هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
"من ربى أفضل ممن اشترى"!
مثل مصري شائع، نذكره بتصرف، لأن عاميته ركيكة إذا كُتب وإن لم تكن كذلك إذا ذكر شفاهة، وقد تذكرته وهناك احتفاء بطلب إبراهيم عيسى المقرب من أهل الحكم، الإفراج عن المعتقلين السياسيين، فلأن "الجائع يحلم بسوق الخبز"، فقد اعتبره البعض كاشف عن توجه جديد بالإفراج عن المعتقلين من التيار المدني، وأنه ليس أكثر من صدى لصوت القوم في الحجر المغلقة!
فالإجماع منعقد على أن "المذكور"، من الأذرع الإعلامية للنظام الانقلابي، والأبواق الإعلامية مسيرة لا مخيرة، وكونه يقول هذا فالمعنى أنه نطق بما أملاه عليه "حضرة الضابط" الذي يدير هذه الأبواق بوساطة رسائل سامسونج الشهيرة، ولعله كان صدمة لمن سألوني فكانت إجابتي محبطة لهم، وإذا كان من الجائز أن يكون السؤال في البداية منطقياً، فقد أدهشني من طرحوا السؤال بعد ذلك، وعندما صدرت الأحكام بالسجن ضد الرموز الشبابية لهذا التيار المدني؛ علاء عبد الفتاح، ومحمد الباقر، وأوكسجين!
وإذا كان من المنطقي أن يستمر السيسي في سجن المعتقلين من الإخوان، ومن الإسلاميين كافة، فإن استمراره في سجن شباب التيار المدني يبدو مدهشاً لدى البعض، ومن ثم فقد اعتبروا أن ما ذكره "عيسى" إنما يؤكد على عدول السلطة عن شمول هذا التيار ببطشها، وهم بذلك لا يعرفون كيف يفكر السيسي وكيف يقدر!
فاستمرار التنكيل بشباب الحركة المدنية، يرجع إلى في جانب منه إلى الانتقام، ليس فقط لأنهم شاركوا في ثورة يناير، وإنما أيضاً لأنه لم يغفر لهؤلاء الشباب تطاولهم على المجلس العسكري إبان حكمه وعلى بعض رموزه، وهم وإن شاركوا في الانقلاب على الإخوان، فإنه لا يقيم علاقته في الحكم على الأشياء أو الأشخاص القرب من الإخوان أو البعد عنهم، وفي جانب آخر فإنه يعتمد دائماً سياسة الأخذ بالأحوط، وهو يتشدد في الاحتياط لنفسه، لأنه يسيطر عليه الهاجس الأمني بشكل مبالغ فيه، وجانب من تعدد قصوره الرئاسية يرجع لذلك، وهو لديه تصور خاطئ عن أن الذين شاركوا في ثورة يناير، هم شعلة نار تنتظر الفرصة لإحراق الأرض تحت أقدامه، فإذا لم يكونوا زعماء الثورة المقبلة، فإن التسامح معهم سيكون سبباً في تجرؤ آخرين، إذن فليتعلم الجميع من رأس الذئب الطائر، ليستقر في وجدان الناس، أنه لن يرحم صغيراً ولن يوقر كبيراً.
شكوى محمود عزت:
فالفيديو الرائج عن شكوى الدكتور محمود عزت القيادي بجماعة الإخوان المسلمين يأتي في سياق الدروس المجانية في هذا الصدد؛ فتصوير الجلسات بعد التجريم القانوني، لا يمكن أن تقوم به إلا السلطة وأدواتها، وإلا كان قد فتح التحقيق فوراً في انتشاره، لمعاقبة من تطاول على المحكمة وقام بهذا الفعل المجرم بنص قانون جديد، أقره النظام لتكون جلسات المحاكم قبضته!
