هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اختارت جماعة العدل والإحسان المغربية أن تحيي الذكرى التاسعة لوفاة مرشدها العام الإمام عبد السلام ياسين، والتي تصادف يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) من كل سنة، بتنظيم ندوة فكرية وحوارية مركزية حول "المغرب وسؤال المشروع المجتمعي" يومي السبت والأحد 11 و12 كانون الأول الجاري ضمت جلسة افتتاحية وثلاث جلسات حوارية.
د. أمكاسو: المغرب يحتاج مشروعا مجتمعيا شاملا يلامس قضايا الحكم والاقتصاد والقيم
افتتحت الندوة بجلسة افتتاحية تناول كلمتها الأولى الدكتور عمر أمكاسو عضو مجلس إرشاد الجماعة، الذي أقر أن مشكلة المغرب وأزمته "أعقد وأعمق من أن يحلها مشروع أو نموذج تنموي جيء به، بمجموعة من الإجراءات والتدابير التقنية، ما لم يلامس جوهر ولب مشكلة المغرب التي هي أزمة الحكم وأزمة القيم، قبل أن تكون أزمة تنمية"، مبرزا أن ما يحتاجه المغرب في نظره هو “مشروع مجتمعي شامل لكل القضايا، وبالدرجة الأولى يلامس القضايا الكبرى؛ قضايا الحكم والاقتصاد والقيم المجتمعية"، داعيا من وصفهم بـ"فضلاء وفضليات الوطن" إلى العمل سويا لإخراج بلده المغرب من "هذا المأزق الذي أوقعنا فيه الفساد والاستبداد"، على حد تعبيره.
ذ عبادي: مشروع الإمام ياسين يروم بناء عمران أخوي رحيم بالإنسان والكون
اعتبر الأمين العام لجماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد عبادي مشروع الإمام ياسين "مشروعا إنسانيا" رام من خلاله "خلاصا للفرد وللجماعة وللأمة، أمة الإجابة وأمة الدعوة".
وأضاف في كلمته الافتتاحية بذات المناسبة أن مشروع صاحب الذكرى يدعو إلى "تأسيس مجتمع تبنى قواعده على العدل والإحسان والشورى، يضمن الحرية والأمن والكرامة لكل أفراد المجتمع، أطلق عليه صاحبه، "العمران الأخوي"؛ لأنه يؤاخي بين المواطنة الإيمانية والمواطنة الجغرافية، يصهرها في بوتقة واحدة، ويربطها برباط الأخوة القائمة على التعاون والتآزر والتكافل".
سؤال الدولة والحكم في المشروع المجتمعي للمغرب
وصف عبد الله الحريف، عضو الكتابة الوطنية لحزب النهج الديمقراطي المعارض، نظام الحكم بالمغرب بكونه "ديكتاتورية ناعمة، تتحول بسرعة إلى تغول بوليسي، كما وقع في ما سمي بسنوات الرصاص في مواجهة الانتفاضات الشعبية".
القيادي اليساري، الذي حل ضيفا على الجلسة الأولى من ندوة الجماعة إلى جانب الصحفي المغربي أبو بكر الجامعي والأستاذة أمان جرعود، عضو الدائرة السياسية للعدل والإحسان ومسؤولة قطاعها النسائي، وأدار نقاشها الإعلامي عبد الرحمان خيزران، أبرز أن المغرب لا يزال في قبضة نظام مخزني، وعلى رأسه المؤسسة الملكية التي لا تزال تحتكر السلطات الأساسية في البلد.
من جهتها أوردت الأستاذة أمان جرعود مجموعة من المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية فندت من خلالها أطروحة الإصلاح في النظام السياسي المغربي لتخلص إلى أن "مقولة المسار الإصلاحي إهدار للوقت وتعميق للأزمة، وتعطي الفرصة للاستبداد للتغول أكثر"، والدولة، تضيف، راكمت "سنوات من التدبير الفاشل ووصلنا في هذه اللحظة إلى تدبير الفشل، بسبب غياب رؤية واضحة المعالم".
