
من جانبها، قالت الباحثة جامعية في الاتصال السياسي، شيماء تابعي، في تصريح لـ"عربي21" إن خطابات رئيس الجمهورية منذ 25 تموز/ يوليو، تشابهت من حيث المضمون ومن حيث الشكل.
وأضافت: "في كل مناسبة وجه سعيد عبارات مختلفة لمعارضيه مثل شياطين.. فيروسات.. ميكروبات، ليؤكد أنهم ليسوا طرفا من الشعب التونسي".
وأوضحت: "جاء الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية بطريقة مغايرة، حيث استعمل سعيّد عبارات أقل حدة لوصف خصومه، مرددا تونس لن تتقدم إلا في ظل قبول الأخر وعلى أن الدولة تتسع للجميع، داعيا إلى وضع حد للقضايا التي تبرز من الحين والآخر حتى يمر المواطن من حالة اليأس إلى حالة الأمل".
وخلصت الباحثة الجامعية بالقول إلى أن "جاء هذا الخطاب في سياق سياسي خاص تعيشه تونس في الفترة الأخيرة، وهو ما دفع رئيس الجمهورية إلى التهدئة في خطابه من حيث المضمون، ومن حيث الأسلوب، فقد تواصل سعيد مع الشعب تونسي بصوت متزن وهادئ إلى حد ما، دون التشنج الذي إعتدناه من رئيس الجمهورية في خطاباته السابقة".
"سعيّد ماض في طريقه"
في المقابل، استبعد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في تصريح لـ"عربي21" أن يكون خطاب قيس سعيّد تراجعا عن إجراءاته الاستثنائية بل هو ماض في طريقه، معتبرا ذلك محاولة من الرئيس من أجل استيعاب ردود الفعل التي تلت الحريق الذي نشب بمقر حركة النهضة.
وأوضح الجورشي أن التعليقات التي ظهرت بمواقع التواصل الاجتماعي بعد حادثة الحريق بمقر النهضة "كانت رديئة وتميزت بالشماتة والحقد"، بحسب تعبيره.
وبحسب المحلل السياسي، أراد رئيس البلاد أن يوضح أنه لا يفكر في ممارسة العنف ضد النهضة أو إشعار الشماتة، رغم أنه يعتبرها خصما سياسيا ويسعى إلى إبعادها وعزلها.
واستبعد صلاح الدين الجورشي أن يكون الجانب الفرنسي مارس ضغطا على رئيس الجمهورية من خلال لقاء السفير بالغنوشي.