إن سياسة الأخذ بالأحوط مردها إلى ما أفصح السيسي عنه كثيراً من أن هامش الحريات في عهد مبارك كان سبب قيام الثورة، وهو أمر ليس دقيقاً، فالدقيق أن أجهزة الأمن فعلت كل ما في وسعها من أجل فرض القبضة الأمنية، التي بدأت في الارتخاء بسبب الانتهاء الحقيقي لحكم مبارك، واستفزاز سياساته، وبدأ انهيار هيبته، فضلا عن ضغوطاً أمريكية في عهد بوش الابن، بدأت بتفجير البرجين، والذي كان يؤمن بأن دول الاستبداد العربي هي السبب في انتقال الإرهاب إلى بلده، ومن ثم كانت ضغوطه في اتجاه التحول الديمقراطي، فكانت الصحف الممولة أمريكياً، وكان كلا منهما يحاول هندسة الموقف بطريقته!
فالأجهزة الأمنية لم تتوقف عن التنكيل بالنشطاء، عياناً بياناً وأمام الكاميرات، وحدث أن تم الاعتداء من قبل الشبيحة الذين يحيطون برجال الأمن بالصحفية نوال علي أمام نقابة الصحفيين، ومرة أخرى صدرت إدانة أمريكية لهذا الفجور، لكن مثل هذه الممارسات كانت سبباً في اتساع نطاق المعارضة حتى وصلت لقوى محافظة بطبيعتها مثل نادي القضاة!
الفيديو الرائج عن شكوى الدكتور محمود عزت القيادي بجماعة الإخوان المسلمين يأتي في سياق الدروس المجانية في هذا الصدد؛ فتصوير الجلسات بعد التجريم القانوني، لا يمكن أن تقوم به إلا السلطة وأدواتها، وإلا كان قد فتح التحقيق فوراً في انتشاره، لمعاقبة من تطاول على المحكمة وقام بهذا الفعل المجرم بنص قانون جديد
ومرة أخرى يتحايل مبارك على الأمر في اتجاه القمع، فألغى الإشراف القضائي على الانتخابات، وأغلق الاستوديوهات في وجه قنوات تلفزيونية كما حدث مع قناة بي بي سي، ثم كانت الطامة الكبرى بالانتخابات البرلمانية التي جرت في سنة 2010، التي سدت كل أبواب التغيير عبر الأطر الشرعية، وفي المقابل فان الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن ضد استمرار مبارك في الحكم، لكنها كانت تحتاط لفكرة تغييب الموت له، وإذا لم ينجح في التوريث فلابد من أن تصنع البديل على عينها، وكان هذا البديل هو الدكتور البرادعي، الذي لم يكن مؤهلاً لشيء من هذا، مع الوضع في الحسبان أن واشنطن وإن لم تؤيد التوريث فإنها لم تعارضها!
ومن هنا فإن اليأس من التغيير السلمي كان سبباً في ثورة يناير، والتي خرجت لتتحدى القبضة الأمنية وقد وصل غشمها إلى سحل قاض أمام نادي القضاة!
بيد أن قناعة السيسي غير ذلك، وهو يرى أن أي ثقب إبرة يمكن أن تنفذ منه الثورة، فلا يسمح بأي قدر من الحرية، كإجراء احترازي، ولهذا فان الإفراج عن المعتقلين ولو كانوا ضمن القوى المدنية، ليس مسموحاً به، وليس مسموحا لصوت مختلف في البرلمان كما جرى بإبعاد النائب أحمد طنطاوي!
إبراهيم عيسى ماذا هناك؟
والحال كذلك، فماذا وراء غضب إبراهيم عيسى في برنامجه بقناة مصرية من استمرار اعتقال شباب الثورة، ومطالبته بالإفراج عنهم، وكأنه كان نائماً واستيقظ فهم في السجون منذ سنوات ولم يعتقلوا قبل شهور؟!