وهذا الواقع دفع القيادية النسائية في الجماعة إلى دعوة من وصفتهم بـ "الأحرار" إلى "التعالي على كل الحسابات لكي يتحالفوا ويصوغوا استراتيجية واضحة للشعب، ويقودوا معركة التحرير"، وفق ثلاثة مسارات في منظورها وهي: تحرير السياسة من السلطوية، تحرير الاقتصاد من الاحتكار، وتحرير الإنسان من الخوف، لتحقيق انتقال ديمقراطي آني غير مرهق وغير مكلف على حد قولها.
وفي ذات السياق أكد الصحفي أبو بكر الجامعي "أن النخب السلطوية استنفدت كل مواردها للاستدامة في الحكم” مؤسسا حكمه هذا على الضربات التي تلقتها السلطوية بالمغرب منذ حراك 20 فبراير، مرورا بحراكات أخرى مثل حراك الريف، وصولا إلى سقوط ما وصفه بالوهم الإصلاحي من خلال الانتخابات الأخيرة التي أبانت في نظره عن استنفاد النظام السياسي لكل الخيارات الإصلاحية، محذرا أن تكون الأوضاع الاجتماعية المتفاقمة وعلى رأسها البطالة "سلاحا مهددا للمنظومة ككل"، ليدعو من جهته الجميع "لإيجاد صيغة جديدة لعلاقة الدولة بالمجتمع، وتركيبة جديدة لإعادة توزيع الثروات"، وإلا، يختم محذرا "فالمغرب مقبل على صدمة كبيرة".
القيم المجتمعية في أفق محاربة الفساد والاستبداد
تناولت الجلسة الثانية من ندوة الذكرى التاسعة لرحيل الإمام ياسين "سؤال القيم المجتمعية" محورا للنقاش والتداول، وأطرها كل من الأساتذة: خديجة الرياضي، محمد الزهاري، الحسن العزاوي، خالد العسري، وسيرتها الإعلامية هاجر الكيلاني.
وقد أقر الناشط الحقوقي المغربي محمد الزهاري في هذه الجلسة بأن خطاب فصل السياسة والاقتصاد والعلم وغيرها عن الأخلاق أصبح فعلا "متداولا محليا وإقليميا ودوليا، وهو يحاول أن يشرعن لمجموعة من السلوكات التي تهوى الوصول إلى السلطة والركوب عليها، وفرملة كل ما يمكن أن يؤسس للقيم في العمل السياسي"، واعتبر أن إبعاد الأخلاق عن المجتمع هي "شرعنة للسلوكات التي تكرسها السلطوية والحكم الفردي، والجهات الداعية لذلك بعيدة عن وحدة الأسرة والفرد والجماعة والمجتمع".
وأردف أن من الأمور التي يجب أن نؤسس لها، لمجابهة هذه الممارسات هي "شرعنة سلوكاتنا وكل عملياتها التنظيمية وغيرها وربطها بالأخلاق". أي، يضيف، "الوصول إلى إنتاج إطار يؤسس العمل على آصرة الأخلاق وسند القيم المشتركة في علاقاتنا المجتمعية، وتكون أرضية للحوار والتوافق".
الدكتور في القانون الدستوري والعلوم السياسية خالد العسري رأى من وجهة نظره "أن معركة القيم هي أكبر معركة تحدد مسار الشعوب استراتيجيا"، وزاد أن "القيم تعرض على شكلين: إما معادلة أو مقايضة، وهو ما نلحظه في تلخيص الأنظمة الاستبدادية للقيم في قيمة الاستقرار، فأصبح الاستقرار هو منة الأنظمة على الشعوب". وهي في نظره "مقدمة تنظيمية تأسيسية لفهم كيف تؤسس القيم عند الأنظمة المستبدة لصناعة خلق الطاعة المطلقة".
وقد دعا في إطار مقاربته للبديل عن قيم الاستبداد إلى "ضرورة البحث عن قيم متصادقة وليست متصادمة" بهدف الوصول إلى ما أسماه “أرضية قيمية جامعة".
