من الواضح في
لبنان أن اللعبة السياسية الدولية تجاه لبنان تغيرت، وهي مستمرة في حالة المزيد من الضغط على كافة المستويات منذ حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب انفجار المرفأ (بيروتشيما)؛ عن الرغبة الدولية برؤية لبنان جديد، وما هو أبعد من الكلام المعلن فرنسيا وما كان مضمرا في خفايا الكلام بالقبول بصيغة المؤتمر التأسيسي لإعادة تكوين صورة لبنان الجديد؛ على وقع كل المعطى الجديد محليا وإقليميا ودوليا.
فمحليا لم تعد الساحة فيها كثير من اللاعبين الأشداء ولا كثير من التحالفات الثابتة التي تجلت بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وصولا إلى معادلات أفضت إلى أكثر من اشتباك فعلي وسياسي، من الحوادث المتنقلة من شويا البقاعية إلى خلدة الساحلية فالطيونة- عين الرمانة، حيث كاد البلد أن ينزلق إلى الفتنة بكل أبعادها، علما أن تداعياتها لا زالت قائمة، وآخرها الدعاوى القضائية المقدمة بحق رئيس حزب القوات وأمين عام حزب الله، والتي هي ليست ببعيدة عن موازين الحكومة المشلولة وأطر عودتها للحياة؛ عبر إقصاء القاضي البيطار (قاضي تحقيق المرفأ) أو تقييد صلاحياته التي هي نفسها مثار جدال كبير في استدعاء النواب والوزراء وتعديل صور محاكمتها أمام أي هيئة اتهامية، والحديث يطول دستوريا.
لكن من الواضح أن الساحة الداخلية عرضة لكل أشكال التغير، في ظل بداية الحديث عن تأجيل أو تطيير الانتخابات بعد رد طعن التيار الوطني الحر من قبل المجلس الدستوري؛ وبداية الاستدارة بين الامتصاص أو التحول التي سيمضي بها التيار تجاه حزب الله في ظل الإحراج مسيحيا، مرورا بالعلاقة المتأزمة مع حليف الحليف حركة أمل، وصولا إلى عامل سيكون له مفعول خطر على مدى الوطن، وهو غياب الرئيس الحريري وما يحكى عن طول غيبته عن الساحة، ما سيولد حالة سنية غارقة بين التخبط والإحباط والانكفاء، وبالتالي قد تكون ساحة مفتوحة لكل من يريد اللعب على الوتر الطائفي في بلاد تكتوي منذ عقود بنار الطائفية والمذهبية.
وعلى الساحة الإقليمية، يبدو جليا أن لبنان الجديد أو لبنان الذي يحضّر له أو لبنان المطلوب دوره ضمن صيغة معينة؛ قد كان حاضرا في لقاءات متعددة؛ إن في حوارات السعودية وطهران في العراق وغيره، أو في قمم ولي العهد السعودي مع الدول الخليجية قبل قمة الرياض، أو حتى ضمن بيان قمة الرياض نفسها، أو عبر المساعي القطرية تحت الطاولة.
ولكن أبرز التجليات الإقليمية ظهرت في لقاء جدة بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي، وبوضوح تام تجلى أن البيان الختامي الذي أذيع بعد المحادثات قد وضع أسس الحل، ليس فقط على مستوى العلاقات اللبنانية- السعودية وحسب، إنما على صعيد الوضع اللبناني برمته، لأن ما يُحكى عن إصلاحات، وقرارات دولية، والسلم الأهلي، والاستقرار الداخلي، كلها مواضيع تحل الأزمة في لبنان، وعندما تُحل
أزمات لبنان انطلاقاً من هذه المسلّمات تصبح علاقات لبنان صحية وطبيعية وودية؛ ليس مع الدول الخليجية وحسب، إنما مع كل العالم.
لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن ما تضمنه البيان من نقاط ليس جديداً وهي موجودة منذ زمن، حيث أن القرارات الدولية في غالبيتها والمتعلقة بلبنان إنما هي مجزأة التنفيذ أو معلقة، وكذلك
الإصلاحات مطروحة منذ سنوات ولم تنفذ، وحديثها يبدأ منذ مؤتمر سيدر حيث المليارات المهدورة في زمن حاجتها، وصولا إلى تقريع السفير بيار دوكان مؤخرا حيث لا تنفيذ للإصلاحات داخليا.
وعليه فالبيان الختامي الذي أعقب لقاء الرئيس ماكرون والأمير محمّد بن سلمان بقدر ما هو إيجابي؛ يبقى من دون قيمة ما لم يتم التوافق اللبناني الداخلي على تنفيذ مضامينه. وهنا بيت القصيد، عندما يكون الإقليم يرغب بصورة لبنان على تفصيله، وواقع الأمر الداخلي يسرح ويمرح في ميادين وحسابات أخرى!!
أما دوليا، فلبنان حاضر في الحديث الدولي ضمن كلمات افتتاحية وجوهرية: "الإصلاحات، الانتخابات، اللاجئون، الترسيم". ولقد تجلى ذلك في كل الزيارات الأخيرة، وآخرها زيارة أمين عام الأمم المتحدة التي لن تفضي لجديد إلا تحت مظلة توافقات إقليمية ودولية ستحسمها أكثر من جهة إقليمية ودولية، علما أن البعض بدأ جديا يتحدث عن الخوف من المرحلة القادمة في بداية العام الجديد: صحيا مع أوميكرون القادم بقوة، مرورا بالخوف من أحداث أمنية قد تزعزع الكثير من القواعد الثابتة وآخرها ما جرى في قرية شقرا الجنوبية مع قوات الطوارئ الدولية
اليونيفيل..
فهل مع لبنان الجديد المطلوب ستتغير قواعد الاشتباك ودور اليونيفيل؟.. ليس غريبا، فقد طلب من قبل ذلك، ولكن هل إلى ذلك من سبيل؟ كل الوقائع على الأرض تقول: الأمر شبه مستحيل في لبنان الحالي.
ميلاد مجيد بانتظار ميلاد لبنان السعيد.