لأن من ربى أفضل ممن اشترى، فإن مثلي يعرف أنه من المستحيل أن يكون هذا الدفاع مرده إلى أن إبراهيم عيسى، ليس هو من يتحرك بهدف الدفاع عن الحريات، لأنه فيما يختص بها فإنه يدور مع نفسه وجوداً وعدماً!
لقد أغلقت صحف في عهد مبارك، وسجن صحفيون وشردوا وعذبوا، فلم يضبط متلبساً بموقف دفاع عن أحد، لكنه إذا تعرض لاستدعاء للمثول أمام النيابة فإنه يحول ذلك كما لو كان العدوان الأول على حرية الصحافة، ويجد دائماً من يؤوب معه، وتقديمه على أنه مانديلاً، فيذهب إلى النيابة في زفة، وقد أقامت المنظمات الدولية الدنيا وأقعدتها في عهد مبارك لمجرد إحالة النيابة لأربعة صحفيين، كان من بينهم عيسى ووائل الإبراشي، وحصل إبراهيم بسبب ذلك على جوائز صحفية دولية، في وقت سجن فيه زملاء وأغلقت فيه جريدة "الشعب"، دون أن يمثل هذا شيئاً لهذه المنظمات، فالغرب ينصع نخبته، وكانت صحيفة "الشعب" تقف على خط النار انحيازاً لقضايا الأمة، ومدفعاً في مواجهة عدوها، وهي قضايا لا تشغل إبراهيم فلهذا يتبناه الغرب!
ماذا وراء غضب إبراهيم عيسى في برنامجه بقناة مصرية من استمرار اعتقال شباب الثورة، ومطالبته بالإفراج عنهم، وكأنه كان نائماً واستيقظ فهم في السجون منذ سنوات ولم يعتقلوا قبل شهور؟!
وقد وقفت قبل سنوات ضد قرار السلطة بإغلاق جريدة "الدستور"، الصادرة بترخيص أجنبي، لنشرها خبراً كاذباً لصالح نجيب ساويرس، رآه مبارك يهدد السلم الداخلي، وعندما عادت بقبول حكومي، لحسابات يطول شرحها، وأحيل إبراهيم للنيابة في قضية نشر طلبت مني زميلة المشاركة معهم في حملة تضامن معه، فحدث أن سألتها ومع من تضامن إبراهيم عيسى، والمهنة تتعرض لتحديات كبيرة، ومن المعروف أن حكما صدر بسجنه شهرين، تنازل عنه مبارك، الذي سجن في عهده مجدي أحمد حسين، رئيس تحرير "الشعب" وأربعة من زملائه بهذه الصحيفة من بينهم رسام الكاريكاتير بالجريدة، قبل إغلاقها في وقت لاحق!
واستغل هذا العفو الرئاسي الكريم، في دعم الأسطوانة المشروخة عن العهد الذي لم يقصف قلماً، ولم يصادر صحيفة، ولم يسجن صحفياً، وتواطأ عيسى مع هذه الدعاية، لأنه يتمحور حول ذاته، ومن هنا يكون السؤال منطقياً من وراء هذه الدعوة التي أطلقها بالإفراج عن المعتقلين!
إن من الواضح أن جهة ما داخل السلطة، هي وراء هذه الدعوة، لكن جهة أكثر نفوذاً هي من تملك سلطة الحبس، وإنزال العقاب، ولا يعني هذا أن هناك صراعاً على السلطة في مصر، ولكنه صراع على النفوذ لخدمة السلطة الأعلى، وقد ترى هذه الجهة أنه للحفاظ على هذا النظام لابد من إزالة الاحتقان، وتهدئة اللعب، والتوقف عن هذا الشحن المتواصل، الذي يهدد باحتمال انفلات الموقف! وعندما نعرف أين "تمام" إبراهيم عيسى بحسب بالمعنى العسكري، فسوف نقف على الجهة العاقلة في هذا البلد!
إبراهيم عيسى لا يبشر بانفراجة..