من جهتها قالت الناشطة الحقوقية البارزة خديجة الرياضي إن "مسألة الأخلاق يجب اعتبارها غير منفصلة عن القيم العامة، وكلما تغيرت المجتمعات تغيرت القيم. فليس هناك قيم موحدة، هناك قيم فردية وأخرى سائدة في المجتمع". واعتبرت أن هذه الأخيرة "غالبا ما تفرضها النخب الحاكمة والسائدة لتبرير الأزمة وتأبيد الاستبداد". وهي قيم، تضيف، “تبرر الأوضاع المزرية التي تعيش فيها هذه الشعوب، حتى يقبل الناس بها ويعتبرونها مسألة طبيعية، فيعتبرون الفقر والظلم والاستبداد… قيما عادية". كما شددت على أهمية تعزيز مجال الفكر والقيم، وضرورة نشر "القيم الإنسانية ضد الفساد والاستبداد".
عضو مكتب جمعية مكارم للقيم والأخلاق، والدكتور في ديداكتيك الفيزياء الحسن العزاوي رجع إلى التاريخ المغربي ليستلهم منه بعض المشاهد لسيادة قيم المجتمع على السلطة الحاكمة وعلى المستعمر، فأورد مثلا قدرة "علماء القرويين بفاس على عزل ملك وتنصيب ملك بتولية مشروطة، وفرضوا عليه مهام تخدم الوطن"، كما استطاع هذا المجتمع الحي بقيمه بحسبه "أن يولد المقاومة والتحرير في الريف والجنوب ومناطق أخرى قاد فيها الشعب موحدا بالقيم". وهذا ما تنبه له الاستعمار وسعى إلى تخريب تلك القيم الجامعة للمجتمع المغربي، وعلى نفس الطريق سارت السلطة السياسية بعد جلاء الاستعمار، يضيف العزاوي.
متاهات التنمية والنموذج التنموي بالمغرب
رأى الدكتور عمر الكتاني الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي أن المغرب وإن كان حقق جزءا من التنمية الاقتصادية لكنها لم تنعكس قط على التنمية الاجتماعية، بل يستدرك، تحققت تلك التنمية على حساب التنمية الاجتماعية، وعلى تهميش جزء كبير من المجتمع المغربي الذي هو خارج التغطية الاجتماعية من تعليم وصحة وشغل ومسكن وغيرها. وبالمقابل فإن ذلك مؤشر على تركيز ثروة البلد في يد نخبة معينة، ومؤشر أيضا على هيمنة اقتصاد الريع...
الكتاني العضو المؤسس والرئيس السابق للجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي، الذي كان أحد ضيوف الجلسة الثالثة من ندوة العدل والإحسان التي خصصت لسؤال التنمية في المشروع المجتمعي إلى جانب الخبير الاقتصادي والمناضل الحقوقي فؤاد عبد المومني، والخبير الاقتصادي نجيب أقصبي، والأستاذ الجامعي وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للعدل والإحسان محمد بنمسعود، وأدار فقراتها أستاذ التعليم العالي في الاقتصاد والتدبير هشام عطوش، اعتبر أن النموذج التنموي الحالي لم يقم بتشخيص الوضع السابق، وتابع قائلا إن الدولة تعلم الوضع العام ومشاكله، لكن الذي لا تفهمه هو أن الأوضاع تزيد إلى الأرذل والأسوأ، وتساءل، مشفقا على بلده ومواطنيه، بقوله: "لقد حافظنا على الأمن الاجتماعي في الـعشرين سنة الماضية وهي المسألة الأهم التي حققها المغرب في هذه المدة، ولكن هل سنبقى محافظين عليه مستقبلا؟".
من جهته لفت الدكتور فؤاد عبد المومني إلى أن المغرب رغم "تبنيه لكل البرامج الإنمائية الدولية خاصة في مجال التنمية البشرية، إلا أنه ظل، يوضح الخبير الاقتصادي، في تراجع مستمر بل وفظيع مقارنة ببلدان أخرى انطلقت من نفس المواقع، وأيضا بالنظر إلى إمكانيات البلد المتعددة، وثالثا بالنظر إلى انتظارات المواطنات والمواطنين، ورابعا لعدم مواكبته التطور الكبير الذي بات يعرفه المجتمع المغربي”. وقد خلص عبد المومني من هذه الأعطاب التنموية التي يعرفها المغرب إلى أن هناك “مشكلا جوهريا في العقل السياسي المركزي، وكذلك هناك مشكل عقلية النخب والمجتمع، غياب عقلية تقدير المجهود وتشجيع العطاء وربط المسؤولية بالمحاسبة".
بدوره أكد الخبير الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي أن إشكال التنمية بالمغرب متمثل أساسا في “الاختيارات السياسية التي جعلت المغرب منذ 70 سنة يدور في حلقة مفرغة"، واستبعد أن يحقق النموذج التنموي الذي أطلقه المغرب مؤخرا نتائجه المرجوة لأنه و"منذ البداية وُضِعت خطوط حمراء مسبقة أمام من أشرفوا على هذا العمل، وهذا هو المشكل"، وأدى هذا إلى أن نتيجة التشخيص كانت "مغلوطة". هذه الخطوط الحمر جعلت أقصبي يقر أن رهانات التنمية بالمغرب ستجد نفسها دائما أمام سقف زجاجي وحاجز حديدي يصعب اختراقهما، وهذا، يضيف أقصبي، من نتاج العقل السياسي السلطوي المتحكم في البلاد.
وفي ذات الجلسة الثالثة دعا عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان الدكتور محمد بنمسعود إلى تجاوز اختزال التنمية في بعد واحد أو بعدين للإنسان، بتقزيمه إلى كائن منتج ومستهلك ليس إلا، مما يعني، بحسبه، قتل الإنسان ورهنه بمنطق السوق الاستعبادي واختزاله في أرقام ومؤشرات، مما يجعل التنمية بهذا التوصيف نقمة على الإنسان والكون.
وبعد رصده لعشرة اختلالات تخترق النموذج التنموي المعلن عنه من طرف الدولة المغربية، عده القيادي في العدل والإحسان مجرد "فقاعة إعلامية كالفقاعات السابقة، وذلك لأجل تلميع وجه الفساد والاستبداد"، ليخلص إلى أن معركة التنمية بالمغرب هي معركة إرادة وتحرر وفك رقاب المغاربة، بهدف إنجاز التنمية المنشودة، تنمية شاملة تؤسس للعمران الأخوي بأبعاده المختلفة وفي صلبها البعد الإنساني.
د. متوكل: مطلب الحرية أولا
اختتمت ندوة الذكرى التاسعة لوفاة مرشد العدل والإحسان بكلمة لرئيس دائرتها السياسية الدكتور عبد الواحد المتوكل شدد فيها على أن "فساد الحكم هو أم المشاكل وأبوها في المغرب"، مبرزا أنه "ما لم تحل معضلة نظام الحكم في المغرب، وما لم يقم هذا النظام على أسس سليمة وقواعد دستورية تقطع جذريا مع جرثومة الفساد والاستبداد، وما لم تكن هناك مؤسسات حقيقية تتمتع بصلاحيات؛ حكومة تحكم، وقضاء مستقل، وبرلمان يملك أن يقوم بوظائفه التشريعية والرقابية إلى غير ذلك، فإن الحديث عن نهوض تنموي حقيقي سيبقى مجرد كلام أو ضربا من الأحلام ليس إلا".
ولهذا ركز المسؤول السياسي في الجماعة على أسبقية مطلب الحرية؛ "كي يكون هناك فضاء للنقاش، كي لا تبقى فئة مقصية، لكي يتأتى للجميع أن يشارك، ولكي يكون الدستور فعلا هو نتيجة لنقاش عمومي، وقد صنع على عين الشعب، ويكون بالفعل معبرا عن إرادته". ورأى أن المدخل الصحيح لهذا التغيير هو بناء الإنسان عن طريق ما وصفه "بالتربية ثم التربية ثم التربية، كي يكتسب الإنسان الثقة في نفسه، ويعلم أنه يستطيع أن يصنع ويغير".